تقييم الرواية الفلسطينية وتناولها للقضية هو ما يحاوله الناقد الدكتور مصطفى عبد الغني في كتابه (الغيم والمطر: الرواية الفلسطينية من النكبة إلى الانتفاضة) الصادر عن دار جهاد بالقاهرة، والغيم المقصود به عشرات السنين التي قضاها الفلسطينيون قبل اندلاع الانتفاضة الاولى في الثامن من ديسمبر عام 1987، وتلك السنوات كان التركيز فيها على نقد الذات حتى انتهى ذلك كله إلى شيء اشبه بالمطر الاسود، مطر اسود غزير، تواىي هطوله في سنوات الانتفاضة في الارض العربية المحتلة في فلسطين.. وقد رصد الكتاب فترات الغيم الطويلة من خلال روايات غسان كنفاني وحبرا ابراهيم جبرا وهشام شرابي وسحر خليفة، ومنهم من كتب رواياته داخل فلسطين ومنهم من كتبها خارجها اما الروايات التي عبرت عن الغضب والمطر الاسود الثقيل فقد اقتصر المؤلف على روائيين من عرب الداخل لانهم شهدوا النضال بانفسهم، ومنهم: زكي درويش، محمد وتد، راضي شحاتة، سحر خليفة، اميل حبيبي، ليانة بدر. عند غسان كنفاني نجد صراع الانا مع الاخر، وفي روايته (رجال في الشمس) نلاحظ رفض مظاهر الاحباط والمرارة والهزيمة التي سيطرت على النفوس منذ نكبة عام 1948، وفي هذه الرواية راح يصيح في النهاية بشكل درامي إلى الفلسطينيين الذين اختاروا الهروب من الهزيمة بتجنبها، ومن ثم سقطوا مجانياً، وفي اول الطريق. وفي جميع روايات كنفاني نلاحظ التركيز على رمز الباب الذي يدل على الحد الفاصل بين الضوء والظلام، فالباب يرمز إلى الهزيمة، اما تحطيم الباب فيرمز إلى الوعي، وهو ما فعلته الانتفاضة، ورآه كنفاني بنفسه قبل ان يستشهد. وعند جبرا ابراهيم جبرا نجد ان القضية الاولى في كل رواياته هي القضية الفلسطينية، ورغم وجود قضايا اخرى - مثل التخلف العربي وضياع الزمن العربي وتلمس المصير العربي - الا ان القضية الفلسطينية تظل القضية الاساسية في جميع رواياته، والملاحظ في روايات جبرا انه يعود إلى الذاكرة خاصة ايام الطفولة، خاصة انه رحل للاقامة في بغداد منذ عام 1948، وقد كان في نحو الرابعة والعشرين من عمره، فتظل الذاكرة هي المخزن الذي يكتب من خلاله رواياته "وعلى هذا النحو، فان الكاتب يعود من آن إلى اخر إلى الطفولة بشكل يحمل نبض الدفء والاعزاز واستعادة اللحظات الكامنة في رحم الماضي، ذلك لان المنع القسري يشبه إلى ذلك الفطام القسري للذاكرة، وهو فطام يمنع من ان تبقى متصلة، غير ان تلك الصدمة تدفع إلى الماضي، فالعودة إلى الماضي، إلى السنوات الاولى، يعد هدفاً وطنياً في وطن آخر، اما الوطن الاول فيظل وراء تخوم الذاكرة. ويلجأ جبرا إلى الرمز في روايته (السفينة) ندرك ان السفينة التي تمضي في محيط متلاطم الامواج ما هي الا فلسطين نفسها، بكل ما تتعرض له السفينة من ارتطام الماء وموجات المد والجزر وحركات الريح والساري والطيور ومشاعر الخوف والحنين والطموح والحيرة والبؤس وغير ذلك. ومن ابرز المثقفين الفلسطينيين د. هشام شرابي الذي حصل على الدكتوراة من جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة عام 1953، وهو متخصص في علم الاجتماع المعرفي، وله سيرة ذاتية عنوانها (الجمر والرماد) ورواية عنوانها (الرحلة الاخيرة)، ونجد في سيرته الذاتية عقدة الذنب فهو يتساءل كيف غادرنا بلادنا، والحرب قائمة فيها، واليهود يستعدون لابتلاعها، ويكمل لم يكن يخطر على بالنا تأجيل دراستنا والبقاء في وطننا لنقاتل. كان هناك من يقاتل عوضاً عنا"، وتظل عقدة الذنب ملحة في هذه السيرة الذاتية، وقد كان الكاتب ينتمي إلى طبقة اجتماعية ميسورة الحال، وهو ما يوضحه بقوله: "تعودنا ان نسكن البيوت الواسعة.. كان الفقراء بشراً مساكن نرأف بهم ونتألم لفقرهم، لكنهم كانوا ينتمون إلى عالم آخر. وكان منظر المتسولين الذين يملأون شوارع مدننا منظراً طبيعياً بالنسبة الينا، فلم يزعجنا ولم يدفعنا إلى تأنيب الضمير، ولم يدر بخلدنا ان هناك علاقة بين ثرائنا وبؤسهم، فالمؤلف يبين ان الفقراء هم الذين تحملوا عبء القضية الفلسطينية، وقد اختلق لهذا مبررات في ذلك الزمن، اكتشف زيفها بعد ذلك. لذلك يوضح لنا د. مصطفى عبد الغني انه كان لا بد ان تمر هذه السنوات - سنوات العذاب - ليكتشف ان الغرب الذي يتعلم فيه هو الغرب الذي سلب وطنه للصهيونية، وليدرك ان التخصص العلمي الدقيق ونيل ارفع الدرجات العلمية لم يكن ليحول بينه وبين النيل من كرامته وتحقيره لانه من الفلسطينيين اهل البلاد، وكثيراً ما كانت الاسئلة تتداعى مع الاحساس بالمرارة المتزايدة وتقع رواية (الرحلة الاخيرة) لهشام شرابي في الفترة بين عامي 1969 و 1975 وفيها يصور معاناة الشعب الفلسطيني، واعتقاد الفلسطينيين انه لا مفر من الاعتماد على النفس، فالسيرة الذاتية كانت تمثل عقدة الذنب من الماضي، اما رواية (الرحلة الاخيرة) فانها تمثل الوعي بالحاضر وتجاوز جلد الذات إلى الفعل. و رواية (الصبار) لسحر خليفة تتعرض لما يعانيه الفلسطينيون من الظلم والتعسف، ونرى الفلسطينيين اشبه بنبات الصبار (حيث صمود هذا النبات وقدرته الفائقة على الاستمرار في مناخ مغاير لرغبته في الاستمرار). نجد ارهاصات الانتفاضة في العديد من الروايات الفلسطينية التي تمثل التحدي لما يجري في الارض المحتلة، ومن هذه النصوص الفلسطينية: جبرا ابراهيم جبرا: صراخ في ليل طويل 1954، السفينة 65 - 1968، صيادون في شارع ضيق 1974، البحث عن وليد مسعود 1978، عالم بلا خرائط بالاشتراك مع عبد الرحمن منيف، والغرف الاخرى 1978 - غسان كنفاني: رجال في الشمس 1963، ما تبقى لكم 1966، العاشق 1966، الشيء الآخر 1966، عائدون إلى حيفا 1969، عن الرجال والبنادق 1968، ام سعد وعائد إلى حيفا 1969، برقوق نيسان 1972 - توفيق فياض: المجموعة 877 عام 1968، حبيبتي ميلشيا 1976 - رشاد ابو شاور: ايام الحب والموت 1973، البكاء على صدر الحبيب 1974، العشاق 1977، المشوهون 1964 - يحيى خلف: نجران تحت الصفر 1975، تفاح المجانين 1981، نشيد الحياة 1985 - احمد عمر شاهين: نزل القرية غريب 1977، وان طال السفر 1977، زمن اللعنة 1983، توائم الخوف 1983 - اميل حبيبي: سداسية الايام الستة 1969، الوقائع الغربية 1974 - سحر خليفة: الصبار 1976، عباد الشمس 1980 - نبيل خوري: حارة النصارى 1969، الرحيل 1974، القناع 1974- افنان القاسم: العجوز 1974. وقد توقعت الراوية الفلسطينية الانتفاضة قبل ان تحدث، ففي رواية "عباد الشمس" التي كتبتها سحر خليفة قبل اندلاع الانتفاضة بسبعة اعوام نجد ذكر الحجارة، فالمرأة تحمل الحجارة، والاطفال يحملون الاحجار، كما نجد ذكراً صريحاً لكلمة الانتفاضة، حيث تقول: (.. تلك الانتفاضة) ويتردد ذكر الحجارة والانتفاضة في الرواية. وكذلك توقع اميل حبيبي الانتفاضة في رواية اميل حبيبي(المتشائل) فقد دعا في نهاية هذه الرواية إلى انتظار الرجل المعجزة الذي لن يأتي من الخارج، وانما من الاعتماد على الذات، ولا نترك الرواية دون ان يعلق في اذهاننا صورة اولئك الناس (العاديين) الواقفين ينتظرون مقدم هذه المعجزة ويشهدون هذه المرأة التي ترفع رأسها إلى السماء وتشير نحوهم وتقول: (حين تمضي هذه الغيمة تشرق الشمس) وقد اشرقت الشمس، بالفعل، بالانتفاضة. جبرا ابراهيم جبرا