يعيش الشباب العربي هذه الايام قلقا شديدا، فالظروف كلها تحيطه بمتناقضات كالرمال المتحركة، ما أن يقف يحاول ان يصلب طوله ويرسخ اقدامه حتى يكتشف زيف ما كان يقف عليه وضلال ما استند اليه، يلتفت حوله يبحث عن الحقيقة اهي في الشعارات الكبيرة التي لقنها، أم في قدوته ممن ظن انهم قدوة وحجبت ثقته بهم نوافذ اخرى تطل منها الحقيقة، بل كانت ثقته بهم عامل تعتيم لا تهيئ النظر في جوانب غير مرسومة، فمن الشباب من هم ضحايا فكرة رفض الآخر واستلاب فطرة الطبيعة في حرية التفكير والمقارنة، حيث لا يرون الى ما يشار اليهم انه يستحق الرؤية ولا يقرأون الا ما يحدد لهم حتى لو كان كتابا في تفسير القرآن، لذا فالحق هو ما يوجهون اليه لا ما يمكنهم ان يمعنوا التفكير فيه، والحكمة هي ما يسمعونها لا ما يبحثون عنها. هذا القلق تمر به فئات متعددة من الشباب ممن انساق في تيارات متطرفة يستوي في ذلك التيارات التي اتخذت من الاسلام مظلة فلا ترى في الاسلام صورته السمحة بل يبحثون عن كل ما يقوقع ويعزل، ويماثلهم في التطرف من تشدق بافكار القوميات العنصرية او المذاهب المستوردة التي تتبنى النموذج الغربي النمط المثالي، تخدعهم فكرة التحرر من كل قيد او ضابط. ينظر الشباب لتاريخ الامة فلا يرى الا الانكسارات التي تعجنهم بالاحباط، لذا تتشعب امامه الطرق منها طريق السلبية يسلكه من يرفع يده عن هموم الامة وشجنها فينكفئ على الذات وينغمس في اشباع الهوى الاستهلاكي، فما حوله يسوقه سوقا للهاث وراء سحر السوق الذي يشرنقهم في بؤرة الاستهلاك بما تغرقهم به اعلانات يسيل لها اللعاب، وطريق آخر يرى بعين واحدة ويقف على منفذ ضيق يقصر النور على ما يراه فقط ويقصي الاخر بل يغلفه بالظلامية، وفئة استسلمت لحالات الانهزام فلا حول لهما ولا قوة، وتبقى فئة يعقد عليها الامل ممن عملت ظروفه على تنمية استبصاره وتقوية بصره فتمكن من الوعي بما حوله وانصرف الى التسلح بالعلم والايمان فهو واع الى ان الغد المجهول لا نستطيع رفع لثامه لا بالسحر ولا بالشعوذة ولا بالسلبية كما اننا في الوقت نفسه لا نحب ان ننظر اليه نظرة بلهاء تصب فيها تيارات اللامبالاة شلالات من الجليد الزجاجي فتحيلنا واياها الى تماثيل مسندة او تبعية مقودة تلغي الحس والفكر، ثم تنتهي الى الهاوية. والسؤال الذي يطرح نفسه علينا الان ماذا يقدم المجتمع لجميع فئات الشباب؟ كيف نرعى تلك البذرة التي تنتظرها الاجيال ثمرة للمستقبل؟ أنتركها تنمو في غفلة منا فجة تلفظها الاجيال والمجتمع تنتهي على قارعة الارهاب؟ ام يطيب لنا ان تنجرف في تيار الاستهلاك مما يشل نموها الفكري وقدرتها على التوازن؟ ام تكون ركاما سلبيا ينوء بعبئه المجتمع؟ كيف نحدد النقطة التي نقف عليها لننطلق الى احلام الغد واشراقاته.... لن يكون هذا وذاك الا بتحملنا المسؤولية..... ولكن ما المسؤولية؟ طالما تناولها كثير من الكتاب وابرزوها بصورة مختلفة فهي كالسيف البتار تارة، وتارة اخرى كقشرة لا تتحمل النسيم فتنهار تحته لافظة أنفاسها. المسؤولية شعور يجبل عليه الانسان قبل ان تكون واجبا، وخلق قبل ان تكون تخلقا.. المسؤولية احساس نابع من فطرة صادقة قبل ان تكون استجابة لما هو مطلوب. مسؤولية المجتمع في احتواء الشباب والعمل على اذكاء روح المسؤولية بفتح منابر متعددة للحوار، باشراكهم في خدمة المجتمع، نحتاج الى رسم خطة عمل تبنى على نظر مستقبلي يحتوي ويصحح مسارات الفكر، يوجه ويقدم القدوة المؤثرة التي يقتنع بها الشباب. القدوة التي تتقدمهم الى ميدان الخدمة العامة، القدوة التي تمثل الصدق في الحرص على مصلحة الامة والمجتمع، القدرة التي تنظر للمستقبل على انه حياة جديدة مشرقة وليست القدوة الظالمة التي تبيح الدمار والتخريب. فلتكن المسؤولية ضحكة فجر تهزم اشباح الظلام، كتغريد طير او ابتسامة طفل بريء تضيء المستقبل، ولتكن القدوة الصالحة واحة يتفيأ الشباب ظلها، يجدونها ملاذا لسفههم وامانا لحيرتهم.