من مواليد الخبراء بمنطقة القصيم في المملكة العربية السعودية عام 1959م. تفرغ للعمل الصحافي في بداية حايته وتنقل بين العديد من الجرائد والمجلات السعودية في مواقع قيادية كما اسهم بكتابة المقالة اليومية والتحقيقات الصحافية في العديد من الصحف المحلية والعربية. نشر كتابه الأول بالاشتراك مع زميله المصور الفوتوغرافي حمد العبدلي (الجنادرية الحدث) وساهم في توثيق تجربة البناء بالطين لمشروع مزرعة العذيبات في كتاب مميز ومصور بعنوان (العودة الى الأرض). وقد تمت هذه التجربة بمبادرة من الأمير سلطان بن سلمان امين عام الهيئة العليا للسياحة وتحت اشرافه. شارك في مسابقة عالمية لاتحاد المصورين العالمي في الصين عام 1997م وحصل على المركز الثاني عند فوزه بالميدالية الفضية. اقام عدة معارض شخصية كان اهمها حتى الآن معرض بلا حدود الذي اقيم في الرياض عام 2001م ومعرضه الثاني الذي اختار له ان يكون في وسط الصحراء عام 1996م. عمل متفرغا في مجال انتاج الافلام الوثائقية التليفزيونية والسينمائية بين لندنوالرياض. مرت هنا ريح وما كتبت حتى محت اثرا من غير اسماء اشباح اشخاص هنا وقفوا يستنهضون بلادا كلما هتفوا يهفو لهم خبر من يستجيب لهم ريح رجال... نسوة.. حجر.. ماذا سيبقى لهم في حسرة الماء.. قاسم حداد هكذا غادر المبدع صالح العزاز بصمت بعد معاناة له مع المرض الخبيث لاكثر من عام ونيف.. ورغم انف المرض تواصل العزاز مع محبيه عبر الكتابة.. لنكتشف ان هناك الكثير من جميع شرائح المجتمع جمعهم به الحب والانسان كما سماه عبدالوهاب الفايز ذات مرة حيث كتب في احدى زواياه المنشورة يتحدث عن صالح الانسان وذلك اثناء تعريفه بمعرض بلا حدود وذلك المعرض الفني الذي اقامه العزاز في الرياض.. وكانت الكلمات شبه سيرة ذاتية صاغها العزاز والفايز.. صالح... "إنسان..!!" لم تأخذني الدهشة عندما قرأت رسالة التعريف التي كتبها صالح العزاز عن نفسه عند مدخل المعرض, رغم أن كثيرين أدركتهم هذه الحالة. فأنا أعرف ان صالح حلق في فضاء الكلمة الصحفية منذ ان عرف معنى الحروف.. لذا هو دائما يكسر القوالب ويأتي بالجديد. تقديرا لهذه (الزاوية) وافق صالح العزاز ان أنشر هذا التعريف المختصر, لأنني أرى فيه (موقفا ) من الإنسان الفنان سواء كان صالح أو غيره. يقول صالح: لم يكن ذلك الشيء الذي حدث بين صلاة الظهر والعصر حدثا مهما أو غريبا , لأن الولادات كانت تتم بكثرة في تلك القرية النائية من العالم, فإن لم تلد احدى النساء فقد تلد إحدى الأغنام أو النياق, كانت الولادات تحدث كل يوم تقريبا فيكبر القطيع! ثمة امرأة تركت الحقل على وجل متجهة إلى الدار, لكن اللحظة أدركتها فسقطت أنا على الأرض عاريا مثل جرم فضائي صغير وغريب. أخذتني بين كفيها نفضت عني بقايا الرمل الناعم الذي كان ثوبي الأول وسيكون ثوبي الأخير. في عام 1959م كانت والدتي نورة بنت علي الدهيمان منغمسة بعملها اليومي خلال موسم الحصاد, ربطت شعرها دون ان يخطر في بالها أنني سأكون بين يديها خلال لحظات, وعندما حدث, قطعت حبل سرتي بمنجل الحصاد, كان أبي بعيدا في مدينة أخرى يبحث عن قوت عياله. لذلك لا أحد يتذكر اليوم الذي حدث فيه أمر عادي كهذا يتكرر كل يوم ولا أحد يذكر حتى شهر ميلادي. لكن والدي قال لي ان أجمل خبر تلقاه في حياته عندما قيل له أن مولودك الثاني ولد أبيض وطويل وجميل. في عام 1979م ذهبت إلى نيويورك لأول مرة في مغامرة لا تنسى, وفي مطار كندي سألتني موظفة الجوازات, امرأة بدينة مقطبة الحاجبين, ما تاريخ ميلادك؟ فقلت لها 1959 فقالت في أي يوم في أي شهر؟ قلت لها لا أعرف. صرخت معلنة للملأ ان ثمة مخلوقا غريبا وصل إلى نيويورك لا يعرف تاريخ ميلاده.. شعرت بأن كل من في المطار في تلك اللحظة يحدق في هذا الكائن الغريب الذي لا يعرف متى ولد. لم يكن هذا الأمر يشكل أهمية بالنسبة لي, لكن عندما عشت في بريطانيا, في التسعينات, وعلى الرغم من انه تم اختراع التاريخ المطلوب لهذا الحدث لكن الأمر لم يعنيني خاصة انه تاريخ ملفق إلا ان الأسئلة بدأت تتفاقم في المناسبات ما عيد ميلادك. بل وتتأزم لتسأل من أي الأبراج أنت!! كنت اخترع لكل مناسبة حكاية, وكنت أروي حكاية جدتي موضي الشايع التي كانت تلعب دور القابلة وولدت جميع أطفال ذلك المكان البعيد, وكانت تؤذن في آذانهم لحظة يخرجون إلى النور وتدس في حلوقهم أول جرعة من الحياة الجديدة ثمرة مغموسة بالماء. كانت تقوم بكل هذا وهي امرأة كفيفة. لكنها بالنسبة لي كانت أكثر الأحياء بصيرة في نظري, كانت ترى الأشياء بقلبها الكبير. كنت ومازلت أشعر بالحزن لأنني لم أخرج إلى الحياة على يديها ولم تؤذن بأذني, وعندما توفيت العام الماضي عن عمر يناهز ال120 سنة شعرت بأنني في مهب الريح. كلما باغتتني الأسئلة عن برجي, كنت أختار العذراء مرة أو برج الأسد مرة أخرى, لكن لم يصدقني أحد. كانوا يقولون لي أنت من برج الحوت لأن صفة المغامرة موجودة فيك, والطيبة في ملامحك. كنت أعجب بالأولى وأكره الثانية لأنها علامة ضعف إنساني في زمن متوحش, ولو كان للإبل الشاردة برج لاخترت ان أكون معها لكي أكون مثل جمل من الصحراء لم يلجم. المفروض ان أكون شجاعا مخاطرا لأنني لن اخسر في شجاعتي ومخاطرتي شيئا , والمفروض أن لا أكون جبانا لأني لن أكسب من جبني شيئا. في هذا المعرض بلا حدود حاولت تقديم بعض الصور المهمة, والملتقطة من الجو لمدينة الرياض. وقد جاء التقاط هذه الصور بمحض الصدفة, إذ انه لم يكن ثمة مهمة تصويرية مخطط لها مسبقا. وأنا على أي حال لا أحب المدن كثيرا , لأنها تصادر حريتي ولا تمنحني ذلك التباين بين الضوء والظل والذي تمنحني إياه الصحراء: خيمتي الأولى والأخيرة, لذلك فقد قررت ان أجعل صور المدينة محاطة بصور الصحراء: أمها الحنونة. واعتقد أنني بعد هذا المعرض سوف اقترب من الصحراء أكثر, بل سألتصق بها, لأنني كلما ذهبت إليها تمنيت لو أنني عشت هناك أرعى الإبل واقرأ أشعار المتنبي وأحفظ قصائد عنترة. واختمها قائلا: سوف اعود الى الصحراء ولكن بطريقتي الخاصة. وكأنه يرسم خيوط النهاية التي كتب عنها.. ويستشعر الحزن طيلة اعوامه وقد كتب العزاز في زاوية صوت آخر في 16 من مايو 1981م زاوية بعنوان تفاصيل حزن صغير يقول فيها: وجهك الآن صار نبتا تسرب الى القلب والدم واقام احتفالا وانت مازلت حفلة عرس تتوهج لكني الآن مثقل بالهزائم المرة تمددي كالاشجار في اصابع اليد ومفاصل الحزن تسربي خلسة او علنا كما تريدين!! لكن ساحة القلب مزدحمة بالهزائم واحتفالات الحزن القلب اتعبه السهر اتعبه الكبت واثقله صمت لايريد ان يتفجر حذي وجهك استعيري لون البرتقالة واركضي صوب البحر استعيري