تحدثت الصحافة العربية يوم 27/4/2003م عن أب مسكين، يحمل كل يوم صورة ابنه ويجول بها على منازل العائدين لتوهم من العراق الى الاردن من المتطوعين او الطلاب السابقين ليسألهم عن ابنه ماجد الذي اختفى اثره بعد ان قرر التطوع في صفوف المقاتلين العرب في العراق بعد بدء العمليات العسكرية. فعلى مثال الكثير من الشبان الاردنيين، تحمس ماجد بعدما شاهد على شاشات التليفزيون من صور القصف في العراق والخطابات الرنانة التي تدعو الى المقاومة، فترك عمله في احدى الوزارات وغادر الى العراق، لينضم الى احد مخيمات التدريب التي اقامها العراقيون للمتطوعين العرب. ومنذ ذلك الحين في 23/3/2003، لم تعرف عائلته عنه اي شيء. كما تحدثت الصحف كذلك عن مآسي ومغامرات عشرات الاستشهاديين الفلسطينيين والمصريين والسوريين والخليجيين، الذين ما ان سمعوا عن استعداد صدام حسين لمنازلة الصليبيين الامريكان والانجليز في بغداد ومدن العراق، حتى نسوا ما فعله بهم وما خيب من آمالهم في أم المعارك عام 1991، ونهضوا خفافا لتلبية نداء فريضة الجهاد! كان د. أيمن صبري فرج، الذي تحدثنا في مقال سابق عن كتابه" ذكريات عربي أفغاني" راقدا في احد مستشفيات بيشاور الباكستانية عندما بدأت الضربة الجوية في يناير 1991 للعراق، ويقول انه رأى عجبا: لقد كان الباكستانيون والمجاهدون والمهاجرون الافغان على قلب واحد مع العراق بل مع صدام حسين ضد أمريكا وحلفائها. لم يكن هناك دكان في بيشاور الا وعلق صورة صدام حسين في زيه العسكري ومكتوب تحتها صدام حسين صدر اعظم اسلام اي خليفة المسلمين او رئيس وزراء دول الاسلام حتى الشيخ الغاني الذي كان يمسح الاحذية امام المستشفى علق على صدره هذه الصورة.. كانت السيارات تجوب الشوارع بمكبرات الصوت تحض على التبرع بالمال والدم من أجل معركة الاسلام الفاصلة، ويضيف ابو جعفر المصري القندهاري، كما سمى د. أيمن فرج نفسه هناك، كان الناس واثقين ثقة غريبة بانتصار صدام حسين على كل هذه الجيوش الجرارة. وكنت احاول افهام الممرضين الافغان والباكستان ان بين صدام حسين وبين الاسلام شوطا بعيدا ولكن هيهات. كانوا جميعا يرددون الحلم الذي ادعاه صدام حسين، بأن الرسول قد قلده سيفا وأمره بقتال الامريكان، وكان هذا بالنسبة لهم دليلا كافيا على ان صدام حسين هو خليفة المسلمين وانه لا بد ساحق الامريكيين سحقا. والأنكى من هذا ان العراقيين في افغانستان صدقوا الافغان والباكستان: كان معنا مجاهدون عراقيون فارون من الجحيم الذي نصبه صدام حسين لكل من يُشتم منه رائحة الاسلام، وقد أخبرونا عن اهوال المعتقلات السياسية التي لو رويت بعضها لأغمي على السامعين، وبعض هؤلاء ذاق بالفعل هذا العذاب. ولكن سبحان الله كان موقفهم عجيبا. لقد كانوا يغتصبون منابر الجمعة ويخطبون الساعات الطويلة مؤيدين لصدام حسين ولاعنين امريكا ومن حالفها. وكانوا يبكون حتى تبتل لحاهم وهم يخطبون. فاذا قيل لهم: ألستم من أخبرنا عن كفر صدام حسين وعن أبشع اساليب القهر والتعذيب التي يمارسها، ردوا بأنه تاب وآمن ويجاهد الآن في سبيل الله.. ولا أحد يستطيع تصوير خيبة الامل التي انتابت الباكستانيين والافغان عندما انهزم صدام حسين وتوسل لوقف اطلاق النار. (ص 257). صحيفة الحياة، 21/4/2003، نشرت تقريرا عن حياة الأسرى في سجن على مبعدة 25 ميلا من بغداد. يبدو عليهم الحزن والخوف، وهم في الغالب لا يزالون فتيانا. ان معظمهم طيعون تماما، ولا يريدون سوى الحصول على طعام وماء. انهم يريدون الابتعاد عن ميدان القتال باستثناء السوريين! هؤلاء السوريون كما يسميهم جنود التحالف، شباب من فلسطينوالاردن وسوريا والسودان وغيرها، يجمع بينهم دخولهم العراق من سورية، ويقدر البعض عددهم بنحو خمسة آلاف مقاتل او استشهادي. ويمكن التعرف عليهم بسهولة، لأنهم يرتدون عادة بنطلونات جينز وقمصانا بالمقارنة مع بقية المقاتلين الذين يرتدون ملابس بيضاء او سوداء. ويقول المسؤول عن حراستهم: انهم بغيضون، ومتعجرفون، ولديهم ثأر. تسألهم لماذا يقاتلون في