حين تنغلق الجغرافيا ويضحى التاريخ وهما لايبقى امام الشعوب سوى البحث عن امل, عن نبتة ضوء ولو عبر رحلة خيالية من واقع مرير ودام الى جزيرة يسودها السلام بعيدا عن سطوة السياسة وهدير الدبابات. هذا ماحدث في جنيف اذ انغلقت الجغرافيا لا على الفلسطينيين فقط ولكن على الاسرائيليين ايضا واضحت اوسلو وهما, وادار العالم وجهه الى العراق والارهاب وظهره الى القدس ولم يكن هناك بد من صنع وهم ما... يلفت الانظار, مسرحا تراجيديا يتطهر فيه الجميع من فوضى الدماء, يشد انظار المشاهدين الى وجوه مرهقة يعلوها امل باهت في ان يكون غرسها ميلادا جديدا لحقبة جديدة. وهم كبير ام اعجوبة ستتحقق ليرتفع غصن ضئيل من الزيتون الذي غبره بارود المدافع والقنابل في فلسطين اسئلة كثيرة ربما كانت الاجابة الوحيدة عنها هي: ربما ايضا. ريتشارد دريفوس الممثل الاسرائيلي افتتح احتفال جنيف بكلمة الامل.. وتيودور هريتزل افتتح مؤتمر بال بسويسرا 1897م بكلمة الامل.. وحين وقعت اوسلو برزت الكلمة في الافق الدامي.. والمؤيدون والمعارضون والمقاتلون والبسطاء وياملون فهل ستكون جنيف التصورية المدينة شرارة الامل؟ الرحلة من اوسلو الى جنيف دامية ومؤلمة ومرهقة وظلال الخوف والظلمة التي طوت اوسلو واغرقت المنطقة في بحار اليأس رفعت راية الرفض عاليا في اسرائيل وفلسطين ضد جنيف. جنيف قادة المجتمع المدني في كل من اسرائيل وفلسطين, جنيف الملونة بكل الوان الطيف السياسي.. جنيف غير الرسمية والهادفة الى سلام ليس كسلام الشجعان الذي اضحى حرب الجبناء ولكن سلام المرهقين من الحروب والمفزوعين من الدماء والمسكونين بالرعب والطامحين في ان يشربوا قهوة امهاتهم باسترخاء ذات شفق غير ملوث بدخان البارود وغبار المنازل المدمرة. رحلة اقل ما يمكن ان تقدمه هو اضاءة مسرح الحدث ثانية بعد خفوت الاضواء وانصراف المشاهدين.. اضاءة المعاناة والارهاق لشعبين احدهما يعيش المأساة بكل ابعادها الدرامية والاخر يعيش الرعب الذي صنعه قادته وزعماؤه. ويبقى الامل قائما والسؤال قائما وعناق الاكف بين ياسر عبد ربه وبيلين في حفل التوقيع هل سيؤسس لهذا الامل؟ الرحلة دامية ومريعة فهل ننهي كلامنا بمثل ما انهى به شيمون بيريز كتابه (الرحلة الخيالية) لنقول اليوم مثل البارحة والغد, بات الحلم والخيال العنصرين الرئيسيين والطاقة الخفية في حياتنا.. و(فلسطين) هي بلاشك المكان الوحيد في العالم حيث يتزاوج الحاضر مع المستقبل والماضي وحيث لاندرك الحقيقة الا من خيال الخيال.. وهذه الرحلة هي احد البراهين على ذلك.