هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    التدريب التقني تمنح 63 رخصة تدريب لمنشآت جديدة في أكتوبر الماضي    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    أمير الرياض يطلع على جهود "العناية بالمكتبات الخاصة"    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    اكتشاف كوكب عملاق خارج النظام الشمسي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    حوادث الطائرات    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    المملكة وتعزيز أمنها البحري    مبدعون.. مبتكرون    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    الرياض الجميلة الصديقة    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    سيتي سكيب.. ميلاد هوية عمرانية    هؤلاء هم المرجفون    أكد أهمية الحل الدائم للأزمة السودانية.. وزير الخارجية: ضرورة تجسيد الدولة الفلسطينية واحترام سيادة لبنان    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاق مستحيل!
نشر في اليوم يوم 07 - 01 - 2003

لا نحتاج إلى عراف او قارئ كف لكي نقول ان وقف إطلاق النار من جانب المقاومة الفلسطينية في الوقت الراهن بات من المستحيلات. لان ذلك الوقف ان كان بالمجان فهو يفقد المقاومة شرعيتها ويغدو بمثابة انتحار لها. وان كان بمقابل إسرائيلي فهو إقرار بالفشل او الهزيمة. وليس هناك عاقل بين قيادات المقاومة يقبل بالانتحار الطوعي، كما أن غرور الغلاة المستكبرين في حكومة تل أبيب لن يسمح لهم بالاعتراف بفشل الحل العسكري.
(1)
فكرة وقف إطلاق النار، التي هي عنوان مهذب لوقف العمليات الاستشهادية، تداولتها أقلام كثيرة بمناسبة الاجتماعات التي دعت إليها القاهرة، وبدأت بحركة فتح وحماس، ثم توالت بعد ذلك مع بقية الفصائل الفلسطينية، وفي المقدمة منها الجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية والديمقراطية. وحسب معلوماتي فان الفكرة لم تطرحها مصر، التي استهدفت بالاجتماعات محاولة التوصل إلى توافق فلسطيني في مواجهة التحديات المحتملة في المرحلة القادمة، خصوصاً في حالة غزو العراق وترجيح قيام الحكومة الإسرائيلية بتوجيه ضربة موجعة يراد لها أن تكون قاضية لما تبقى من الصمود الفلسطيني.
اغلب الظن أن أجواء المحادثات هي التي استدعت الفكرة، خصوصاً أن التصريحات الرسمية لم تغلق الباب دون مناقشتها. من ذلك مثلاً قول وزير الخارجية المصري السيد احمد ماهر ان وقف الانتفاضة ليس مطروحاً للبحث، وإنما المطروح هو استمرار المقاومة بالطريقة التي تحقق أهداف الشعب الفلسطيني، حيث هناك وقت للمقاومة المسلحة، ووقت آخر للمقاومة غير المسلحة (الأهرام 31/12) - من ذلك أيضاً قول السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ان موضوع الحوار في القاهرة هو كيف ندير المقاومة، لا كيف نوقفها - (القدس العربي 28/12).
ولا يستبعد أن يكون للضغوط الأمريكية والأوروبية التي ما برحت تلح على وقف العمليات الاستشهادية أثرها في تسليط الأضواء بدرجة اكبر على المسألة. كما أن الجدل الذي أثارته تصريحات السيد محمود عباس (أبو مازن) أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والتي انتقد فيها ما اسماه عسكرة الانتفاضة، أعطى دفعة لفكرة الوقف، خصوصاً انه لم يكن الوحيد بين قيادات السلطة الذي تبنى تلك الدعوة. مع ذلك فالقدر المتيقن أن ما أثير عن وقف إطلاق النار أو وقف العمليات الاستشهادية كانت حظوظه خارج محيط اجتماعات القاهرة، اكبر منها في داخل تلك الاجتماعات. وقد فهمت من مصادر وثيقة الصلة بالمشاورات أن مصر لم تقدم اقتراحاً محدداً في هذا الخصوص، وإنما عنيت بتبيان الأجواء واستطلاع وجهات النظر المتباينة في صدد مختلف التحديات أو السيناريوهات التي تلوح في الأفق السياسي الراهن. وسواء كانت مناقشة وقف العمليات الاستشهادية صدى للمناقشات الجارية في اجتماعات القاهرة او بمناسبتها، فالشاهد أن الملف استدعي إلى الطاولة، وفرض نفسه على أولويات اجندة الحوار.
