الجبيل،الأحساء- دلال العنزي،غادة البشر أم محمد: إدارة السجن خصصت مكافأة مالية تصل لأربعمائة ريال لكل جزء تحفظه السجينة أمل: الحرمان والعنف وراء انحرافي وابني سيدفع الثمن زريفة: رفض المجتمع وتعثر خطوبة ابنتي أكثر الصعوبات التي واجهتها بعد خروجي اللواء د. علي الحارثي ليس وحدهم السجناء والسجينات من يعانون من محاصرة نظرة المجتمع، بل يمتد الأمر إلى أسرهم أيضاً وخاصة الأبناء يدفعون ثمن سجن آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم منذ لحظة دخولهم السجن وحتى بعد خروجهم، فبعض الأقارب والجيران يقطعون علاقتهم بهم والأدهى، أن عديدا من الشباب يرفضون الارتباط ببنات السجناء والسجينات، الأمر الذي دفع السجينات خاصة إلى الانطواء والانعزال عن المجتمع رفض أفراده احتوائهن أو يعدن لعالمهن المجهول مجبرات على العودة للجريمة، فحسب الإحصائيات تقول إن 36% يعدن إلى الجريمة بسبب عدم تقبل الأسرة والمجتمع لهن، ونظرة الإجحاف والإقصاء التي يحيط المجتمع بها السجينة أصبحت قيداً منع كثيرات من الاندماج والانخراط في المجتمع، هذه النظرة تكاد تقطع حبال العودة والتوبة التي يسّرها الله سبحانه وتعالى لعباده وجعل خير عباده التوابين. عاهة مستديمة تقول «زريفة» سجينة سابقة، التي تعمل بائعة بسطة، وأم لأربع فتيات وشاب، «حكم عليّ بالسجن منذ فترة طويلة وقضيت فيه سنتين، بسبب وقوع اشتباك بيني وبين بائعة أخرى في سوق نسائي تسببتُ لها بعاهة دائمة وقد تنازلت عني في حقها وقبلت التعويض البالغ مائة ألف ريال، وعلى الرغم من أني حفظت في السجن القران الكريم وبدأت بداية جديدة إلا أن المجتمع مازال ينظر لي نظرة السجينة السابقة فقد قطع الأقارب والجيران علاقتهم بزوجي وأطفالي وبي بعد خروجي من السجن ونتيجة لمعاناتي فقد نصحني أحد المشايخ بأن أغيّر المكان والمنطقة التي أعيش فيها لإبداء حياة جديدة وقمت بالانتقال للمنطقة الشرقية لأنه لا يوجد من يعرفني فيها». خطوبة ابنتي وتضيف «زريفة» « من أكثر الصعوبات التي واجهتها بعد خروجي من السجن بالإضافة لرفض المجتمع لي تعثر خطوبة ابنتي الكبري أكثر من مرة بسبب علم الخاطب بأنني كنت سجينة سابقة وكذلك عندما أرغب في العمل فإن قضية سجني تقف حائلا دون توظيفي ولكنني الآن أعمل بائعة في بسطتي وزوجت إحدى بناتي، وأنا أتساءل هل كل سجينة تستطيع الانتقال والعيش في منطقة لا يعرفها أحد فيها؟ وهل المجتمع لا يقبل التوبة إذا كان رب العباد يقبلها؟ وما هو ذنب أبناء وأقرباء السجناء عندما يرفض كثيرون الزواج منهم. نظرة المجتمع ويرى الشاب جهاد اللافي أن الزواج من سجينة يخضع لعدد من العوامل منها نظرة المجتمع وسبب السجن، فإذا كانت أسباب السجن أخلاقية أو القتل أو المخدرات فإنه بالطبع يرفض الزواج من سجينة أو تزويج سجين ،ويرى لافي أن المجتمع أصبح على وعي باحترام السجين أو السجينة التائبة لكن مازال هناك صعوبات في تزويج السجين أو أبنائه. فرصة للعودة ويشير عبدالله فياض إلى أن الزواج من أقارب أو أبناء السجناء والسجينات ،أمر يجب أن يكون طبيعيا لأن الأبناء والأقارب ليس لهم ذنب بما ارتكبه أحدهم، وعن قبوله تزويج سجين من ابنته أو أحد قريباته أو زواجه من سجينة قال «يعتمد على سبب السجن وعلى مدى توبة