تشتكي الدور الاستشارية في الدول العربية من تجاوزها بواسطة المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص عندما يتعلق الأمر بطلب الدراسات الاستشارية ومما زاد الشكوى مرارة ان المؤسسات الوطنية تفضل المستشار الأجنبي على الوطني وتدفع له اضعاف ما يطلبه غيره بل وتشكك هذه الدور في جودة وموضوعية الاستشارة التي يقدمها الأجنبي واهمالها لمحددات وضرورات البيئة المحلية. ففي دراسة نشرت في إحدى الدول العربية والتي تعتبر من الدول التي تؤمن بقيمة الاستشارة المتخصصة وتشجع طلبها , اتضح أن نصيب الشركات والمكاتب المحلية لا يتجاوز (10 % ) من سوق الاستشارات الإدارية والمالية كما اتضح ان اكثر من (70 %) من هذه الشركات تعمل على هامش الربح أو تتأرجح بين الخسارة والربح لدرجة أن البعض منها اضطر للاغلاق والانسحاب من السوق. وقد أثبتت مسوحات أخرى في دول أخرى طبقا لما ذكره الدكتور عثمان الزبير احمد مدير ادارة التدريب والاستشارات في المنظمة العربية للتنمية ان عددا غير قليل من المكاتب الاستشارية تعمل من غير تصريح ولا تلتزم بالمهنية والموضوعية ولا تراعي اخلاقيات المهنة للحد الذي اصبح سلوكها هذا يضر بالمكاتب الأخرى الملتزمة والمجتهدة التي تسعى لتطوير نفسها وتطوير المهنة. تنظيم سوق الاستشارات: وهنا يشير الدكتور الزبير الى أن تطوير العمل الاستشاري في كل دولة عربية على حدة وفي الدول العربية مجتمعة يقتضي تنظيم سوق العمل الاستشاري الذي يعاني فوضى أفقدته ثقة المتعاملين معه وكما تشتكي الدور الاستشارية من تجاوزها وتفضيل الأجنبي عليها فإن الجهات المستشيرة تشتكي من ضعف قدرات المستشار الوطني بوجه عام وعدم التزامه بابسط قواعد المهنية والسلوك القويم الذي يجعل المستشير يطمئن إليه وهو يسلمه اسرار مؤسسته أو شركته. وبعيدا عن التحيز المهني , فإن الشكوى لا تنبع من فراغ وذلك لعدة أسباب لعل من أبرزها كما يقول الدكتور الزبير ما يلي: @ الخبرة في العمل الاستشاري في جانبها الأكبر تكتسب من الممارسة العملية وتنتقل من جيل لجيل ونسبة لحداثة العمل الاستشاري في الدول العربية فإن الخبرة المتراكمة تقل كثيرا عن نظيراتها في الدول المتقدمة ., يضاف الى هذا حداثة بعض المجالات على الدول العربية مثل تقنية المعلومات والاتصالات وإدخال أساليب القطاع الخاص في القطاع الحكومي. @ مع الاعتراف بوجود بيوت خبرة عربية رصينة وملتزمة الا ان الغالبية من المكاتب والشركات الاستشارية هي لافتات بلا محتوى فهي لا تمتلك مقرا خاصا بها ولا يعمل بها أحد بصفة كاملة حتى صاحبها (او اصحابها) , مثل هذه المكاتب تعتمد على العلاقات الشخصية والأساليب الملتوية في كسب المشاريع الاستشارية الأمر الذي يضعف من فرص النمو والتطور للدور الجادة ويدفع بالعمل الاستشاري عموما خطوات للوراء. @ ضعف أو غياب التشريعات القانونية والأجهزة الرقابية الحكومية الكفؤة التي تحدد الأسس والمعايير وأنماط السلوك والواجب توفرها فيمن يمارس المهنة فردا كان أو مؤسسة وتحفظ حقوق الأطراف في الجانبين وتحدد الخطوات الإجرائية والقانونية لازالة الغبن وفض المنازعات. @ اعتماد المكاتب الاستشارية في اداء اعمالها على الاكاديميين من اساتذة الجامعات والمعاهد العليا الذين يملكون المعرفة العلمية وتنقصهم التجربة