أوضح "د.مضواح آل مضواح" مدير الإصلاح والتأهيل بسجون منطقة عسير، أن النظريات الاجتماعية تؤكد أن تجاوز نسبة الجريمة لحاجز (7%) من المفرج عنهم يعد حالة غير طبيعية، ويدل على وجود نقص في برامج الإصلاح والتأهيل داخل السجون، أو خلل في برامج الرعاية اللاحقة، وعدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم. وقال في حديث ل"الرياض" إن نقص التهذيب والإصلاح وإعادة التأهيل يعود إلى عدة أسباب: أهمها تعرض المتهم أثناء التحقيق للمعاملة القاسية، مما يولد لديه انطباعاً بأن أجهزة العدالة الجنائية برمتها أجهزة بطش وقسوة، وبالتالي فإنه سينظر لكل ما يقدم من برامج بنوع من الشك والريبة، إضافة إلى عدم كفاية البرامج الإصلاحية، سواء من حيث الكم أو الكيف، ونقص الإمكانات المادية والبشرية، أو نقص كفاءة المنفذين لها، إلى جانب عدم مراعاة بعض القائمين على هذه البرامج لميول السجناء، ومستوياتهم التعليمية، وكذلك قدراتهم الجسمية والعقلية والنفسية. السجون تنجح وتقصر! وأضاف أن السجون لدينا تنجح في جوانب، وتقصر في جوانب أخرى، مثلها مثل أي وزارة، أو أي مؤسسة اجتماعية، حيث نجحت سجوننا في إصلاح وتأهيل بعض السجناء، مضيفاً أن لكل قاعدة شواذاً، فبعض السجناء يدخل السجن مجرماً، ويخرج منه مجرماً، ويعود إليه مجرماً، والسجون لا تتحمل مسؤولية هذا الفشل لوحدها، لافتاً إلى أهمية تأدية المجتمع دوره تجاه أبنائه قبل أن يصلوا إلى مرحلة الانحراف، وإكسابهم القيم والتقاليد المحمودة، وإقناعهم بها طوعاً لا كرهاً، فالمجتمع يتحمل جزءا من المسؤولية عن انحراف بعض أبنائه بسبب تقصيره في تنظيم بعض الجوانب تنظيما صحيحا، كما أن عودة المفرج عنه إلى الجريمة بعد إصلاحه وتأهيله في السجون، يعد دليلاً قاطعاً على فشل المجتمع في استيعابه ومنحه فرصة للتوبة، ومن هنا نجد أن المجتمع لا يخلو من المسؤولية في كلتا الحالتين. ومن المهم جدا الاقتناع بدور المجتمع في إصلاح السجناء ورعايتهم وتأهيلهم، واستيعابهم بعد الإفراج عنهم، ومن المهم أيضا معرفة التبعات والواجبات المترتبة على حقيقة أن السجناء فئة خاصة، فإذا نظرية الاختلاط التفاضلي تدل أن هذا النوع من الاختلاط يوثر تأثيراً بالغاً في سلوك الأشخاص في الوسط الاجتماعي سلباً أو إيجاباً، لذلك فمن باب أولى أن يكون الاختلاط داخل السجون أكثر تأثيراً لوجود متسع من وقت الفراغ لدى السجناء، وهذه كلها أسباب قوية تدفع بالقائمين على السجون إلى تطبيق نظام "التصنيف" في كل أنحاء العالم، مشيراً إلى أن تأخر بعض الدول في تطبيق هذا النظام، راجع إلى "قصر نظر" بعض المخططين، الذين يقنعون المسؤولين بعدم أهميته، ويقنعونهم أيضاً بأن سلبيات الاختلاط أقل بكثير من سلبيات التكلفة المادية للتصنيف. التغيير والتطوير معاً! وأشار إلى أن التغيير في نظم أجهزة العدالة الجنائية، لن يحقق النقلة الملائمة لطموحات القيادة، ما لم يمتد التغيير إلى مجال تأهيل القضاة، سواء الموجودين منهم على رأس العمل حالياً، أو من يعدون للعمل في مجال القضاء، بحيث يكون مشتملاً على العلوم والمعارف المتصلة بعلم الجريمة والعقوبة، وعلم الإصلاح. نظام التصنيف وأوضح "د.مضواح" أن اكتمال نظام التصنيف وتعميمه على جميع سجون المملكة لم يصل إلى الحد الأدنى المأمول، ومن أقوى الأسباب لهذا التأخر أنه عندما فصلت السجون عن الأمن العام وربطت بصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، وأسندت إدارتها العامة إلى اللواء "د.