بينما كانت صواريخ سكود تنهال على المنطقة الشرقية، وتحديداً عام 1411ه (1991م)، أعلن عن زفاف 19 شاباً في بلدة الجش، إحدى مناطق القطيف، حيث قام الشيخ منصور الطاهر بتزويج 19 شاباً في ليلة واحدة، فكان حدثاً مميزاً للغاية، لاسيما أن المنطقة تعيش حالة الحرب والخوف التي عاشها أبناء المنطقة في تلك الفترة. يقول عبدالله آل خميس، أحد منظمي الزواج الجماعي: أن فكرة الزواج الجماعي انبثقت من بلدة الجش، وانتشرت في باقي مناطق القطيف، ونظمت البلدة حتى الآن 19 مهرجاناً، لكن مع وجود الخلافات داخل المجتمع في تبني وتنظيم هذا النوع من المناسبات، أدى إلى تدني المشاركة الفاعلة فيه، مما ينذر باندثاره واضمحلاله. الانطلاقة الفعلية عيسى السيهاتي، أحد منظمي الزواج الجماعي بمدينة سيهات يقول: بدأ الزواج الجماعي يشكل لجان، وعمل منظم وبآلية وبرامج وأهداف مرسومة، وتحديداً منذ عام 1412ه بزفاف 21 متزوجاً. أما عن تدني الإقبال على المشاركة في هذه المهرجات فقال: من أهم أسباب عزوف الشباب عن الانضمام إلى هذه الاحتفالات هو النظرة الطبقية، التي لازال تعيشها بعض فئات المجتمع، وكذلك النظرة المغلوطة التي علقت بأذهان الكثيرين، عن مفهوم الزواج الجماعي وأهدافه الحقيقية. عوامل توقف المهرجان ويتحدث حسن الشيخ علي المرهون أحد منظمي الزواج الجماعي بالقطيف عن تجربته في هذا المجال: الزواج الجماعي بدأ بداية قوية، وبمشاركة فاعلة من جميع فئات المجتمع، لكن نجد أن لتوقفه أسبابا جوهرية، هي: النظرة الطبقية التي يعيشها البعض، والنظرة المادية التي يقيم بها المجتمع هذه المهرجانات، أكثر من كونها مظهر من مظاهر التكافل والترابط الاجتماعي، وكذلك المناطق الواسعة التي تشملها المدينة، مقارنة بالقرى، مما يصعب تحقيق الرغبات، وتحديد مواقع المهرجانات التي ترضي جميع الأطراف. التمويل والمناطقية أما عن توقف الزواج الجماعي بجزيرة تاروت فقال احمد المطوع، أحد منظمي هذه المهرجانات في جزيرة تاروت سابقاً: التمويل المادي لتلك المهرجانات كان منصباً على مؤسسات معينة، مما تسبب في عبئ عليها، والاعتماد على الصندوق الخاص للمهرجان، وكذلك المشاكل المناطقية، التي واجهت إدارة المهرجان، ورغبة كل طرف بأن يكون المهرجان في منطقته، مما أوجد خلافاً لا نهاية له، وهذا اضطر المشاركون في إدارة المهرجان إلى التنحي والانسحاب، ومن ثم التوقف. الظروف المادية والوقت المناسب لكن في جولتنا على بعض القرى في محافظة القطيف وجدنا رأياً مغايراً عن تجربة هذه المهرجانات عن المدينة، ففي بلدة الجارودية، يتحدث الشيخ علي المعلم، أحد منظمي الزواج الجماعي فيها، بقوله: استمرارية هذا النوع من المهرجانات يعود إلى وعي المجتمع بأهميته، وكذلك قلة المبالغ المطلوبة من المتزوجين، نظير مشاركتهم فيه، الذي كان له دور فاعل في استمراريته، بالرغم من قلة المنظمين لهذه المهرجانات، مقارنة بعدد المتزوجين في مدن القطيف. سر النجاح أما زكي الشعلة أحد منظمي الزواج الجماعي في حلة محيش فيقول: من الركائز الرئيسة