العملية هذا القول بطبيعة الحال لا ينطب على كل اساتذة الجامعات الذين عوضوا الخبرة العلمية بخبرات استشارية واسعة استفادوا فيها من عملهم مع مؤسسات استشارية عالمية وأجادوا التعامل مع المنظمات العالمية مثل البنك الدولي ومشروع الأممالمتحدة الإنمائي التي تتطلب أنماطا وأشكالا ومستوى من الأداء هي الأقرب للمستويات العالمية في هذا المجال أن وصف مخرجات العمل الاستشاري العربي بأنها تقارير وتوصيات نظرية ينبع من نقطة الضعف هذه والتي لا يمكن تجاوزها إلا بتنظيم سوق العمل الاستشاري العربي ولقد فطنت الدول التي سبقت في هذا المجال الى أهمية التنظيم في تطوير المهنة وسعت جاهدة لذلك متخطية كل الصعاب التي واجهتها ومنها مقاومة الطفيليين والمتطفلين لأي تغيير للأوضاع القائمة. آليات تنظيم العمل الاستشاري: يقول الدكتور الزبير حول هذه النقطة: هناك اتجاهان غالبان على سواهما لتنظيم العمل الاستشاري الاتجاه الأول ينادي بان يكون التنظيم من أعلى الى اسفل ووفقا لهذا الاتجاه فإن الدولة هي المسئولة عن تنظيم ورقابة الحياة العامة في حدود رقعتها الجغرافية وبالتالي فهي المسئولة عن سن القوانين وإنشاء الأجهزة التي تكفل التزام المكاتب والشركات الاستشارية والعاملين فيها بالقوانين والأسس والمعايير التي تسنها الدولة ولقد اتضح من الحوارات الموضوعية التي تمت في المؤتمرات السابقة التي عقدتها المنظمة لقيادات دور الاستشارات والتدريب في عامي 2000 و 2001 أن غالبية المشاركين يطلب من المنظمة العربية للتنمية الإدارية أن تلعب دوراً أساسياً ورائداً في وضع هذا التصور موضع التنفيذ استناداً على موقعها المحوري في منظومة التنمية الإدارية العربية ولاشتراك الوزراء المعنيين بالتنمية والتطوير الإداري في جمعيتها العمومية ومجلسها التنفيذي. ولقد لخصت الورقة التي قدمها الدكتور جاسم خلف رئيس مجلس الإدارة لمركز التنمية العربي للاستشارات الإدارية في دولة الكويت في مؤتمر الاستشارات والتدريب الذي عقدته المنظمة في مدينة المنامة بمملكة البحرين في عام 2001م هذا الاتجاه فيما يلي: * تقوم المنظمة- مستعينة بلجان خبراء- بإعداد مشروع نظام لتقييم وتصنيف واعتماد الدور العاملة في نشاط الاستشارات والتدريب. * تقوم المديرية العامة للمنظمة بعرض مشروع النظام على التنفيذي، ثم الجمعية العمومية لإجازته واعتماده كأساس لتقييم وتصنيف واعتماد الدور العاملة في المجالين على مستوى الدول العربية. * يتم تنفيذ النظام وتطبيقه على مرحلتين: الأولى خاصة بالدور القائمة والمرخص لها حالياً. وفي حالة عجز بعض الدور عن اجتياز مرحلة التقييم والاعتماد تمنح فترة زمنية لتوفيق أوضاعها أو الانسحاب من السوق- أما المرحلة الثانية فهي المرحلة الأخيرة من تطبيق المشروع وهي المرحلة التي تشهد تطبيق النظام كاملاً على الدور القائمة والدور الجديدة الراغبة في ولوج هذا المجال، ويرى كاتب الورقة أن تقوم المنظمة بدور أساسي في تنفيذ المرحلة الخاصة بالدور القائمة حالياً. الاتجاه الثاني: أما الاتجاه الثاني لتنظيم سوق العمل الاستشاري العربي فهو الاتجاه الذي ينادي بأن ينبع التنظيم من القاعدة ومن العاملين في هذا المجال باعتبارهم أصحاب المصلحة الأولى من تنظيمه. ويرى المنادون بهذا الاتجاه أن الرقابة المهنية في هذا