الحمد لله على كل حال. لا إله إلا الله، يُحيي ويُميت، وهو حي لا يموت، سبحانه وتعالى. الموت موعظةٌ وذكرى وقدرٌ من أقدار الله - عز وجل -، يقف الجميع أمامه بخشية ورهبة، وهو قادم لا محالة على كل مخلوق، هكذا أراد الله سبحانه، ولا رادَّ لحُكْمه ومشيئته، وإليه المصير. قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. في يوم الجمعة 2-8-1433ه الساعة الثانية عشرة ظُهْراً، الموافق 22 يونيو 2012م، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبعد معاناة طويلة مع المرض، تلقينا خبر وفاة والدتنا الغالية (ميثا الصالح العبدالله الخريجي) بعد عمر مديد بلغ 98 عاماً، قضته - رحمها الله - في طاعة الله وذكره، وفي صلة الرحم، وفي البر والإحسان دون أن تؤذي أحداً، أو تقصِّر في واجبات أحد. لقد كان يوم وفاتها يوماً عصيباً، خيَّم فيه الحزن والأسى على أسرتَيْ المالك وآل الخريجي كافة، وأحدث صدمة وحسرة وردة فعل عظيمة لدى أولادها وبناتها وشقيقتها خالتنا المحبوبة (أم خالد)، وعلى جميع الأسرة وكل معارفها ومحبيها؛ لعلو مكانتها في قلوب الجميع، ولما تتمتع به من تواضع ووفاء وحُسْن خلق؛ فخسارة الجميع بفقدها كبيرةٌ، وحزنهم عظيم. نرجو الله أن يعظم أجرها، ويتغمدها بواسع رحمته ورضوانه، وأن يجعل ما أصابها في آخر عمرها من مرض ومعاناة طهوراً وتكفيراً وتمحيصاً يوم لقاء ربها، إنه سميع مجيب. كانت - رحمها الله - وهي على سرير المرض صابرة محتسبة لما ألمّ بها، عميقة الإيمان، يعلو لسانها دائماً بذكر الله وحمده، تلتقي أولادها وبناتها وشقيقتها خالتنا (أم خالد) - أطال الله في عمرها - صباح ومساء كل يوم، وتستقبل زوَّارها من الأقارب والمحبين والجيران بفرح وسعادة، والابتسامة لا تفارق محياها، والبِشْر يعلو قسمات وجهها المضيء، وتوحي للجميع بأنها بصحة وعافية؛ كي لا تؤثر حالتها الصحية في أحد منهم. كانت - رحمها الله - نِعْم الأم المثالية في تربية أولادها، ونِعْم الزوجة الوفية لزوجها أبينا - رحمه الله - فقد كانت وفيَّة معه قبل وبعد وفاته، وهي كل شيء بالنسبة له، تؤازره وتعينه على قضاء لوازمه ومتطلباته؛ إذ كان - رحمه الله - يشتهر بالطيبة والشهامة والكرم الأصيل، بابه مفتوح لأقاربه ومعارفه ومحبيه، وهي ملازمة له في كل أموره على الوجه الذي يرضيه ويرضيها. كما أنها - رحمها الله - تتميز بالكثير من المكارم والسجايا الحميدة والمآثر الطيبة؛ لما تملكه من صفات عالية؛ فهي نموذج مثالي لعمل الخير ابتغاء مرضاة الله - عز وجل - تصل الرحم، وتطعم الفقراء واليتامى والمساكين مما يسَّر الله لها، وتحث أولادها على المحبة والتواصل والإكثار من أعمال البر والإحسان، نرجو الله أن يجزيها خير الجزاء بما قدَّمت وأعطت. إنَّ فقدان أم كهذه الأم المثالية في جميع أعمالها وصفاتها لهو خسارة كبيرة، ولا غرابة أن تهتز له القلوب والمشاعر، وتنساب الدموع بغزارة وحرارة. كانت - رحمها الله - كلما دخلتُ عليها في الصباح أو في المساء تقابلني بفرح وابتسامة، وتبادرني بالسؤال عن صحتي وأحوالي وعن صحة أولادي وأحوالهم، وتتأثر كثيراً إذا تأخرتُ أو غبت عنها ولو يوماً واحداً، وحين تعلم بأي عارض صحي تعرضت له أنا أو أحد أولادي أو أحد إخوتي أو خالتي تبادرنا فوراً بالزيارة للاطمئنان على صحتنا وأحوالنا. أماه.. أتذكَّر كثيراً تلك اللحظات الرائعة عندما أكون جالساً بجانبك مستمعاً لأحاديثك وقصصك الجميلة وذكرياتك الحلوة التي لا تُنسى، والتي تعلمتُ منها الكثير من مكارم الأخلاق، وأن الحياة كفاح