يبدي الفنان التشكيلي البحريني ابراهيم أبو سعد 1954م نشاطا ملحوظا خلال الاعوام الاخيرة فقد توالت نشاطاته ومعارضه بشكل لافت، وحاول مع كل معرض تقديم تجربة جديدة تنتمي لما سبقها ولا تشابهها، بل خرجت هذه المعارضه بتسميات اكدت هذا الاختلاف، والتنوع الذي لم يخرج معه الفنان الا الى ما يؤصل تجربته ويغذيها بخبراته ومكتسباته الفنية. هذا الفنان الذي درس في قسم الرسم بجامعة بغداد وحصل على دورات في تصميم واخراج كتب الاطفال من قبرص ولندن له اهتمامات بالخط العربي ما جعله يتجه في بعض اعماله المبكرة او بعدها الى الحرف العربي واستلهام معطياته وبناء على محاولات تأثرت ببعض التجارب الفنية العراقية المعروفة، ونشط منذ 1972 في حركة المعارض حتى اقام واحدا من العروض الهامة مع الشاعر قاسم حداد والموسيقي خالد الشيخ واخراج الفنان عبدالله يوسف بعنوان وجوه، وذلك عام 1997م في مركز الفنون، اما عروضه الفردية فبدات منذ العام 1985م وواصل هذا المعرض بمعارض أقامها عام 1988 (انتفاضة الحرف العربي)، 1996م معرض (اضواء وظلال)، وعام 1998م بمعرض على مائدة العشاء وعام 2000م بمعرض إيماءات، وعام 2001م بمعرض تقاسيم وعام 2001م بمعرض قناديل وغيرها. ومعرض (تقاسيم) والذي اقامه في قاعة الرواق اختار له الفنان نصوصا واشعارا للشاعر العراقي المعروف بدر شاكر السياب وكما قال الفنان لاسقاطها على اللوحات وليس وضع رسوم توضيحية للقصائد ينقل المعرض موقفا واضحا من خلال البيان الذي ضمنه الفنان دليل المعرض وفيه قال: (تدمير المحسد اهوان بكثير من تدمير الروح وهذا ما يحدث من حاصر غاشم على العراق،.. حصار فكري،.. حصار مادي.. حصار.. حصار..) وهنا يمكن التغريب عندما اختار الفنان اشعار السياب كجزء تكثيفي - هكذا اجده - لا يصال فكرته. تتميز لوحة ابو سعد ومنذ معارضة السابقة بلون صريح، مباشر احيانا، كما هو عند احد مجايليه عبدالرحيم شريف 1954، لكن الفنان ابو سعد وفي هذا المعرض يستخلص من تلك التلوينات ما يمنح تقطيعاته وعناصره وكولاجياته فضاءاتها او الخلفية التي تصبح في معظم الاعمال جزءا هاما من العمل فالمستويات متعددة بتعدد حالة التعبير التي تستوجب كما في عمله عددا من الخامات (الأخشاب والبراويز والعيدان والحبال والخيوط والمعاجين، وغيرها). العمل الفني يتركب من تلك المستويات التي يحمل كل مقطع منها تأليفا ما، الخطوط العربية المكتوبة بعناية، والعائدة الى ما بعد الدراسة في بغداد، وتم عن حرفية، ثم الوجوه التي رسمها مقاطع تبرز فيها العينان: حالة ارتخاء او ذبول، واحيانا غضب، يرسمها ابراهيم ضمن الوجه او يفرغ لها مساحة ليظهر في مستوى آخر بؤبؤ العين محمرا او مخضرا، هنا عين آشورية او بابلية، ربما ارادها للتأكيد على الفكرة، او لربما جاءت لدراسته الفن في العراق، وتاثير فنون بلاد الرافدين عليه، او حتى اتجاهات التأصيل في التجربة التشكيلية العراقية، الا اننا ايضا نجد الفنان وعلى ضوء اكثر من معطى يستفيد، بل ويوظف خبراته لعمل فني اكثر حداثة في تجربته وتجريباته المتلاحقة، نلمس شيئا من تجربته الشهيرة (وجوه) مع قاسم حداد وخالد الشيخ وعبدالله يوسف 