أوضح مستشار رئيس مجلس الشورى والمشرف على ادارة المستشارين د. محمد بن عبدالله المرزوقي ان التعديلات التي نص عليها الامر الملكي رقم أ/198 في 2/10/1424ه جاءت تتابعا لمراحل التطوير. بثت وسائل الاعلام نص الامر الملكي الكريم رقم أ/198 وتاريخ 2/10/1424ه بتعديل المادتين السابعة عشرة والثالثة والعشرين من نظام مجلس الشورى وجاء هذان التعديلان تتابعا لمراحل التطوير في البنية التنظيمية والتي كانت محل الاهتمام منذ صدور الانظمة الاساسية التي تشمل نظام مجلس الشورى اضافة الى النظام الاساسي للحكم ونظام المناطق ونظام مجلس الوزراء، وكان هذا الاهتمام بتطوير هذه الانظمة جليا منذ صدور تلك الانظمة حيث جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله بمناسبة صدور هذه الانظمة انها ستكون خاضعة للتقويم والتطوير حسب ما تقتضيه ظروف المملكة ومصالحها. وأكد على ذلك يحفظه الله في تصريحه الى صحيفة عكاظ في عددها (11100) بتاريخ 23/8/1417ه: (لا يوجد نظام في الدنيا يوضع موضع التنفيذ الا وتظهر عليه اضافات وملاحظات وتحسينات ونحن الآن بصدد اجراء هذه المراجعة الشاملة, وهو ما كنت أشرت اليه في كلمة التقديم لهذه الانظمة عند صدورها, لادراكي بان كل شيء في هذا البلد يتطور, وبالتالي فان طبيعة النمو المستمر والتفاعل الشامل مع معطيات العصر تستدعي المراجعة والتطوير المستمرين. ولذلك فإننا لا ندخر جهدا في سبيل الاستعانة بأصحاب الرأي والخبرة والمشورة على الدوام لتطوير انظمتنا بما يتفق مع ثوابتنا واحتياجاتنا الفعلية ولاشك ان تلك الآراء اسهمت وستسهم - باذن الله وحوله وقوته - في ادخال اضافات وتحسينات مفيدة لما فيه خير وصلاح البلاد والعباد). وهذا الاهتمام يرتكز على قناعة راسخة باهمية الاصلاح والتطوير بما يستهدف مصلحة الوطن والمواطن بما لهما من متطلبات وتطلعات, وكان مجلس الشورى عونا على السعي في هذا السبيل بما يفرضه عليه نظامه والمصلحة الوطنية, وقد وجه خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بتوجيه صريح وجاد بهذا الشأن حينما قال في كلمته التي القاها في افتتاح اعمال السنة الثالثة من الدورة الثالثة لمجلس الشورى لعام 1424ه: (ولئلا يجهل أحد جدية الدولة في المضي في الاصلاح على النهج التطويري الذي ارتضيناه, وبالمصداقية التي تقوم على الفعل لا القول, فانني اقول لكل مواطن ومواطنة ان لكل منا دورا وعلى كل منا مسؤولية, لم يعد هناك وقت للتواكل ولوم الآخرين والتشكيك في صدق ونزاهة من يريد الاصلاح.. واقول لكم أعضاء مجلس الشورى. ومثلكم اعضاء مجالس المناطق والمحافظات انكم مطالبون بتحسين ادواتكم وأخذ مسؤولياتكم في السياق الذي يجب ان تؤخذ فيه سياق المشاركة ومراقبة اداء الاجهزة الادارية. وأقول للجميع انه لم يعد بيننا مكان لمستفيد من موقع او مستغل لنفوذ). وقد اثمر هذا الاهتمام وسيظل يثمر عن اجراء عدد من الاضافات والتحسينات, ويأتي الامر الملكي الاخير ضمن حلقات التطوير المتتابعة, ومع أن مزيدا من التأمل وما سيجري عليه التطبيق سيكشف عن مدلولات هذا التعديل الذي تضمنه الامر الكريم بشكل أعمق وأوضح, الا انه من الممكن من خلال القراءة الاولية استظهار جانب من هذه المدلولات على الوجه الآتي: 1- قضي التعديل بان يتم رفع قرارات مجلس الشورى الى الملك, وكان النص السابق يقضي بان ترفع الى رئيس مجلس الوزراء, ومع ان الملك هو رئيس مجلس الوزراء, بمقتضى المادة (56) من النظام الاساسي للحكم الا ان بين الصفتين اختلافامن الناحية