رائحة الحرائق وخرائط الموت.. كوني شيئا آخر كوني جنونا وتعبا.. لكن لاتعبري بوابة القلب دعيه الآن يستعيد وعيه واذكرته والاسماء القديمة كوني لحظة الرحيل او السفر استردي وجهك من غرفة هذا القلب لانه صار متعبا.. متعبا!! لاتكوني صوتا كوني عقلا.. واستردي وجهك الآن استعيري لون البرتقالة ورائحة الزعتر!! صالح العزاز لقد كان العزاز يستشعر بالحزن الموت قبل سنوات طويلة ويرددها بين اشعاره واسفاره.. رغم انه تواصل بالكتابة من غرفة الانعاش بمستشفى الشمس المشرقة وقد نشرها في الزميلة الشرق الاوسط وهي بعنوان: في غرفة الإنعاش.. رحلة العودة إلى الحياة انني عاجز عن تفسير ما حدث حتى هذه اللحظة. غير ان القدر يوزع نصيب الناس في الحياة بشكل منظم، بغض النظر عن الجغرافيا أو التاريخ أو الزمان أو المكان.. اسطورة الحياة التي لا نلمسها لاننا لا نستطيع ان نراها عن بعد.. لاننا نعيش في ضجيجها وداخلها. لم تكن صحراء ولاية نيفادا أو مدينة لاس فيجاس في الحسبان، عبر رحلة عائلية غير أكثر من محطة مرور لمكان آخر مع اطفال اقصى ما يتشوقون اليه زرقة البحر عن بعد، لكن عندما يلتقي البرزخان.. رمق الموت في مواجهة طعم الحياة.. يصبح الأمر مختلفاً، لأنه في حسابات مدبر الاشياء الهواء والماء والشمس والظلام.. انها لحظة الضعف الانساني التي تكمن فيها كل معاني الرغبة في استئناف حياة جديدة، انها لحظة القوة الحقيقية. لقد ولدت الثلاثاء في الساعة السادسة مساء، في مستشفى الشمس المشرقة Sunrise بالتعاون مع فريق مختلط من الناس يقودهم الدكتور فنقر وكل هؤلاء الناس التقيت بهم قبل نصف ساعة من موعد ميلادي الثاني المقدر والمحسوب سلفا في كتاب محفوظ، جئت لكي أولد هنا. حتى قبل ان يلتقي ابي بأمي قبل 40 عاما في مدينة الخبراء بالقصيم، كان مقررا بدون شك ان تحدث الولادة الثانية في لاس فيجاس وعلى يد طبيب امريكي اسمه فنقر، ومعه الممرضة الالمانية هيجرا التي تحب هرمان هسه وآخرون. أكاد اجهش بالبكاء من كل هذه العناية الإلهية والانسانية، من الاصدقاء، من بلدي من أمي وابي وزوجتي التي تحرس اطراف اصابعي ليل نهار، وفيض المشاعر التي غمرني بها اخوتي. عندما يقول لك الطبيب في مثل هذا الموقف انك اقرب الى الحياة، تعرف عزيزي الانسان المعنى العظيم لعدم التدخين. ما اعظم ان لا تدخن. ما اعظم ان تكون كرات دمك الحمراء والبيضاء ورئتاك متحالفة معك تغريك بالحياة وتستعيدك من منزلقات الموت.. تفسح لك أملاً جديداً لم يجرب من قبل! تفجر الألم عند منتصف الليل. كنت أشعر انها نهاية الماراثون الطويل. لكن زوجتي تداركت الامر وفقا لما هو مرسوم مسبقا، وطلبت المساعدة. كل شيء يتم بسرعة. كان همي ألا يستيقظ الصغار على مشهد من هذا النوع. انه قدري. والا ماذا يفعل انسان مثلي في مدينة من هذا الطراز بنيت اساسا للمغامرين والمقامرين، وأنا لم أجلس في حياتي حتى على لعبة البلوت التي كانت أكثر شعبية في بلاد المملكة.. لكنه الموعد الثاني مع الدكتور فنقر. نقلت الى اقرب مستشفى Sunrise الشمس المشرقة وزوجتي تتبعنا بسيارة أجرة تاركة فلذات كبدها في فندق كأنه مدينة. نصف سكانه على الأقل من المقامرين. نحن خارج الزمن وفي داخل الألم.. تناولني حراس الطوارئ... بدأت الاشياء غير الاشياء. اصبح للمستطيل شكل الدائرة.. زحام