السجين سواء امرأة أو رجل فيجب أن يكون لدينا تقبل لسجناء من الجنسين ودمجهم في المجتمع وعدم نبذهم حتى لا يعود السجين مرة أخرى لسجنه.» أما الطالبة الجامعية رهام سلمان فترى أن إعطاء السجينة والسجين فرصة للعودة للمجتمع مهمة حتى لا يعود للسلوك السابق، وعن الزواج من سجين سابق أو ابن سجين تقول (رهام) «أقبل الزواج إذا كان سجينا بسبب دَيْن وأن يكون السبب غير أخلاقي مع علمي أن الأسرة سوف ترفض». رفض السجناء وتقول خديجة مفلح «أرفض الزواج من سجين سابق أو ابن سجين»، وتضيف: « لن أدعي المثالية المجتمع إلى يومنا هذا يرفض السجناء ذكورا وإناثا ويرفض كثيرون توظيفهم لأنهم سجناء سابقون فكيف يزوجونهم؟ فلنكن واقعيين نظرة المجتمع والقبيلة والعائلة ترفض تزويج السجناء خصوصا سجناء القضايا الأخلاقية حتى لو استقام وتاب فإن ماضية سوف يلاحقه». لجوء للخاطبات وقالت الخاطبة أم علي «يلجأ لي كثير من السجناء السابقين للبحث عن عروس تقبل بماضي السجين وعادة يطلب السجين سجينة سابقة بشرط ألا تكون جريمتها أخلاقية وتقول أم على أجد صعوبة كبيرة في إيجاد ما يطلبه الطرفان بسبب السرية والتعتيم من قبل الأسر على ذكر سبب السجن ولكن حدثت حالتان قمت بتزويجهما وكان سبب سجن أحدهما دَين والآخر دية». ظروف قاهرة وتؤكد الخبيرة الأسرية الدكتورة ماجدة الصرايرة أن الظروف المحيطة بالسجين والسجينة التي دفعت به إلى السجن عادة ما تكون ظروفا قاهرة يعاني منها حتى وهو داخل سجنه، وذكرت بقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) مستنكرة كيف يحمل المجتمع أقرباء وأبناء السجناء وزر غيرهم وتهميشهم وعدم تزويجهم فما بالك بالسجين وقالت «هذا الرفض من المجتمع عادة ما يسبب عودة السجين مرة أخرى لسجنه ويجب علينا احتواء السجناء وتوفير أسباب الحياة الكريمة لهم ودمجهم في المجتمع ويأتي ذلك عن طريق عمل برامج توعوية اجتماعية ونفسية للسجين تساعده على الانضمام للمجتمع وبرامج توعية من خلال الجامعات والمدارس للتوعية بحقوق السجين السابق كمواطن يجب احتضانه فمتى كانت التوبة النصوحة من السجين أو السجينة فهو إذا عضو فعال ومشارك في المجتمع رضينا أم أبينا ويجب أن تتوقف عملية إقصاء السجينة من المجتمع حتى تحظى بتصحيح مسارها. وأضافت «من الجميل أن نري عددا من الجمعيات في المملكة تعنى بأمر السجينة وحقوقها وتأهليها وخير مثال جمعية «تراحم» التي تقوم على متابعة أحوال السجينات وتحسن ظروف سجنهن. سجينات وافدات وبينت مسؤولة في القسم النسائي بسجن الأحساء عن أن عدد السجينات السعوديات النزيلات في السجن قليل جداً ، مؤكدة أن معظم السجينات من الوافدات خاصة من جنسيات شرق آسيا، ممن يعملن خادمات وممرضات، وأوضحت أن جريمة السحر تحتل المرتبة الأولى، يليها سرقة الكفيل، والهروب، وقضايا أخلاقية، وأشارت إلى أن أصعب أنواع السجينات هن أصحاب قضايا المخدرات إدمانا وترويجا، حيث يعانين من نوبات إدمان عنيفة يصعب السيطرة عليها، بالإضافة لمن تعاني من اضطرابات نفسية، حيث إن أدوية الطبيب النفسي لا تكفي لضمان هدوء الأوضاع، وصرحت بأن عدد السجينات السعوديات حالياً في السجن لا يتجاوز الثلاثة من أصل عشرين سجينة جميعهن من الجنسيات الآسيوية الوافدة. تقويم سلوك وكشفت الجولة