لم يعد بمقدور كثير من شباب الاحساء أن يجلس هكذا دون أن تكون له مشاركة في واحدةٍ من اللجان العاملة في مهرجانات الزواج الجماعي التي بات المجتمع الأحسائي يفخر بها، والسبب في ذلك يعود إلى وصول شرائح المجتمع إلى مرحلة بات كلٍ منهم ينظر إلى المهرجان على أنه جزءٌ منه، لذا فتجده حريصاً على المشاركة فيه بل والمساهمة في إنجاحه، فتحول المهرجان من فكرة بسيطة تهدف إلى توفير المال وحسب، إلى مشروع طموح وراشد بلغ مرحلة النضج حتى أن البعض أشار إلى أن هذا المشروع أذاب الفوارق الاجتماعية والطبقية وأبعد الأنا! فهل حقاً أن هذا المشروع ساهم في زيادة أواصر الأخوة بين أفراد المجتمع حتى أصبح الفرد يحمل روح الجماعة؟ وإذا صح ذلك فكيف حدث ذلك؟ (الرياض) وعبر هذا التحقيق تحاول أن تقرب الصورة اكثر عبر لقاء مع بعض النخب الاجتماعية للحديث عن هذه الفكرة الاجتماعية ليس من منظور اقتصادي فقط، وإنما من جوانب ربما غفل البعض عن تناولها.. الخروج من الأنا الآثار الإيجابية لمشروع الزواج الجماعي على المجتمع والفرد تحدث عنها فضيلة الشيخ حسين حجي الحليمي مبيناً إلى أنه ورغم عدم إغفال الجانب الاقتصادي للزواج الجماعي إلا أن هناك جوانب مهمة جداً أولها: توثيق روابط الإخاء والمحبة والخروج من حالة الأنا(الأنانية) حيث يشعر فيها الإنسان بالآخرين ويشعر بالترابط القائم بينه وبينهم حتى يصل إلى مرحلة أنه يسره ما يسرهم ويضره ما يضرهم، وألفت النظر إلى أن تلك الصورة الرائعة لا يمكن أن تتبلور داخل النفس إلا بوجود أجواء تؤكد هذا الأمر، مشيراً إلى أن العمل الجماعي بما يحتاج إليه من أيدي عاملة كثيرة أو كما تسمى باللجان تؤكد هذا المعنى ويشعر فيها الفرد بأنه جزء من الآخر ومتمم له، وهذه روح نحتاجها في جميع أيامنا وشئوننا الاجتماعية، والوصول لهذه الروح يحتاج إلى تثقيف للصغير والكبير وإشعارهم بأن هذا الأمر حضاري. ويضيف الشيخ حسين الأثر الثاني للزواج ويقول: التربية الدينية وهي كون أن العمل النافع للناس عبادة يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى ويثاب العبد عليها، (الخلق عيال الله، واحبهم إليه أنفعهم لعياله)، فإيجاد هذه الروح الدينية تحتاج إلى جهود المجتمع بأكمله سواء أكان شيخاً أم أكاديمياً أم معلماً أم صحفياً، كلٌ في مجاله حتى يتم بناء النفس على هذه الروحية السامية! يكسر الطبقية الاجتماعية أما المهندس احمد المطر «مشرف الزواج الجماعي بقرية الفضول» فيرى أن كسر الطبقية الاجتماعية وتأكيد المساواة بين الناس من أهم هذه الآثار التي تضمن للمجتمع انسجامه وتماسكه، كما أنه يجسد روح التعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع لتحقيق هدف واحد والعمل على إنجازه بأروع صورة، وعلى صعيد العلاقات الأسرية فلا ريب أنه يسهم في تقوية هذه العلاقات وينميها عبر تعاون أبناء الأسرة الواحدة في مشروع زواج أبنائها، ويشير المهندس يوسف الفرج إلى تزايد أعداد الملتحقين بالزواج الجماعي. ويرى الشيخ محمد العباد بأن المهرجان يعمق في الفرد روح الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين ويخرجه من دائرة الذات إلى دائرة المجتمع ويكون بذلك ممتثلاً لقوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} والزواج الجماعي ميدان خصب للعمل التطوعي والذي يقرب إلى الله تعالى، كما أنه يتيح للأفراد خوض التجربة العملية لإدارة الأنشطة والأعمال الفردية والاجتماعية بحيث يكتسب الفرد من المهرجان خبرة كبيرة في ذلك. الُبعد الاقتصادي فضيلة الشيخ محمد العباد «مشرف مهرجان العمران لعشر سنوات» يؤكد بأن الزواج الجماعي يقلل كثيراً من عبء التكاليف المادية، ولفت الشيخ النظر إلى أن هنالك حالات في الزواج الجماعي يعفي المتزوج من نسبه من الرسوم بل في بعضها كل الرسوم بحيث يتزوج دون أن يدفع ريالاً واحداً! وأشير إلى أن كل أصحاب المتاجر والمهن والحرف والإيجارات سيستفيد اقتصادياً من ظاهرة المهرجانات أكثر مما يستفيد من الزيجات الفردية لكثرة الطلب في موسم المهرجانات. ويلفت المهندس احمد المطر النظر إلى أنه وفي زمن الضغوط المعيشية وقلة مصادر الدخل للأجيال الجديدة يعتبر عامل التوفير الاقتصادي في الزواج الجماعي من أهم العوامل التي أوجدت هذا النوع من الزواج في الأصل، ولتفعيل وتحقيق المزيد من التوفير