لا اعرفه.. امرأة وحيدة وسط الاعصار تطلب النجدة في اللحظة الاخيرة من بريق امل.. بعد ان قدمت كل ما لديها من بطاقات ائتمان.. بعيدون في مدينة لا تصلح الا لمقامرين غرباء يستنجدون بمن يفتح لهم بابا للرجاء والأمل. وفجأة جاءت الحقيقة كأنها الصاعقة، نتيجة الفحوصات كلها تؤكد ان حالة الموت أقرب من حافة الحياة.. لكنه اليقين الذي كان يجلس الى جانبي وفي داخلي. كان يناولني جرعات امل كبيرة.. انها زوجتي.. خلال اقل من دقائق كان عبد الرحمن الراشد على الهاتف مع زوجتي.. خلال دقائق كانت الرياض على الخط. فُتحت أبواب الأمل. ما اعظم ان يكون لك وطن واهل واصدقاء تلجأ اليهم في الملمات الصعبة بدلا من ان تفر منهم. المجد للمملكة العربية السعودية بلدي وحبيبتي قالت لي زوجتي وهي تسير الى جانب العربة ان الدكتور فنقر يعتبر العملية ناجحة جدا.. ويقول ان امامك فرصة عظيمة لحياة مشرقة. قلت لها: متى تقرر موعد العملية. قالت انتهينا. ونحن الآن في الطريق الى غرفة العناية المركزة. قالت لي: الآن عرفت معنى عظمة حرصك على عدم التدخين. قال لي الطبيب ان هذه اسباب مهمة سوف تجعله يعيش من جديد. نحن نريدك ان تبقى معنا يا حبيبي.. كنت قبل لحظات مجرد كتلة بشرية موصلة بأسلاك شائكة. كنت مثل مختبر صغير لمدة يومين. وقبل ذلك كنت اسبح في البحر مثل طائر النورس. وأنا بعد ان حرروني من قبضة هذه الاجهزة والأنابيب.. لست انا لكنها الرغبة في الحياة. لقد بدأت اليوم أول خطوة في حياتي الجديدة. وقفت على قدمين مثل الكائنات البشرية الأخرى. اريد ان اعود الى أهلي واصدقائي، الى أمي وخبز أمي، الى زغب الحواصل لا ماء ولا شجر. اريد ان اضع نقطة في آخر السطر وأبدأ حياة جديدة ورائعة بمذاق عظيم ومختلف. ربي سيكون معي.. وهو معي في هذه اللحظات يمدني باليقين.. في المساء.. جاء الدكتور فنقر وقال لي: حالتك رائعة. انت لا تزال شابا صغيرا لا امراض ولا تدخين. بدأت ملامح استئناف الحياة مرة أخرى تدب في المكان والعيون. كنت ممتنا لأن تنضم الينا السيدة نوال القبلان، الاستاذة الرائعة في جامعة الملك وشقيقة زوجتي وام بناتي الثانية، لأشعر أن أولادي في حالة سلام وأمان وبأحضان قلب كبير. كنت وما زلت محظوظا وسوف ابقى بأصدقاء رائعين. في هذه الأزمة أكاد اجهش بالبكاء أمام قائمة طويلة.. أعتقد ان هذه السكينة والوقار اللذين يحيطاني في هذه اللحظات الصعبة والى جواري زوجتي.. مكرمة كبيرة من السماء.. اعتقد ان الله سوف يعيدني اليكم. وان كنت لا أكره ان ألقاه. همست في أذني زوجتي وقالت ان الدكتور محمد السويكت اتصل اليوم ثلاث مرات من سفارتنا في واشنطن ومن مكتب الامير عبد العزيز بن فهد ويريد ان يتأكد ان اجراءات العلاج ومتطلباته يتم تنفيذها بالشكل المطلوب. كانت لا تنقل لي خبراً. كانت تعطيني جرعة أمل وتقول لي ان بلدي بألف خير بمثل وجود هؤلاء البشر. في اليوم التالي.. اعطتني جرعة ثانية عندما قالت لي ان مندوب الامير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز يريد مقابلتها عند بوابة المستشفى لكي يطمئن ويتأكد ان كل شيء على ما يرام. كدت أبكي.. وقلت في نفسي ان عالماً فيه هذا النموذج من البشر من هذا الطراز يكون تركه صعباً.. ولكن الخيرة في ما يختاره الله.. مستشفى الشمس المشرقة غرفة الإنعاش 2205