الميدانية التي قامت بها «الشرق» في القسم النسائي في السجن العام بمحافظة الأحساء عن حرص إدارة السجن على تقويم سلوك السجينات، وإعادة بناء شخصيتهن، من خلال سلسلة من البرامج التثقيفية، والإصلاحية، والإنسانية، وحتى المهنية، التي تهدف لتحقيق الهدف الأهم لإقامة السجون، وهو إصلاح وتهذيب سلوك المذنب، وإعادة تأهيلة ليكون عضوا صالحا وفاعلا في المجتمع، وتتنوع هذه البرامج من حيث الفكرة والمنهج، حيث ذكرت مشرفة القسم أم محمد أن السجن يقدم عددا من البرامج، أهمها برنامج تحفيظ القرآن الكريم، التي خصصت إدارة السجن مكافأة مالية تصل لأربعمائة ريال لكل جزء تحفظه السجينة، ومنحها شهادة من الشؤون الدينية لكل جزء تحفظه، بالإضافة لبرنامج التوعية والإرشاد الديني، الذي يتم بالتعاون مع مكتب الجاليات، حيث يتم خلال البرنامج إلقاء المحاضرات وتوزيع كتيبات بلغات مختلفة، تتوافق ولغات السجينات، ولا تقف المسألة عند الناحية الدينية وحسب، بل تصل للناحية الصحية من خلال تنظيم محاضرات صحية متنوعة، وتوزيع كتيبات توعوية من خلال التعاون مع وزارة الصحة. وتشير أم محمد إلى تنمية المهارات الحرفية للنساء لتأهيلهن للانطلاق لسوق العمل، من خلال تعليمهن مهنة الخياطة التي تفوقن فيها كثيرا، مما أهلهن للمشاركة بمنتجاتهن في الجناح الخاص بمنتجات السجون في الجنادرية. جانب إنساني وتنوه المشرفة المناوبة في السجن أم عبد الله لمراعاة الجانب الإنساني للسجينات من خلال فتح باب الزيارة لهن يومين في الأسبوع ، وتخصيص يوم عائلي في الشهر يسمح فيه للسجينة الاختلاء بزوجها، وأبنائها، من الثامنة صباحا وحتى الرابعة عصرا، توفر فيها إدارة السجن وجبة الغداء للسجينة وأفراد أسرتها حسب رغبتها، كما تحرص الإدارة إلى تعزيز التواصل بين السجينة وأسرتها من خلال المتابعة المستمرة لأحوالهن، والاطلاع على احتياجاتهن النفسية، بالإضافة لتعيين مشرفة غذائية في السجن تشرف على وجبات الطعام، وتهتم بمتابعة التغذية الصحية السليمة للسجينات، بالإضافة للمتابعة الصحية من قبل أطباء المركز الصحي التابع للسجن، وبالنسبة لأطفال السجينات يسمح للسجينة حسب القانون الاحتفاظ بطفلها الرضيع حتى يتم عامه الثاني وتقوم إدارة السجن خلالها بتوفير كافة أنواع الرعاية من توفير الحليب والغيارات والملابس، إلى التطيعمات والمتابعة الصحية لنموه. مرارة الحياة والتقت «الشرق» بالسجينات السعوديات الثلاث الموجودات في سجن الأحساء ، للوقوف على حكاية وأسباب وجودهن وراء القضبان، ومشاعر افتقادهن للحرية، تقول «روابي» التي قضت حتى الآن ثلاثة أشهر تنتظر ما يؤول إليه مجرى التحقيق، بنبرة صوت مشحونة بالندم والقلق على أبنائها الخمسة التي هي عائلهم الوحيد، «حولتني مرارة الحياة التي قاسيتها منذ صغري لامرأة عصبية المزاج، وسريعة الغضب والانفعال، فقد وجدت نفسي وأنا طفلة لا يتجاوز عمري 12 عاماً، زوجة ثم أما، مسؤولة عن رعاية منزل وزوج وطفل، في وقت كنت فيه في أمس الحاجة للحنان والرعاية والمرح، فبادرتني الهموم مبكراً، مع زوج بدأ حياته معي بالمشكلات لتنتهي بعد أن أنجبت منه ثلاثة أطفال، ودفعتني الحاجة، والخوف من طمع الذئاب البشرية، ونظرة المجتمع الدونية للمطلقة للزواج من آخر لأصبح مطلقة للمرة