ان الانجازات التي تحققت على صعيد رعاية وتأهيل السجناء في المملكة تبعث على الاعجاب والتقدير.. فالدورات التأهيلية والتدريبية في الفصول والورش.. والفروع المصغرة لبعض المصانع الوطنية التي نفذت في اكثر من سجن واصلاحية في المملكة بمشاركة مقدرة من رجال الاعمال ضمن مشاريع طموحة تتبناها الادارة العامة للسجون.. عبر مبادرات خيرة لرجال اعمال في منطقتي الرياض والشرقية من خلال مساع من غرفتي التجارة والصناعة في المنطقتين هذه الانجازت التي تحققت على ارض الواقع تعطي عمقا اصيلا وواعيا لمعنى التلاحم والتراحم.. وعنوانا بارزا للاخوة الاسلامية وتجسيدا حيا لروح التكامل والتكافل لا يملك المراقب والمتابع الا التقدير لهذه الخطوات الانسانية والحضارية مع الامل في زيادة اسهام القطاع الخاص في الاستثمار داخل السجون الذي اتيح اخيرا وتعميم التجربة على بقية السجون والاصلاحيات.. وعسى ان تقرأ الدعوة التي وجهتها الادارة العامة للسجون لرجال الاعمال للاستثمار داخل مواقع السجون ذاتها بعناية وقلوب مخلصة لكي تؤتي اكلها على النحو المرتجى بعيدا عن حسابات الربح والخسارة المتعارف عليها في عالم المال والاعمال. @ هذه واحدة من الصور الجميلة عن الرعاية الشاملة للسجناء.. ومن اجل التقاط صور اكثر جمالا التقيت باللواء الدكتور علي بن حسين الحارثي مدير الادارة العامة للسجون في مكتبه بالرياض لألمس عن قرب صنوف الرعاية التي تقدم للسجناء.. واسرهم سواء منها ماتقدمه الدولة من خلال اجهزتها المختصة.. او عن طريق الجمعيات الخيرية المختلفة.. التي تلتقي جميعها حول هدف واحد.. تقديم الدعم.. والعون للسجناء واسرهم.. سواء كانوا داخل القضبان.. أم خارجها.. تحدث اللواء الحارثي باستفاضة حول برامج الرعاية الشاملة للسجناء منذ ايداعهم السجن حتى الافراج عنهم ومابعده ويتمثل في برنامج للرعاية اللاحقة وهي في مجموعها منظومة برامج اجتماعية.. وصحية.. ونفسية.. من ضمن اهدافها.. زرع الثقة بالنفس. والشعور بالراحة والطمأنينة وتهدف الى تحقيق (رعاية متكاملة من الدولة.. والمجتمع تدفع السجين الى تغيير نظرته وتفكيره السلبي نحو مجتمعه والرقي بمستوى تفكيره.. واحاسيسه نحو آفاق أوسع.. وأرحب.. تولد في داخله الكثير من الافكار الايجابية.. والاحساس بانه لا يقل عن غيره من ابناء المجتمع.. ممايهيئه لتقبل برامج الاصلاح والتأهيل والتوجيه السليم.. والاستعداد.. والتكيف النفسي للعودة الى الحياة السوية.. والتوبة الى الله مما اقترف بحق نفسه.. ومجتمعه). @ ومن المؤشرات التي تنبئ بخير كثير ماصرح به اللواء الحارثي من ان الجهات المختصة تعكف على تقييم الكثير من انظمة السجون واعادة النظر فيها.. ومن بينها امكانية السماح للسجين بمزاولة عمله خارج السجن والعودة اليه حتى نهاية محكوميته.. وعندما تطرق الحديث الى سجناء الحق العام الذين يطلق سراحهم بالآلاف خلال شهر رمضان المبارك ممن عليهم حقوق عامة ليست فيها حدود اوضح مدير عام الادارة العامة للسجون ان هذا الاجراء يتم كل عام بتفعيل من وزارة الداخلية عبر لجان في جميع مناطق المملكة تضم ممثلين عن الامارة وادارة السجن وهيئة التحقيق والادعاء العام ووزارة العدل.. ولا يقتصر تنفيذ الامر السامي على السعوديين فقط بل والوافدين ايضا ممن تنطبق عليهم شروط الاستفادة من العفو. @ واشار اللواء الدكتور الى ان هناك بدائل لعقوبة السجن في بعض الجرائم.. نوقشت في عدة اجتماعات وجرى تشكيل لجان عدة لمواصلة البحث حول هذه البدائل ورفع توصياتها وافاض بالحديث عن