1997م، وعلى مائدة العشاء 1998م، ثم إيماءات 2000م، والتي برزت على السطح (المرأة) كمفردة تعبيرة، بعد ان كانت جسدا تحدده خطوط رفيعة في (على مائدة العشاء). هنا نجد الوجوه مستعارة من عرضة المشترك، الخط يحفها كإطار، لكن تلك الخطوط اصبحت في هذه التجربة الجديدة اقل انفتاحا او امتزاجا بالعناصر وشكلت تكتلا في اجزاء للعمل، احيانا قليلة مباشرة، وغالبا ما تتداخل وتتشابك، تكبر كلمة ويصغر شطر بيت بما يحقق تقريبا او تكثيفا ما وعلى ان محاولة الادماج تتضح فيما هو من اللوحات ضمن الوجوه او مقاطعها الا ان هذا التشكل يقرب الفنان من تجارب عربية اخرى او تنقلنا الى ذات العلاقة والمحاولة التأصيلية التي اتخذت من اكثر من مفردة مسعى لذلك. اشغل الفنان عددا من اعماله بقضبان تداهم في مباشرة للتقريب، ومعها فان علاقة تنبني ادبيا كما هي جماليا بين جسد داخل القضبان، وخطوط خارجية، خطوط تتقاطع في الاطراف وغالبا على خلفية رمادية هي سطح الصندوق الذي يحمل خامات ومفردات العمل، وبدا للون في عمل ابراهيم بوسعد ذو اهمية في شحن المشاهد او التأثير عليه، فالازرق بتدريجاته يبعث على كثير من العمق، ومعه يزهد في الوان اخرى، كما يشتعل الاحمر وتدريجاته الأقرب برتقالية في لوحة اخرى ،على ان الجرأة تتبدى في فضاء من الاصفر الليموني الذي يشغل المساحة الاكبر من احد الاعمال بينما عنصره الابرز يصغر في مقدمة العمل مبرزا معه ملامح او هيئة لوجه، مشغولا بكتابات ثلثية. لقد ترك الخط العربي في تجربة الفنان ابراهيم بوسعد اثرا واضحا فالخطوط، والعلاقات بدت محسوبة واحيانا مقننة، والتلوين كذلك، ولعل الفكرة التي بدت اهم لدى الفنان جعلت من الحرفية الشديدة والحرص على اظهار فكرة الحصار الاكثر بروزا في العمل الفني اذا وضعنا في الاعتبار ان اقفاصه او سياجاته كانت الاكثر لفتا في معظم الاعمال، وسواء ضمنها وجوها او افرغها منها او اوحى بأجساد او مومياءات او غيرها كالطيور فانها تؤكد الحرص على ايصال فكرة ما، اكثر من غيرها، وبالتالي فان ماهو اجد في تجربة ابراهيم بوسعد تلك السياجات او القضبان التي جاءت ايماءات في معرضه الاسبق وتأكدت في هذا المعرض لتشكل مفردة جديدة يضيفها الفنان في تجاربه الفنية المتواصلة. وتجربة ابراهيم بوسعد لم تزل تتنامى وتتصل ساعيا الى تعميقها بما هو انساني، يتأكد في معظم عروضه الخاصة او مشاركاته الجماعية، وعلى ان منطلقاته الحروفية المبكرة حملت نفس الهاجس الذي يعود اليه في هذا المعرض، الا ان تلك الصيغ مع كثافتها الكتابية، والاكتفاء معها بعناصر محدودة كالايدي والكفوف اتخذت تأليفا جديدا انضافت اليه الهيئة الآدمية او ما يحمل تعبيرا مغايرا، وعلى تلوينات مختلفة، اكثر تعبيرته، واقل زخرفية. ابراهيم بو سعد احد المشاركين في المعارض البحرينية من1 1972، شارك في المعرض التأسيسي لجمعية البحرين للفنون التشكيلية 1983(كأحد اعضائها المؤسسين) وبدأ عروضه الخاصة منذ 1985م، وشارك في عدد من المناسبات العربية والدولية، وحصل في العام 2000م على جائزة الدانة في المعرض السنوي لوزارة الاعلام البحرينية وهو اهم المعارض الجماعية السنوية بدولة البحرين.