(2)
إلى عهد قريب جداً، كانت الاتصالات المصرية مفتوحة ومستمرة مع قيادة السلطة الفلسطينية دون غيرها. ولكن العام المنصرم شهد تطورات وتحولات استدعت توسيع دائرة الحوار وإدخال فصائل المقاومة على الخط. من هذه العوامل أن السلطة حوصرت وشلت حركتها تقريباً، وان فصائل المقاومة أصبحت هي الحقيقة الفاعلة على الأرض. الأمر الذي أدى الى تغيير موازين القوى في الساحة الفلسطينية. من العوامل أيضاً أن الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لإقصاء الرئيس عرفات لم تتوقف، حتى لم يعد من اليسير تجاهلها. وقد أدركت بعض عناصر السلطة ذلك، فأخذت المسألة على محمل الجد، وبدأت في التحضير - والترشيح أيضاً - لمرحلة ما بعد عرفات وهو ما كانت له أصداؤه في بعض العواصم العربية، وذلك تحول آخر لم يكن ممكناً تجاهله. إلى جانب هذا وذاك فان اقتراب الموعد المفترض لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية للعراق، الذي تتمناه اسرائيل وتستعجله لأسباب ليست خافية، من شأنه أن يضيف متغيراً جديداً في المعادلة كان من الضروري التحسب له. وإذ راهن البعض على احتمال فوز حزب العمل في الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في نهاية الشهر الحالي. إلا أن ذلك الاحتمال لم يعد قائماً في ظل التأييد واسع النطاق الذي يحظى به شارون والليكود وتجمع عليه استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، ناهيك عن أن التجربة أثبتت أن مثل هذه المراهنة أصبحت عقيمة ولا طائل من ورائها.
ولان ما يجري في الأرض المحتلة ليس شأناً فلسطينياً فحسب، ولكنه أيضا أمر وثيق الصلة بحسابات الامن القومي المصري، فقد كان من الضروري تطوير الموقف المصري بما يتجاوب مع المتغيرات التي طرأت على المعادلة. من ثم فإلى جانب خط الاتصال المفتوح بين القاهرة و المقاطعة، حيث توجد قيادة السلطة في رام الله، جرى مد خطين آخرين القاهرة ودمشق، حيث توجد قيادات فصائل المقاومة. وقبل أن تجري مشاورات بلورة الموقف مع تلك الفصائل، تدخلت القاهرة في شهر أكتوبر الماضي لفض الاشتباك الذي وقع في غزة بين عناصر منظمتي فتح وحماس، حين قتل أحد المنسوبين إلى حركة حماس ضابط شرطة (العقيد راجح أبو لحية) اخذ بثأر شقيق له قتلته الشرطة أثناء مظاهرة احتجاجية قام بها طلاب الجامعة الإسلامية في غزة، وكان العقيد أبو لحية هو من أمر بإطلاق النار على الطلاب. ورغم أن العملية لم يكن لها طابع تنظيمي، حيث لم يكن لحماس المنظمة أي دور في العملية، كما أن العقيد أبو لحية لم يكن من عناصر فتح أصلاً، إلا أن عناصر الفتنة تحركت، وحولت عملية الثأر إلى مواجهة واشتباك مسلح بين اكبر واهم تنظيمين في الساحة، أسفر عن قتل خمسة فلسطينيين. وهو ما بدا منذراً باندلاع حريق في الداخل يأتي على الكثير مما أنجزته المقاومة، ويحقق لإسرائيل إحدى أمنياتها الغالية. ومن أسف أن بعض القيادات الأمنية في غزة أسهمت في تصعيد المسألة على نحو اقتضى تحركاً سريعاً وحاسماً لتطويق الموقف وإخماد الحريق. وهي المهمة التي أنجزتها القاهرة حين رعت اجتماعاً بين الطرفين في مصر لذلك الغرض، أسفر أيضاً عن تشكيل لجنة تنسيق مستمرة بينها. النجاح الذي تحقق آنذاك مهد الطريق لتوسيع نطاق التشاور حول أمور أخرى، ولأجل ذلك دعي السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى القاهرة في زيارتين لم يعلن عنهما لأسباب أمنية، وهو الذي تعرض لثلاث محاولات اغتيال من جانب اسرائيل، إحداها في عمان، والثانية والثالثة في قطر. وفي حدود علمي فان بعض الأفكار التي تم تداولها في تلك المشاورات ناقشها مسئول رفيع المستوى مع رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون، وكانت استجابته سلبية لها.