الثانية، ويزيد عدد أبنائي إلى خمسة، وقررت بعدها العيش لهم، فبدأت العمل ، بالإضافة لمعونة الضمان الاجتماعي ، ومعونات الجمعيات الخيرية، وأهل الخير، واستطعت بحمد الله أن أربي أبنائي، بل إني عدت لصفوف الدراسة وقررت إتمام تعليمي لأتسلح بالعلم، إيمانا مني بأن الجهل يقف وراء مأساتي ، وتضيف كنت أركب سيارة ابن أختي ليقلني للمشغل، الذي تعمل فيه صديقة عمري المريضة ، وكنت أريد أن أصل إليها في أسرع وقت،ليحدث ما حدث وعن رأيها في مستوى الرعاية بالسجن أكدت أنها فوجئت بما رأته من كرم أخلاق موظفات السجن، والرعاية والرأفة التي تعامل بها، وأكثر ما استفادت منه قربها من الله سبحانه وتعالى. جريمة سلب ودفع الفقر ورفيقات السوء غادة لجريمة السلب، وتروي لنا حكايتها قائلة «أنا أم لخمسة أطفال ثلاثة منهم من زوجي الأول الذي لا يرسل لهم ريالا واحدا، ليتحمل زوجي الثاني مصاريفهم كاملة هما وأبنائي الإثنين منه، ولا أعرف كيف يمكن لراتب زوجي الذي بالكاد يصل ثلاثة الآف أن يدفع إيجاراً سنوياً للمنزل الذي نسكنه، وينفق على خمسة أبناء وزوجة، وعبثاً حاولت الوصول لمعونة الجمعيات الخيرية، وأهل الخير فقد كانت كل الأبواب موصدة في وجهي، ليكن ذلك مدخلاً للشيطان، الذي تلبس صديقتي، التي لم تفتأ تُلح علي في اللجوء للسرقة والسلب، وفي يوم الحادثة كنت أزورها، ولم تكن بنيتي السرقة، ولكنها زادت جرعة الإلحاح، وضعفت وخرجت معها لأحد محلات الأثاث لسرقة صاحبه، ولكن افتقاري للخبرة والاحتراف كشف الموضوع، ووجدت نفسي في قبضة الشرطة، والآن انتظر الحكم، لا أفكر إلا في أبنائي الذين لم ترهم عيني منذ دخولي السجن، بناء على رغبتي، فلا أجرؤ على رؤيتهم وأنا في هذه الحالة، لا أريد أن أزيد من عذابهم، ولا يهون عليَّ عذابي سوى كلمات الشيوخ والمحاضرين داخل السجن، عن التوبة التي أسأل الله أن يتقبلها مني، ويشملني بواسع رحمته. انتهاك عرض وتروي أمل، التي تربت بين أبوين منفصلين، وقام والدها بالتكفل بتربيتها، مع زوجة أبيها وأخوتها، قائلة» كان الحرمان من حنان أمي التي لم أشعر بحبها يوما، وجفاء المعاملة ممن حولي، عاملين هامين في اندفاعي وراء كلمات الحب المعسولة، التي حولتني للقمة سائغة لذئب انتهك عرضي، وجعلني أما لطفل يبلغ من العمر الآن ثماني سنوات لم أستطع حتى اليوم إدخاله المدرسة، وقد عاهدت نفسي على التوبة والاستقامة، على الرغم من قسوة الحياة حولي، ولكن وفاة والدي هزمتني، فقد اضطررت للجوء لأمي التي تضجرت من وجودي وابني معها، فكانت تبادر بطردي في كل وقت، حتى أصبحت مهددة بافتراش الأرصفة في أي وقت، وفي هذه الظروف جاءني صوت الحب المزعوم يناديني للخطيئة مرة أخرى، وهذه المرة من رجل من جنسية آسيوية، لأصبح حاملاً سفاحاً للمرة الثانية، وعلى الرغم من إصراره على الزواج مني وتأكيده لحبه لي حتى أمام الشرطة والهيئة، ألا أن ذلك لا ينفي الجريمة التي وقعت، وما يعذبني الآن هو ابني الذي لا أعرف ما هي أخباره منذ دخولي للسجن، حيث إن أمي لم تكلف نفسها مشقة السؤال عني، والاتصال بي، ولا أستبعد أن ترمي به في الشارع مع طول المدة، وأحمد الله أنني ابنة هذا البلد, مضيفة ما أجده من رعاية ومعاملة كريمة داخل القضبان لم أجده في منزل أمي، لولا ذلك لمت حسرة وندماً.»