الدستورية, فالملك صفة تحمل في مضامينها انه الرئيس الاعلى للدولة ومرجع جميع السلطات فيها (القضائية والتنظيمية والتنفيذية) حسب نص المادة (44) من النظام الاساسي للحكم, أما صفة رئيس مجلس الوزراء فتعني الوضع الدستوري الخاص بصفته رئيسا لمجلس الوزراء المحددة صلاحياته بمقتضى النظام الاساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء, وقد كان النص السابق مثار تساؤل عن المغزى والمعنى من ايراد هذه الصفة في الرفع رغم ان العلاقة هي بين مجلسين مرجعهما الملك بصفته ملكا, فجاء هذا التعديل قاطعا لهذا التساؤل ورافعا للالتباس. 2- بما ان قرارات مجلس الشورى تصدر في موضوعات مختلفة عما هو منصوص عليه في نظامه, ومنها ما قد يكون غير لازم نظاما احالته الى مجلس الوزراء, وانما يقرر فيه الملك بقرار يصدر من لدنه فقد جاء التعديل بمواجهة هذه الاحتمالية ومعالجتها. وقد خلا النص السابق من هذه الاحتمالية مما جعل النص يوحي باحالة كل قرار الى مجلس الوزراء, وهذا التعديل ينسجم مع تعديل صفة الرفع. 3- جاء التعديل ببيان الآلية التي تتبع عند اختلاف وجهات النظر بين مجلس الشورى ومجلس الوزراء بشأن الموضوعات التي يشترك المجلسان في دراستها, فقد ألزم التعديل باعادة عرض الموضوع على مجلس الشورى لينظر في وجه الاختلاف ويبدي ما يراه بشأن هذا التباين في وجهات النظر فقد يتوصل الى صيغة توفيقية مناسبة او يبين مسوغات هذا التباين ومؤيدات وجهة نظره, ومن ثم يرفع ذلك الى الملك لاتخاذ ما يراه. وعليه فمن نتائج هذا التعديل الا يغيب مجلس الشورى عن اي اختلاف في وجهات النظر بينه وبين مجلس الوزراء بل يكون حاضرا برأيه ومؤيداته وقد يصل الى حلول مناسبة من منطلق قناعاته ودراساته ومناقشاته. وقد كان النص السابق خلوا من هذه الاعادة الى مجلس الشورى مما جعل الحسم في اوجه اختلاف وجهات النظر يتم بعيدا عن نظر مجلس الشورى, ولذا جاء التعديل ليتلافى هذا الاشكال الذي قد يخل بتكامل وجهات النظر والتوفيق بينها, وبذا يكون التعديل قد اعطى مجلس الشورى سلطة واضحة ومتكاملة في دراسة الصيغة النهائية لمشروعات الانظمة واللوائح وغيرهامن الموضوعات الداخلة في اختصاصه. 4- اما تعديل المادة الثالثة والعشرين من نظام مجلس الشورى فقد جاء لسد خلل كانت تعاني منه البنية التنظيمية في المملكة، حيث لم تكن هناك سلطة تنظيمية تتولى المبادرة الى طرح مشروعات الانظمة وتعديلاتها بقرار صادر منها, وانما كانت تبتدئ باقتراحات من الجهات التنفيذية ومن ثم تأخذ طريقها للدراسة في الجهات التنظيمية, فكانت السلطة التنظيمية تعتمد على ما يردها من السلطة التنفيذية, ومع ان النص السابق للمادة 23 من نظام مجلس الشورى أعطى لعدد من اعضائه حق اقتراح نظام جديد او تعديل نظام نافذ الا ان هذا المقترح لايسهم المجلس بدراسته ولايبدي رأيا بشأنه وانما يرفع الى الملك بعد تبنيه من قبل ما لايقل عن عشرة اعضاء من غير أن يحظى بموافقة المجلس, وجاء هذا التعديل ليسد هذا الخلل وتكتمل به الوظيفة التنظيمية لمجلس الشورى بما يجعل منه هيئة تنظيمية مكتملة تتخذ قراراتها باستحداث مشروعات انظمة جديدة او تعديل أنظمة نافذة. هذه اهم ما ظهر من معطيات التعديل المشار اليه, والذي يأتي في سياق منهج صريح اعلن عنه خادم الحرمين الشريفين منذ البداية بتعهد هذه الانظمة بالتقويم والتطوير وإخضاعها للمراجعة والتحسين حسب ما تقتضيه ظروف المملكة ومصالحها, وستتابع الخطوات في هذا المنهج المعلن بإذن الله تعالى وتوفيقه.