(3)
مشاورات القاهرة لم تكن الوحيدة بين فصائل المقاومة الفلسطينية، وإنما كانت هناك مشاورات أخرى موازية في غزة ودمشق. وكان توافق الفصائل الأربع المقاتلة على الأرض (فتح وحماس والجهاد والجبهة الشعبية). قد انعقد حول أربع نقاط هي:
* أن الانتفاضة ينبغي أن تستمر، باعتبارها خياراً وحيداً، بعدما فشلت كافة جهود الحل السلمي، وألغت الحكومة الإسرائيلية كل الاتفاقات التي وقعت بين الطرفين.
* أن المقاومة لا تستطيع أن توقف اشتباكها المسلح وخصوصاً العمليات الاستشهادية إلا فيما وراء الخط الأخضر (في العمق الإسرائيلي)، ولا تستطيع بأي حال أن توقف عملياتها في الأراضي المحتلة في عام 67، ليس فقط لان هذا حقها المشروع طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، ولكن أيضاً لأنها إن فعلت ذلك ستلغي مبرر وجودها، وسيظهر هناك آخرون يواصلون مسيرة المقاومة المسلحة.
* أن قبول فصائل المقاومة بذلك الإيقاف في داخل اسرائيل مشروط بتوقف الجيش الإسرائيلي عن شن غاراته ومواصلة اجتياحه لمدن وقرى الضفة والقطاع، وقبوله بالبدء في الانسحاب من تلك الأراضي إلى ما وراء حدود سبتمبر عام 2000.
* في هذه الحالة فان حركة حماس والجهاد لن تقفا ضد مساعي إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلت في عام 67. وكانت منظمة فتح وحدها هي التي أيدت تلك الخطوة.
هذا التصور الذي تطرحه فصائل المقاومة تعارضه بعض عناصر السلطة، وأبو مازن أهم أولئك المعارضين لمسألة استمرار العمليات الفدائية في الأراضي المحتلة منذ عام 67، إذ من رأيه انه من المهم أيضاً أن توقف المقاومة المسلحة في الضفة والقطاع، لان من شأن استمرارها إلحاق الضرر بمجمل القضية الفلسطينية - ولا بد أن يخلق هذا الموقف إشكالاً في مشاورات الفصائل إذا قدر لها أن تجتمع في القاهرة، حيث لا اعرف كيف يمكن أن يرأس أبو مازن وفد فتح - كما قيل - بينما كتائب الأقصى التابعة لفتح تعارض موقفه وتتفق مع بقية الفصائل على أن الوقف اذا قدر له أن يتم فسوف يسري فقط على ما وراء الخط الأخضر.
الاعتراض الأكبر على ذلك التصور يأتي من جانب اسرائيل. التي رفض رئيس وزرائها في الاتصالات التمهيدية أن يقدم تعهداً بوقف الغارات او ترتيب الانسحاب، وغاية ما قاله أن الفصائل التي ستتفق على وقف عملياتها لن تستهدف القوات الإسرائيلية عناصرها، ويمكن أن تعد بعدم المساس بهم. وهو منطق انتهازي وخبيث، أراد به مجرد تأمين الأفراد مع استمرار استباحة الأرض ومواصلة قهر الشعب الفلسطيني. تقدير خالد مشعل أن شارون اتخذ هذا الموقف لأنه لا يزال يعول على الحل العسكري، فضلاً عن أن معطيات الوضع العربي الراهن لا تشكل ضغطاً عليه يضطره لان يدفع ثمناً لقاء وقف العمليات الاستشهادية. ثم انه يتصور أن اسرائيل ستكون في وضع افضل وأقوى - وسيكون العرب والفلسطينيون في وضع اضعف - اذا ما نجحت الضربة الأمريكية للعراق. ومراهنته على ذلك الاحتمال تدفعه إلى مزيد من التشدد في موقفه، وليس إلى مراجعة الموقف وتقديم مقابل للفلسطينيين. يعزز ذلك التشدد ثقته في تأييد الإدارة الأمريكية له واطمئنانه إلى أن ملف القضية في البيت الأبيض بأيدي صهيونية أمينة، سواء بسبب قوة التيار الموالي لإسرائيل في فريق الرئيس بوش، او لان الملف سلم مؤخراً إلى رجل من غلاة المتعصبين لإسرائيل، هو ايليوت ابرامز، الذي اصبح المستشار الخاص للرئيس الأمريكي لشئون الشرق الأوسط.