المجال أجدى من الرقابة الرسمية- سياسية كانت أو بيروقراطية. وللتدليل على صحة وجهة نظرهم هذه فهم يستشهدون بالتجربة الأوروبية والأمريكية في هذا المجال حيث قامت دور الاستشارات بتنظيم نفسها طوعياً في جمعيات مهنية قطرية بدأت تندرج لتكون تنظيماً عالمياً طوعياً قارب عدد أعضائه الأربعين عضواً. ثم قامت هذه الجمعيات بإنشاء معاهد استشارات إدارية خاصة بها لتقوم بعقد امتحانات اختيارية للراغبين في الانضمام لمهنة الاستشارات وتمنح هذه المعاهد شهادات اعتماد لمن يجتاز الاختبارات ليصبح حامل هذه الشهادة مستشاراً معتمداً. ولم يتوقف جهد هذه الجمعيات عن هذا الحد بل ساهمت مجتمعة في إنشاء مجلس عالمي يضم هذه المعاهد القطرية لإجازة الراغبين في ولوج مجال العمل الاستشاري من الدول الأعضاء ومن الدول الأخرى شريطة أن يكون المتقدم للاختبار عضواً في الجمعية المهنية الكائنة في دولته أو في أقرب دولة إليه في حالة عدم وجود مثل هذه الجمعية في بلده. فهذه الجمعيات الوطنية والعالمية لعبت دوراً بارزاً في تمهين مهنة الاستشارات في الدول الصناعية، ولم يمنعها كونها جمعيات طوعية أن تفرض مبادئها ومعاييرها على سوق العمل الاستشاري في تلك البلدان، بل أن هذه الجمعيات أنشأت علاقات عمل إيجابية ومفيدة مع الأجهزة الرقابية في بلدانها وخدمت الجهات المستشيرة قبل أن تخدم أعضاءها. ومن الواضح أن البديل الثاني هذا يتطلب جهداً من المكاتب والشركات الاستشارية على مستوى كل دولة عربية. إذ يتطلب ذلك تكوين جمعيات مهنية تنشأ طوعاً وبرغبة الأفراد والشركات العاملة في هذا المجال، أن مثل هذا الجهد يتطلب حماساً والتزاماً قد لا يكونا متوفرين في الوقت الراهن، وربما يقف العامل المالي عائقاً أمام أنشاء مثل هذه الجمعيات في بعض الدول. الآلية المقترحة: أن وجود منهجين متعاكسين لتنظيم العمل الاستشاري لا يعني أن اختيار أحدهما ينفي الآخر، لذلك فإن الآلية المقترحة هنا تسعى للجمع بين المنهجين. ويقترح الدكتور الزبير هنا أن يخرج المهتمون قريباً بإنشاء جمعية مهنية عربية للاستشارات وربما للاستشارات والتدريب إذ أن النشاطين لا ينفصلان- يراعي في تكوين لجنتها التمهيدية تمثيل أكبر عدد من الدول العربية أو تمثيل أقاليم الوطن العربي على أقل تقدير. وتتولى الجمعية الجديدة مهام وضع الأنظمة الأساسية مستعينة بخبرة المنظمة العربية للتنمية الإدارية والخبرات المنتشرة في الوطن العربي. ويصاحب هذا النشاط الهام نشاط آخر يهتم بإنشاء الجمعيات المهنية القطرية، على أن تقوم المنظمة العربية للتنمية الإدارية في نفس الوقت بصورة موازية لنشاط الجمعية القومية في انشاء الجمعيات المهنية، تقوم بحث وزراء التنمية الإدارية والوظيفة العمومية على إنشاء وحدات إدارية رسمية تتولى مسئولية تنظيم ومراقبة مكاتب وشركات الاستشارات في بلدانهم ابتداء من منح التراخيص مروراً بالرقابة والتقييم الدوري لأداء الشركات المسموح لها بمزاولة المهنة، كذلك تتولى المنظمة- وبالذات خلال مراحل التأسيس هذه- عقد لقاءات ومؤتمرات دورية تجمع بين العاملين في الأجهزة الرقابية وشركات ومكاتب الاستشارات وذلك بهدف تطوير المهنة وتبادل الخبرات في حل المشكلات التي تعترض سبل التطوير. المكاتب الاستشارية تستعين أحياناً بأساتذة الجامعات الوطنيين