العراق، ويجيبون: كي نقتل الامريكيين، ويكتفي آخرون بالقول انهم جاءوا ليموتوا ويقتلوا امريكيين.. ويقولون احيانا انهم سيكونون سعداء للموت كمهاجمين انتحاريين. حتى السجناء من أفراد الحرس الجمهوري، وهي القوات الأشد ولاء لصدام حسين، يقول الضابط الامريكي، يبدون مسايرين بالمقارنة مع السوريين. وكان د. ايمن فرج قد لاحظ في رحلته الجهادية ان العرب في افغانستان شباب يعشقون القتال، لهم دوافع مختلفة ولكنهم بلا استثناء لا يصبرون عن القتال ولا يكتفون بالعمليات بل يريدون التعرض، فيرتحلون من مركز الى آخر تبعا لنشاط كل مركز، بل يتركون الولاية كلها اذا كانت الاوضاع فيها مسترخية، بينما لا يجاهد الافغان خارج ولاياتهم الا فيما ندر.. وقد اكتسب العرب بهذا سمعة هائلة بأنهم قوم لا يرهبون الموت بل يعشقونه بينما الافغان يريدون ان يعيشوا غزاة طوال حياتهم ثم ينالون الشهادة في آخر العمر.. ويمكننا القول ان الافغان لا يحبون الموت حتى لو كان في سبيل الله. وكانوا يتعجبون من رغبة العرب في الموت، ولكن العجيب انهم كانوا أصبر من العرب على الموت الذي يبغضونه (ص650، 80). نذكر جيدا مدى الحماس الطاغي في صفوف الاسلاميين عام 1990 1991 للالتفاف حول صدام حسين واضفاء مختلف الهالات الاسلامية والجهادية عليه، رغم كل تلك الكتابات عن مؤامرة الافكار القومية على وحدة المسلمين، والجذور النصرانية لحزب البعث وجرائم صدام وزمرته بحق الاسلاميين من شيعة وسنة. وتجاهل الاخوان المسلمون يومها، مع بقية الاسلاميين في العالمين العربي والاسلامي مشاعر اخوتهم الكويتيين وتحليلات الاخوان المسلمين العراقيين. وقد عددت نشرتهم الحزبية "العين"، في خريف عام 1990 خمس جهات كافرة او فاجرة ستنتفع من نتائج هذا الاحتلال هي امريكا، ومجلس الكنائس العالمي مع دوائر التبشير، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وصدام صدام نفسه، ولا نقول العراق، فقد فعل ما فعل لإرضاء غروره الشخصي، والتطلع الى قيادة المنطقة على الطريقة الناصرية، غير ناظر الى العواقب، والراجح انه قد تم استدراجه من قبل امريكا والفاتيكان عن طريق العناصر النصرانية في حزب البعث، واعطوه الضوء الاخضر بالاحتلال في حزب البعث، واعطوه الضوء الاخضر بالاحتلال ثم غدروا به.. ومن المؤسف ان يكون موقف الاخوان في الاقطار غير موحد، ولم نجد هذه النظرة المتوازنة المتكاملة التي سردناها واضحة، فقد تورط الاخوان في الاردن في تعرية الاهداف الامريكية وفضحها من دون الجهر بذكر خطأ صدام في احتلال الكويت.. وزاد بعض نواب الاخوان في البرلمان من انفسهم موقفا غاليا حتى قال احدهم لصدام في خطبته: اذهب انت وربك فقاتلا، انا معكما مقاتلون.. وزاد آخرون الطين بلة بأن تمنوا ان يعلنها صدام اسلامية ليكونوا معه، وهي امنية بعض الاردنيينوالفلسطينيين والسوريين مع الاسف وما دروا عن جرائم هذا الظالم الوالغ في الدماء البريئة، اللاعب بالورقة الاسلامية مجرد لعب دعائي، وغاب عنهم ان الله لا يصلح عمل المفسدين من امثاله الطغاة الفجرة، وهذا المقدار الذي حصل يكشف عن ان دعوة الاخوان بحاجة الى تربية عقيدية اعمق، والى علوم شرعية اكثف، والى فكر سياسي أشمل. العدد 25. قرأت في الصحف اخيرا ان الاستشهاديين الذين سلموا من الكارثة العراقية مصدومون من تجربتهم ولا يصدق بعضهم انه نجا بجلده. المصريون والاردنيونوالفلسطينيون الذين تظاهروا تأييدا لصدام ورفعوا صوره محبطون. تقرير لوكالة رويترز يقول: تراجعت مكانة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين من بطل الى صفر لدى فلسطينيين غاضبين، لان الرجل الذي اعتبروه بطلهم العربي الحقيقي الوحيد سقط بسهولة خلال الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة للعراق الشرق الاوسط، 26/4/.2003 من حرب افغانستان وطالبان، الى كارثة الكويت وأم المعارك، الى الالتفاف حول بيارق الكذب في ام الحواسم ببغداد.. متى يتعظ الاسلاميون وبقية المتحمسين العرب، ويعرفون ان الدنيا.. تغيرت! الوطن الكويتية