تعودنا على سماع (حوار الطرشان) اما حوار العميان فهو عنوان يحيط به ضباب الغرابة وعدم الألفة, حتى ان السمع يجفل منه, ولكن من قرأ ابا حيان التوحيدي, ورأى نقله لمشهد العميان, وهم يصفون فيلا.. فإنه لا يستغرب إلحاق العميان بالطرشان. عميان التوحيدي تحلقوا حول فيل بالصدفة, وراح كل منهم يتفرى بيديه الجزء الذي امامه من جسم الفيل, فهذا يصف الخرطوم وكأنه الفيل كله, والثاني يصف الذنب ويحسب انه كل الفيل.. وهكذا الثالث والرابع, واصبح الفيل الواحد في رؤيتهم اليدوية وكأنه شيء غريب جاء من عالم الأشباح بحيث انه لا يمت الى الفيل الحقيقي بأية صلة. حوار عميان أبي حيان ليس فريدا, فهناك عشرات الحوارات تدور بنفس الطريقة, كل واحد يأخذ من الفكرة المطروحة للحوار جزءا صغيرا ويعتقد أنها الفكرة بكاملها, وحين ينتهي وطيس الحوار يتقشع غبار المعركة عن أن كل واحد من المتحاورين يذهب في اتجاه معاكس للآخر (إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). تعلمنا هذه الآية الكريمة ان العمى ليس واحدا: فهناك عمى البصر وهناك عمى القلب, اي ان العمى هو عدم الرؤية سواء صدرت من العين او من غيرها. ان عمى الوعي اشد ضلالا للانسان من عمى البصر, ذلك لأن عمى البصر قد يقود الى حفرة اما عمى الوعي فهو يقود الى هاوية لا قعر لها. والوعي الذي أعنيه وأصفه بالعمى المطلق هو الوعي الذي يعتقد في نفسه امتلاك الحقيقة ولا يرى او يسمع في ساحة الحوار غير صوته هو وحده باعتباره البصير الوحيد بين المتحاورين. سوف ننتظر طويلا قبل ان نرى حوارا تحت الشمس حوارا يطرح الاسماء كلها, لا الحوار الذي يقول:==1== لا تعذليه فإن العذل يولعه==0== ==0==قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه==2==