(4)
هذا الانسداد البادي في الأفق أصاب البعض بالإحباط، ودفعهم إلى تأييد وجهة النظر الداعية إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، عن طريق الوقف غير المشروط للعمليات الاستشهادية. ويدعم هؤلاء موقفهم بالحجج التالية:
* أن ميزان القوة العسكري والسياسي هو في صالح اسرائيل بامتياز.
* أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سوف ينتهز فرصة انشغال العالم بمتابعة ما يجري في العراق، لكي يفترس الفلسطينيين ويحيل الأرض المحتلة إلى بركة من الدماء.
* أن الوضع العربي العام اعجز من أن يقدم شيئاً يساعد به الفلسطينيين على الصمود او المقاومة.
* أن الرأي العام العالمي مجمع على استهجان العمليات الاستشهادية التي أصبحت ذريعة لاتهام المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، الأمر الذي افقد القضية تعاطفاً هي بحاجة ماسة إليه.
لقيت في إحدى الدول الخليجية قبل عدة أيام عدداً من القياديين في حماس، كان اثنان منهم قادمين للتو من أحد اجتماعات القاهرة، وحيث تطرق الحديث إلى حجج دعاة الوقف غير المشروط، كان ردهم كما يلي:
* من البداية تدرك المقاومة أن الاستقلال له ثمنه الباهظ، وان الميزان العسكري لصالح اسرائيل، والحاصل في فلسطين ليس استثناء. ففي كل معارك التحرير كان الميزان العسكري في صالح القوة الغاصبة والمحتلة، في الجزائر وفيتنام وجنوب أفريقيا. ومع ذلك فان الطرف الأضعف عسكرياً هو الذي حقق النصر في النهاية. لان القدرة العسكرية لا تعني بالضرورة احتكار القوة. وللفلسطينيين نقاط قوتهم المتزايدة التي لا ينبغي تجاهلها، والتي سببت إزعاجا شديداً لإسرائيل، وما الإلحاح المستمر على وقف العمليات الاستشهادية إلا دليل على أنها سددت لها ضربات أوجعتها. وإذا كان الشعب الفلسطيني وحده هو الذي يدفع الثمن، وهو لم يضق بذلك او يتبرم، فلماذاً يتطوع الآخرون ويطالبونهم بوقف الثمن الذي يسددونه من دمائهم وأرواح أبنائهم.
* اذا انتهز شارون مسألة ضرب العراق وحاول أن يسدد ضربة للفلسطينيين، فان ذلك لن يوجعهم كثيراً، لأنهم لن يخسروا اكثر مما خسروه، وأي ضربة توجه إليهم لن تختلف عن سابقاتها في جنين وأخواتها إلا في الدرجة. أما النوع فسيظل واحداً.
* فيما يخص الوضع العربي العام، فليس فيه جديد بالنسبة للفلسطينيين، والانتفاضتان الأولى (في 87) والثانية في سنة ألفين، قام بهما الفلسطينيون دون مساعدة او عون من أحد، وإنما هم الذين هبوا وهم الذين دفعوا الثمن باهظاً وكاملاً.
