تتهم الحكومة عرفات بالمسؤولية عن كل شيء، وتعد الشعب بوصول قيادة فلسطينية معتدلة إذا ما اختفى عرفات عن الخارطة السياسية. لكنها تعتبره، في الوقت الحالي، قادراً على كل شيء... كان حريا بنا أن نتذكر ونحن نؤدي صلاة (لتفنى سنة ومصائبها)، أن أكثر المصائب فظاعة هي تلك التي ننزلها على رؤوسنا بأيادينا. وبالفعل، لقد كانت السنة المنصرمة (حسب التقويم العبري) سنة مصائب وخطايا، وقد رأينا النتائج في المعطيات القاسية للاستطلاع الذي نشر عشية عيد رأس السنة، حيث يعتقد 72% من المستطلعين أن مستقبل الأجيال الشابة لن يكون أفضل. ما الذي استبدل مقولة (لم يضِع أملنا) (في النشيد القومي اليهودي) بمقولة الأمل الضائع؟ يبدو أن الحكومة مشغولة، بفعل فاعل، بصناعة الفقر وزرع الحزن، بالبحث عن المذنبين وبتلفيق الاتهامات. لن تؤدي التقليصات إلى خلق مستقبل جديد. الدولة تحتاج إلى النمو، والنمو يحتاج إلى أرض ملائمة وهواء للتنفس. طالما تواصل رفض إجراء المفاوضات وطالما تواصلت مخاطر الانتفاضة، لن ينتعش فرع السياحة، ولن ينشط البناء، ولن ترجع الاستثمارات، كما لن يتم خلق أماكن عمل جديدة. وستواصل البطالة والفقر، فقط، الاتساع والنمو. يجب ضرب الإرهاب، لكنه يجب علينا أن نعرف أننا لن نتمكن من هزمه بواسطة قوة الذراع، فقط. عندما تتم تصفية إرهابي، لا يعني ذلك تصفية خطر مجيء غيره. وعندما نرغب في تدمير قاعدة الإرهاب، يتحتم علينا الفهم بأن المقصود ليس قاعدة مادية، فحسب، وإنما قاعدة سياسية ونفسية، أيضاً. فالاحتلال والفقر يشكلان دفيئة للإرهاب. يتسبب استمرار الصراع وترسيخ الاحتلال في تآكل كل جانب طيب لدينا. فمصاريف الأمن تزداد وميزانية المعارف تتقلص. ويتم المس بالخدمات الصحية ويزداد وهن الشرائح الضعيفة، إذ أن هذه الشرائح والشرائح المتوسطة هي التي تدفع الثمن. أما الحكومة فتغوص في ألوية القضاء والقدر وتفقد القدرة على المبادرة والخيال الخلاق. وينعكس الإيمان بالقضاء والقدر في تجاهل الساعة الديموغرافية. إذ يعيش، اليوم، بين نهر الأردن والبحر، 5.4 ملايين عربي، والتزايد الطبيعي لدى العرب يضاعف نسبته لدى اليهود، وقد بات من الواضح أننا سنفقد الغالبية اليهودية خلال عقد من الزمن، وكلما تقلص الفارق الديموغرافي، ازداد التوتر السياسي. وينعكس الإيمان بالقضاء والقدر، مثلاً، بالاستثمار في الضفة الغربية وقطاع غزة. فهذه الحكومة، أيضاً، تعرف، بل وافقت بتلعثم، على الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة. لكنها تستثمر هناك قرابة خمسة مليارات شيكل، سواء عبر الميزانيات المدنية أو المصاريف الأمنية. كما ينعكس الايمان بالقضاء والقدر في المجال السياسي. ففي اللحظة التي قالت فيها الحكومة إنها لن تجري مفاوضات طالما تواصل الإرهاب، فقدت بذلك المبادرة السياسية. هناك آخرون يديرون السياسة بدلاً عنها، وتضطر هي إلى الموافقة على تعريف تواجدنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، على أنه احتلال، وتضطر إلى الموافقة على الحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية، وعلى الحاجة إلى عدم الاكتفاء باتفاق مرحلي وإنما التوصل إلى حل دائم خلال ثلاث سنوات. إنها لم تفاوض، لكنها اضطرت إلى تقبل تفاهمات لم تشارك في بلورتها. تتهم الحكومة عرفات بالمسؤولية عن كل شيء، وتعد الشعب بوصول قيادة فلسطينية معتدلة إذا ما اختفى عرفات عن الخارطة السياسية. لكنها تعتبره، في الوقت الحالي، قادراً على كل شيء، تعتبره السياسي والعسكري الذي يتم كل شيء حسب ما يشاء. لكنه سبق لنا أن شاهدنا عرفات وهو يستسلم للضغوط الدولية، تماما عندما استسلمت الحكومة بشأن رغبتها بطرده. لقد ولّد الإيمان بالقضاء والقدر حالة من الشلل، والشلل يقتل المبادرة ويجلب الفقر. إلا أنه يمكن انتهاج طريق آخر. يمكن ضرب الإرهابيين وضرب الإرهاب من خلال ضرب مسبباته. يمكن ضرب الإرهاب وإجراء مفاوضات من أجل خلق أجواء مغايرة في إسرائيل وحول إسرائيل. يمكن تقديم موعد تطبيق السياسة التي وافقنا عليها، إقامة دولتين، بدل الامتناع عن الحسم. * رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "عن يديعوت أحرونوت"