انحنى الكاتب المنشق الذي ساعدت مسرحياته العبثية الرقيقة على إسقاط الستار الحديدي انحناءة امتنان أخيرة يوم الأحد. وفي خطاب الوداع الذي بثه التليفزيون والإذاعة التشيكية، شكر رئيس جمهورية التشيك المتقاعد فاتسلاف هافل أبناء وطنه الذين يبلغ عددهم عشرة ملايين نسمة "من قلبه" بل واعتذر لأعدائه. فقد قرر هافل العودة إلى الحياة الخاصة أمس الاثنين للمرة الأولى منذ قبوله منصب الرئاسة بعد الثورة المخملية عام 1989 التي اعتبرت حدثا تاريخيا أنهى أربعين عاما من الحكم الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا السابقة وتزامن مع الإطاحة بأنظمة الحكم الشيوعية الأخرى في أوروبا الشرقية ثم تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991. وقال هافل إنه يعتزم أن يكتب مذكراته في الوقت المناسب بعد أن يأخذ وقته ويفكر ويستعيد صحته وتماسكه. ولكن خطوته الأولى كانت الوداع. وقال هافل في خطاب استغرق خمس دقائق من مكتبه الرئاسي : أود أن أشكر من كل قلبي جميع من وثقوا بي منكم وتعاطفوا معي أو عضدوني بأي شكل من الأشكال. فلولا تفهمكم وحسن نواياكم، لما استطعت أن أبقى في المنصب ولا للحظات. أضاف هافل قائلا إنه لم يكن يتوقع في البداية أن يشغل منصب الرئاسة في قلعة براغ سوى لعدة أشهر. ولكن بدلا من ذلك، استمرت فترة رئاسته 13 سنة خلال المرحلة الانتقالية التي مرت بها البلاد إلى الرأسمالية الديموقراطية والانفصال السلمي بين جمهورية التشيك وسلوفاكيا في عام 1993. والآن وإذا وافق الناخبون في الاستفتاءات القادمة، وهو الأمر المتوقع، فسوف تنضم التشيك وسلوفاكيا إلى الاتحاد الأوروبي خلال 16 شهرا تقريبا. وخلال السنوات التي قضاها في منصبه، حافظ هافل على نسبة تأييد شعبي مرتفعة ولكنه أزعج الأحزاب الشيوعية واليمينية في البرلمان بما في ذلك حكومات رئيس الوزراء التشيكي السابق فاتسلاف كلاوس ورئيس الوزراء السلوفاكي فلاديمير ميسيار. كما تعرض لانتقادات لاذعة لاستمراره في منصبه رغم اعتلال صحته وزواجه الثاني من إحدى الممثلات بعد وفاة زوجته الأولى المحبوبة أولجا. وقال هافل إلى جميع من خيبت آمالهم منكم بأي صورة، والذين لم يوافقوا على أفعالي أو الذين ببساطة وجدوني كريها، فإني أعتذر بصدق وأثق أنكم ستسامحونني. كان هافل عضوا في حركة المثقفين المناهضة للشيوعية التي عملت في براغ خلال الستينات والسبعينيات والثمانينيات. وأمضى خمسة أعوام غير متصلة في السجن لتحديه الشيوعيين. ولكنه ارتقى بعد الثورة لمصاف الأبطال ونال تقدير العالم لدفاعه عن الديموقراطية من وراء الستار الحديدي وإسهامه في إنهاء الحرب الباردة. ويسعى البرلمان التشيكي حاليا إلى اختيار خلف لهافل. ولم يحصل حتى الآن أي من ستة مرشحين في الانتخابات التي أجريت مرتين على الأغلبية اللازمة في البرلمان. ومن المتوقع أن تجرى الانتخابات للمرة الثالثة قريبا وأن يعلن الائتلاف الحاكم بزعامة رئيس الوزراء فلاديمير شبيدلا عن مرشح جديد اليوم الثلاثاء. وقال هافل لمواطنيه أعتقد أن رئيسا (جديدا) سوف ينتخب إن آجلا أو عاجلا. وسوف يشغل الرئيس أو الرئيسة منصبه في فترة قد تكون أقل اضطرابا من الفترة التي توليت فيها هذا المنصب ولكنها لن تكون بأي شكل من الأشكال أقل أهمية. وأضاف قائلا على العكس، فإن الوقت الذي نحن بصدده سوف يظهر فعليا مدى انتمائنا بشكل كامل إلى العالم الديموقراطي. ويعتزم هافل وزوجته دجمار التقاعد في منزل على الساحل البرتغالي حيث سيواصل الكتابة دون القيود التي كان يفرضها منصبه السياسي. وكان الأطباء قد أوصوا بانتقال هافل إلى شاطئ البحر كي تتحسن حالة رئتيه المريضتين اللتين تضررتا من التدخين وسوء الرعاية الصحية في السجون. ولكن هافل أوضح أن الانتقال لن يضر بجذوره التشيكية. وقال هافل : أصدقائي الأعزاء أودعكم كرئيس ولكني سوف أظل معكم كمواطن.