الاقتصادي على المتزوجين ينبغي التنسيق بين لجان الزواج الجماعي لدراسة سبل تقليل التكاليف ومن ضمنها المشاركة في المخيمات والمعدات والأدوات اللازمة عن طريق إنشاء مؤسسات متخصصة لهذا الغرض تملكها هذه اللجان بل ويمكن تأجيرها على الآخرين، وفي هذه الحالة سيتحقق هدف اقتصادي واجتماعي مزدوج وهو توفير فرص العمل للشباب للعمل في هذه المؤسسات واكتساب المهارات والخبرات المتخصصة، مضيفاً إلى ذلك الاستفادة المثلى من طاقات المجتمع وكوادره كل على حسبه ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. الزيجات الجماعية ولغة الأرقام أردنا ومن خلال تحقيق (الرياض) هذا أن تتجلى الصورة بشكل أوضح للفارق في التكلفة المادية بين الزواج الجماعي والفردي، فاخترنا نموذجاً من مهرجانات الأحساء، وهو الزواج الجماعي في بلدة الشعبة، التي يسجل مهرجانها في أغلب السنوات أكبر عدد للمتزوجين، فاخترنا الخمس سنوات الأخيرة، وافترضنا أن العدد ذاته تزوج بشكل فردي، ليكون ذلك منطلقنا في عمل المقارنة: دعوة لتعميم التجربة الشيخ محمد العباد وجه دعوته الخالصة لبعض مناطق المملكة التي لم تخض تجربة إقامة مهرجانات جماعية، دعاهم إلى الإقدام على إقامة مهرجانات دون تردد، حتى وإن كان الإقبال ضعيفاً في البداية فإنه بعد أن ينطلق المهرجان ويرى أبناء المجتمع الفوائد عملياً من الناحية المادية والاجتماعية سيزداد الإقبال على الزواج في المهرجان في السنوات اللاحقة، وهذا الشيء لمسناه نحن، فمثلاً في مهرجان الزواج الجماعي في العمران فالمهرجان الأول لم يتجاوز عدد المتزوجين فيه خمسين بين شاب وشابة حتى وصل العدد في سنوات لاحقة إلى أكثر من مائتين وخمسين بين شاب وشابة في مهرجان واحد، في حين أنه بلغ العدد هذا العام اكثر من مائة وثمانين بين شاب وشابة ويعني ذلك أن الظروف تساعد كثيراً على إقامة مثل هذه المهرجانات ولا شك أن للخطباء وأئمة المساجد والوجهاء والشباب الواعي الدور الكبير جداً في إقامة هذه المهرجانات الجانب التثقيفي ودوره الدكتور أحمد اللويمي دعا إلى ألا يكون الزواج الجماعي مقتصراً على الجانب الاقتصادي وأن يكون غايته توفير تكلفة الزواج من خلال إعداد حفلة الزواج و ما يلحقها من ملحقات وإنما الاهتمام بالجانب التثقيفي، وذلك عبر ما تحدثه من تحول في برامجها من خلال تقديم برامج تثقيفية للمتزوجين، عبر الاستعانة بعدد من المتخصصين في مجال الشؤون الأسرية، وأشار إلى أنها بحاجة إلى الكثير من الإعداد العلمي والتقني حتى تتمكن من تحقيق ما ترنو إليه، وفي هذا السياق بين الشيخ محمد العباد أن كل مهرجان توجد به لجنة ثقافية تعنى بتوعية المتزوجين بثقافة العلاقة الزوجية والأسرية، وأضاف أن هناك تفكيراً جاداً في أن يطور هذا الدور بتقديم الدورات المتنوعة وفي المجالات المختلفة من الفقهية وفن التعامل بين الزوجين وطريقة حل الخلافات بينهما، وكذلك فن تربية الأبناء، كما أن هناك تفكيراً جاداً في التواصل مع المتزوجين ثقافياً خلال مدة لا تقل عن سنتين بتزويده بالمحاضرات المسجلة والكتب والمقالات التي لها علاقة بذلك. ويرى المهندس يوسف الفرج أن دور الإعلام مغيّب عن مثل هذه الظاهرة الاجتماعية، وتساءل: أين التلفزيون عن تغطية المهرجانات ودعمها معنوياً كما هي الحال في بعض الدول المجاورة؟! وعلى رغم الجهود التي لا بأس بها صحفياً إلا أننا نريد المزيد من الصحف فدورها تثقيفي وإعلامي يشجع الجميع على الانخراط في هذا العمل الاجتماعي، كما يحفز بقية مناطق المملكة للإقدام على مثل هذا العمل الذي يحث عليه الدين والعقل. المهرجانات والدعم المرتقب وحول ما تنتظره مهرجانات الزواج الجماعي من دعم يضمن استمرارها قال الأستاذ عبدالله المشعل «مشرف الزواج الجماعي في الحليلة»: أنها كثيرة ومنها، فتح باب التبرعات العينية والمادية من قبل الشركات لدعم العرسان وهذا بلا شك يعود بالنفع على الطرفين، وحقيقة نتمنى أن نرى تفاعلاً ملموساً قريباً، كما نتمنى ومن منطلق المساهمة في تخفيف الإنفاق إلغاء الرسوم التي تطلبها شركة الكهرباء، ونود أن تسهم البلدية في تقديم بعض الخدمات المساندة للمهرجانات دون تكليفها أي تبعات مالية وإنما الاقتصار على استخدام الآليات المتوفرة لديها، وامتدح المشعل جهود الجهات الحكومية من دفاع مدني وهلال أحمر وشرطة ومرور في السنوات الماضية،