* حكاية الرأي العام العالمي تحتاج إلى ضبط وتحديد، لان الذين يثيرون هذه النقطة يعولون على كلام رؤساء الحكومات في أوروبا وأمريكا، ويتجاهلون المظاهرات الحاشدة المؤيدة للفلسطينيين في العديد من عواصم أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ثم أن هؤلاء الذين يثبتون أنظارهم على العواصم العربية يتجاهلون مشاعر الشعب الفلسطيني الذي ضحى بالكثير، واحتمل الكثير، وأصبحت تلك العمليات الاستشهادية هي الرئة التي يتنفس بها والأمل الذي يتعلق به. وغني عن البيان انه من وجهة نظر المقاومة فان الرأي العام الفلسطيني أهم عندهم وأولى بالرعاية من أي شيء آخر.
(5)
تحفل الصحف العربية هذه الأيام بالكتابات التي تتناول المصير الفلسطيني في ظل السيناريوهات المختلفة التي تلوح في الأفق. وقد استرعى انتباهي في هذا الصدد مقال مهم كتبه الأستاذ محمد سيد احمد تحت عنوان خطاب مفتوح إلى قوى الرفض (الأهرام - 2/1). وقد استمد المقال أهميته من الأفكار التي طرحها ومن وزن كاتبه. ولاحظت انه استهل مقاله بالتساؤل التالي: هل الهدف (من العمليات الاستشهادية) هو القضاء على اسرائيل، أم التوصل إلى سلام معها؟- وهل القضاء على اسرائيل متاح للعرب في ظل النظام العولمي القائم، أم أن أقصى ما يمكن تحقيقه واقعياً هو سلام يتسم بقدر من الإنصاف، يسنده قدر من الثقة المتبادلة، نتيجة تلبية اسرائيل المطالب المشروعة العربية؟
وفي ختام مقاله حدد الكاتب مجموعة من النقاط التي اعتبرها شروطاً او معالم طريق لعدم الاستسلام إلى اليأس أهمها: وقف استخدام العنف ضد أهداف غير عسكرية، شريطة أن تمتنع اسرائيل هي الأخرى عن اللجوء إليه.. تستثني من القاعدة قوى المقاومة الفلسطينية التي تتصدى للاحتلال ( في أراضي 67) فان مقاومة الاحتلال بكل الطرق المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح، حق تكفله الشرعية الدولية، وينص عليه ميثاق الأمم المتحدة.
التساؤل الأول مشروع، وتردده كتابات عديدة، وهو يعبر عن التباس في مقاصد المقاومة ناشئ عن ضعف جهازها الإعلامي والتشويش الذي يحول دون توصيل صوتها الحقيقي إلى الناس. ذلك أن فكرة القضاء على اسرائيل لم تعد واردة في استراتيجية المقاومة، والسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أعلن بوضوح في لقائه مع الصحفيين بالدوحة يوم 27/12 أن حماس تؤيد الآن فكرة إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67. وهو الموقف الذي تقبل به فتح، ولا تعترض عليه حركة الجهاد الإسلامي.
أما الهدف من العمليات العسكرية والاستشهادية، ففضلاً عن كونها من قبيل المقاومة المشروعة التي تعبر عن رفض الاحتلال، فليس المراد بها إنزال هزيمة عسكرية بجيش العدو الإسرائيلي، وإنما مقصود بها إلحاق الوجع به وإيصاله إلى نقطة اليأس من جدوى الضغوط العسكرية، وإقناعه بان تلك الضغوط لن تدفع الشعب الفلسطيني إلى الاستسلام. وهذا الكلام ليس من عندي، ولكني انقله مما كتبه الأستاذ منير شفيق أحد ابرز منظري المقاومة في الساحة الفلسطينية (الحياة اللندنية - 29/12).
أما النقطة التي أثارها متعلقة بمطلب وشروط وقف استخدام العنف، فرغم أنني لا استريح لاستخدام كلمة العنف التي يرددها السياسيون الغربيون لتجنب الاعتراف بعنوان المقاومة، فان هذا بالضبط ما تدعو إليه فصائل المقاومة الآن. وهذا بالدقة ما تصر القيادة الإسرائيلية على رفضه، الأمر الذي لا يدع للمقاومة خيارا، ويقنعها باستحالة وقف عملياتها، واحسبه يقنع الأستاذ محمد سيد احمد بنفس النتيجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.