تأهيل وتشغيل السجناء بعائد مزدوج.. وبرامج التوعية الدينية.. والثقافية والاهتمام بالمواهب.. وعن الرفض الاجتماعي للسجين بعد الافراج عنه من السجن او المؤسسات الايداعية للاحداث والفتيات.. والمعوقات التي تواجههم للتكييف مع المجتمع.. وهو هنا مشمول ببرنامج خاص بالرعاية اللاحقة يقول اللواء: (ان هذه المشكلة تتطلب تضافر جهود جميع الاجهزة المعنية بمكافحة الجريمة لمنع عودة هؤلاء الى الانحراف عن طريق توفير فرص العمل الشريف لهم ضمانا لعدم عودتهم للجريمة.. خاصة وقد تعاظمت الحاجة لى التكافل الاجتماعي في هذا العصر الزاخر بالمتغيرات الاجتماعية.. والاقتصادية.. والبيئية واصبحت المجتمعات تنظر للرعاية اللاحقة للمفرج عنهم كمبدأ اساسي من مبادئ التكافل الاجتماعي التي لامندوحة من الاخذ بها.. والارتكاز عليها هدفا.. وفلسفة واسلوبا لتحقيق مايصبو اليه المجتمع في مجال تنمية قدرات الفرد وتأهيله وتوسيع مداركه وتهذيب سلوكه وتوثيق علاقته بالقيم والمثل الدينية والعادات والتقاليد الاجتماعية السائدة وابعاده عن جو الجريمة ومواطن الانحراف والعمل على توجيهه ونصحه وارشاده وتقديم الرأي والمشورة له وتذليل الصعاب والمشكلات التي تعترضه وتهيئة اجواء الاستقرار.. والتكيف والاندماج في المجتمع وتمكينه من ممارسة حياته بصورة طبيعية لا يشوبها القلق والتوتر باذن الله). @ الصورة القاسية التي تلقي بظلالها الكئيبة على كل الانجازات المشرقة هي الرفض الاسري والاجتماعي للسجين بعد اجتيازه بنجاح برامج التأهيل اللازمة للتكيف مع المجتمع والانخراط كعضو عامل وفاعل.. ان السجين انسان بكل مافي الانسان من خير وشر وخطأ وصواب من حقه ان يعيش بكرامة معتمدا على ذاته دون معوقات اسرية.. واجتماعية لا يطمح لاكثر من احترام آدميته.. وتجاوز الماضي.. والخروج الى المجتمع بمشاعر اكثر تفاؤلا وايجابية وذلك لن يتأتى الا في معاملته كما يعامل غيره من البشر بعيدا عن ماضيه.. وان تفتح له كغيره ابواب العمل وتحقيق الذات والا فان العاقبة وخيمة وهي الانزلاق مجددا في الاسباب ذاتها التي تعلق في ذهنه وتسكن في لاشعوره ليعود اسوأ مما كان كرد فعل منتظر وشكل من اشكال التحدي يتوهم انه خط الدفاع عن كرامته وانسانيته!! @ اتساءل: كيف يتسرب هذا المسلك الى نفوس البعض في مجتمعنا الاسلامي الذي يمثل جسدا واحدا يقف افراده جنبا الى جنب في السراء والضراء؟ واذا كان ديننا الحنيف يحث على التوبة والتراجع عن الباطل.. والرجوع الى الله في قوله تعالى: (قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء, وخير الخطائين التوابون) وكما ورد في الحديث الشريف ان (التائب من الذنب كمن لاذنب له) فلا مجال لان يستثمر البعض نقطة ضعف في تاريخ انسان اعترف بذنبه وندم عليه وطهر ذاته من خلال توبة نصوح ليحمله اوزارها طوال عمره!! الا يكفيه القيود الثقيلة على حريته التي كان يرسف في اغلالها.. واعاقة دوره الطبيعي في الحياة ولو بصورة مؤقتة؟! @ ان الامل معقود على اللجنة الوطنية لرعاية السجناء التي يقف وراءها الوزير الانسان د. علي النملة التي اخذت على عاتقها شؤون وشجون السجناء داخل وخارج القضبان التي تعد لحملة وطنية لايجاد ودعم الموارد المالية اللازمة للجنة كي تحقق اهدافها وتتبنى حملة اخرى لتوعية الاسر.. وافراد المجتمع لتقبل السجين السابق كانسان طيب وعضو فاعل ونافع في المجتمع وانني على يقين بأن جذور الخير والسماحة المتأصلة في نفوس ابناء هذا الثرى الطيب جديرة بأن الله لتغلق هذا الملف الاسود الى الابد.