علي الحارثي"، والذي يبذل جهوداً مضنية للتغلب على مشكلاتها، وجدنا أنفسنا أمام تركة متهالكة تماماً، ويتطلب الأمر إعادة بنائها وترميمها، وتحويلها إلى مؤسسات إصلاحية وتأهيلية، ويحتاج ذلك إلى عقدين من الزمن على الأقل، حتى تكون معبرة (شكلاً ومضموناً) عن العدل والمساواة، واحترام حقوق الإنسان عامةً، وحقوق السجناء خاصة. 400 ريال للسجين يومياً وقال إن الرعاية اللاحقة هي من اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية، فهناك إدارة عامة بالوزارة بهذا المسمى تماماً، لكنها شبه مصابة بالشلل، وهذا ما دعاني منذ سنوات إلى المطالبة باستحداث هذه الإدارة في وزارة الداخلية، ونقل صلاحية تلك الموجودة في وزارة الشؤون الاجتماعية إليها، لافتاً إلى أن السجين الواحد يكلف الدولة ما يربو على أربعمائة ريال في اليوم الواحد، فماذا لو أنفقت عليه الرعاية اللاحقة مئة ريال يومياً بعد الإفراج عنه، حتى يندمج في المجتمع، وفي هذه الحالة سنوفر كثيراً من التكاليف، وهذا ليس مفيداً للسجين وحده، وإنما لأسرته التي من المحتمل جداً، أن ينحرف أحد أفرادها بسبب غياب عائلها في السجن، وكذلك للمجتمع الذي كان من الممكن أن ينشئ مدرسة، أو مستشفى أو مشروعاً حضارياً، بما صرفه على السجناء العائدين للجريمة في السجون. بعد النظر! وأضاف أن هذا التقصير ليس ناتجاً عن توجه عام لإهمال الرعاية اللاحقة الفعالة، ولكن ربما يوجد خلل لدى بعض المخططين في وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة المالية في الجانب المتعلق ب"بعد النظر"، إلى جانب عدم الوعي الكافي بأهمية هذه الرعاية في الوقاية من الجريمة، وعدم الوعي كذلك بما سيوفر سجين خلف القضبان يبحث عن برامج تأهيل كافية لخزينة المال العام من الفارق الكبير، بين ما يصرف على السجين داخل السجن، وما كان سيصرف عليه من قبل الرعاية اللاحقة. "العقوبات التعزيرية" شديدة وأشار إلى أن بعض "العقوبات التعزيرية" شديدة جداً، وبخاصة عقوبات الجلد، فالله تعالى لم يشرع في أغلظ الجرائم الحدية - فيما هو دون إزهاق النفس- عقوبة جلد أعلى من (100) جلدة، مضيفاً: لا يوجد عاقل يدعي أنه أعلم من الشارع عز وجل، بما يصلح أحوال المذنبين، فكيف نفسر الحكم بمئات أو آلاف الجلدات. وعن تقنين "الأحكام التعزيرية" أفاد بأنه مطلب إنساني، وله فوائد لا تحصى على المجتمع ونظمه وعلى القضاء نفسه. الوصم الاجتماعي وشدد "د.مضواح" على أن "الوصم الاجتماعي" يعد أخطر النتائج السلبية المترتبة على العقوبة، كما أنه من أقوى الأسلحة التي استخدمت على نطاق واسع لتشويه سمعة بعض الأشخاص، موضحاً أن الوصم بالانحراف يعد من أهم العوامل التي تدفع بالفرد لمعاودة السلوك الإجرامي، لأنه يؤدي إلى النبذ الاجتماعي، فلا يوجد من يتقبل الموصوم، ويثني عليه ويشعره بقيمة ذاته، سوى رفاق السوء وعصابات الإجرام، فيندمج معهم وتبدأ تفاعلات نظرية "المخالطة الفارقة" ومن ثم يسلك سلوكهم، مشيراً إلى أن المجتمع هو المرآة التي يرى الفرد صورته من خلالها، ومن المفترض أن تكون هذه الصورة طبيعية، لكنها تظهر مشوهة في حالة الوصم بالانحراف. معالجة الانحراف وقال إن العقوبة لا تصلح أحداً، بل لابد من معالجة الانحراف من حيث أسبابه وعوامله وأعراضه، وكذلك البحث عن مشكلات السجين الذاتية والخارجية، التي دفعت به إلى السلوك الإجرامي أو الانحرافي، ودراستها ثم معالجتها، وعلى سبيل المثال: لو أن لدينا سجيناً في قضية سرقة، فعلى المختصين دراسة ظروفه المادية، وإذا تبين أنه عاطل عن العمل، كان من أهم إجراءات المعالجة تأهيله على مهنة مناسبة، والبحث له عن وظيفة بعد الإفراج عنه، أو مساعدته بقرض ميسر على إنشاء مشروع مناسب لمهنته التي اكتسبها خلال فترة سجنه، كل ذلك لنؤمن له مصدر رزق شريف، ومثل هذا الإجراء لا يهدف إلى القضاء على الجريمة من المجتمع فهذا أمر مستحيل، ولكنه يهدف إلى تقليل معدلات الجريمة والوقاية منها. منظمات حقوق الإنسان وعن دور منظمات حقوق الإنسان أشار "د.مضواح" إلى أنها تحاول إحداث نوع من التوازن بين حقوق الجاني وحقوق المجني عليه من الجانب الإنساني، فهي تحاول المحافظة على حقوق السجين التي لا تسقط بمجرد اقترافه للجريمة. مسجون داخل سجن