التي يعتمد عليها استمرارية هذا النوع من المناسبات، هو الإدارة الفاعلة، التي تصر على المضي قدماً في تبني هذه المشاريع، وتذليل أصعب الظروف والمعوقات التي تحول دون استمراريته. التكافل والبعد عن الطبقية وفي بلدة القديح التي تتميز بكثرة سكانها يقول احمد الخاطر، أحد منظمي الزواج الجماعي بالقديح عن سر استمرارية هذا النوع من المهرجانات في بلدتهم، رغم الظروف المادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها البعض: لاشك أن الأهالي يعيشون مفهوم التكافل الاجتماعي، بمفهومه التقليدي، الذي نما لديهم عبر الأجيال المتوالية، الذي شجع الأغلب من المتزوجين على الانخراط في هذا النوع من المهرجانات، وكذلك البعد عن الطبقية، التي لم تمتد جذورها بشكل كبير بين فئات هذا المجتمع. صالات النساء وعن تجربة بلدة أم الحمام في هذا النوع من هذا المهرجانات التقينا حسين صالح الشبيب، الذي تحدث عن تجربته في هذا المجال، فقال: من أهم الأسباب التي تقف حجر عثرة في استمرارية هذا النوع من المهرجانات، عدم وجود صالات مجهزة ومعدة للنساء، لاسيما أن كل الزيجات تتم في ليلة واحدة، وهو ما يصعب توفره في منطقة القطيف، إلا بشكل محدود، وهذا ما تسبب بدوره في عزوف الكثيرين عن المشاركة في مثل هذه المهرجانات. النظرة السطحية سبب التوقف بلدة الخويلدية خاضت التجربة، ولكنها توقفت في الآونة الأخيرة عن تنظيم هذا النوع من المهرجانات. يؤكد نصر الصويلح أن البعض ينظر إلى الزواج الجماعي على أنه يسعى للتقليل من المصروفات المادية، ولكن لهذه المهرجانات أهدافاً أسمى واعم من ذلك، ولذلك حدث عزوف عن المشاركة فيها، مما اضطررنا لإلغائه هذا العام. مهرجان متميز زرنا مدينة صفوى والتقينا هاشم الشرفاء، أحد منظمي الزواج الجماعي، سألناه حول تجربته فقال: المهرجانات أعطتنا إصرارا على الاستمرارية، ومما يميز مهرجان الصفا للأعراس كونه الوحيد الذي يمتلك مخيم متكاملا لهذا الغرض، مما يقلل من المصروفات، كذلك وجود كادر متكامل من (إداريين وفنيين وعمال.. الخ)، يفوق عددهم 800 فرد. ومن أهم أهداف إقامة المهرجانات هو أيجاد كوادر مؤهلة، وتنمية قدرات العاملين والمشاركين في تنظيم تلك المهرجانات، مما يشجع في استمراريتهم، وتطورهم في خوض تجارب اجتماعية أخرى عديدة، ومما يدلل على ذلك أن مدينة صفوى استضافت أول لقاء بين لجان المهرجانات في المنطقة والأحساء، كما أننا سعينا في مهرجان العام إلى جمع المتزوجات في يوم التهنئة بالزواج في مكان واحد، كخطوة في الترويج لما يسمى بزواج متكامل، ونراهن على أن يكون الزواج الفردي ظاهرة اجتماعية شاذة في مدينتنا. ولعل الملاحظ أن بعض القرى والبلدان خاضت هذا النوع من المهرجانات بتجربة ما لبثت ان أجهضت بعد ولادة قيصرية، كما هو الحال في بلدة الآجام، أو في قرى ومدن لم تخض التجربة أصلاً، كما هو الحال في بلدة الملاحة والتوبي، فهل تصمد هذه المشاريع الاجتماعية في ظل ظروف تعمل على طمسها وغيابها، ولعل الأيام القادمة تثبت صحة هذه المقولة من عدمها.