ومتاعب، يجب أن نقابلها بالصبر والطاعة والعمل الصالح الخالص لوجه الله سبحانه. وعندما تطوف بي الذكريات إلى الماضي البعيد أتذكر يا أعز الناس أيام طفولتي، وكم تعبتِ وسهرتِ وتحملتِ عناء الهموم والكدر من أجلي أنا وأخي وأخواتي، وحتى بعد أن كبرنا لم تتوقف دعواتكِ واهتمامكِ بأمورنا وحرصكِ على الاجتماع بنا والدعاء لنا بالصحة والتوفيق في حياتنا. إنك بحق لأمٌّ عظيمة ذات قلب طاهر ولسان ذاكر شاكر، نسأل الله أن يلم شملنا، وأن يوفقنا إلى رد ما عملتِه لنا من مودة وحنان ومآثر وعطايا كثيرة في كل المجالات، فلتعيشي يا أمي قريرة العين هادئة النفس في جناة الخلد إن شاء الله مع الأبرار والصديقين والشهداء. آه يا أماه، إن قلبي يعتصر ألماً وحزناً، وعينيّ تذرفان الدموع بعد غيابك الأبدي؛ فلا أشد ولا أقسى من أن يرى الإنسان أمه وهي تغادر هذه الدنيا بين يديه وأمام عينيه، لكنها إرادة إلهية، لا يستطيع الإنسان أن يفعل معها شيئاً سوى التسليم لأمر الله وإرادته والصبر والترحم، ودعاء المولى الكريم أن يلطف بها، ويعفو عنها، ويسكنها فسيح جناته. أماه.. مع هول هذا الحدث والفاجعة المؤلمة تغيب الكلمات والعبارات، ويتضاعف الحزن والألم؛ فيعجز القلم عن التعبير بأن يوفيك حقك؛ فمصابنا بفقدك عظيم، وبرحيلك توقف كل شيء. هذه الدنيا يا أمي موجعة، وألمها شديد، لا تدوم لأحد، فجائعها ومصائبها وأحزانها كثيرة، يسعد الإنسان فيها مع أولاده ووالدَيْه وبين أهله ومحبيه، ثم يفاجأ بما يكدر سعادته، ويهز كيانه بموت قريب أو عزيز لديه؛ فقبل ثلاثة أعوام يا أمي عندما رُزئنا بوفاة رفيقة دربي وشريكة عمري (أم خالد) كنتِ معنا تشاركيننا الحزن والعزاء بوفاتها - رحمها الله -، وبعدها بأيام قليلة فُجعنا وأنت أيضاً معنا تشاركيننا العزاء والأحزان في وفاة محبوبة الجميع المرأة الخيِّرة ذات الأخلاق والصفات العالية (أم تركي) - رحمها الله -، وها نحن اليوم يا أمي بعد فقدهما نفاجأ ونفجع بوفاتك، ننعاك ونبكيك، إنها يا أمي إرادة الله التي قضت بأن جعل الموت نهاية كل حي وكل مخلوق، ولو كانت هذه الدنيا تدوم لأهلها لكان أولى الناس بذلك صفوة الخلق نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}، وتلك حكمة الله وإرادته لعباده؛ فهي دار ممر إلى الحياة الآخرة؛ فله سبحانه الأمر من قبل ومن بعد، وله ما أخذ، وله ما أعطى. رحمك الله يا أمي، ومن سبقوك من موتانا وموتى المسلمين، وأعاننا بالصبر على ما أصابنا من ألم الفراق مع الصابرين المحتسبين الذين قال الله - عز وجل - فيهم: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. أشكر أخي صالح وزوجته أم بندر وأخواتي وخالتي (أم خالد) على رعايتهم واهتمامهم بشؤون الوالدة - رحمها الله -، وأخص بالشكر والتقدير أختي وشقيقتي (أم فارس) وزوجها الوفي أبا فارس على قاما به تجاهها من رعاية وجهد ومساعٍ حميدة ومتابعة دقيقة لحالتها الصحية؛ فقد كانت - وفقها الله - تتولى أمر علاجها، وتتفاهم مع الأطباء المختصين فيما يتعلق بعلاجها ومواعيدها، وتشرح لها طريقة استعمالها الأدوية، وتعطيها لها بانتظام ومراقبة مستمرة لحالتها. جزاك الله يا أختي خيراً على كل ما قمت به لها من رعاية واهتمام بشؤونها الصحية والمنزلية، وجعل الله ذلك رافداً لحسناتك وأعمالك الطيبة، وأدام عليك وعلى زوجك وأولادكما الصحة والتوفيق، والمزيد المزيد يا أختي من الحسنات والدعاء لها؛ فهي تستحق منا الكثير والكثير، وعلينا جميعاً الصبر والاحتساب؛ ففي ذلك مثوبة وأجر عظيم. عزائي لإخوتي وأخواتي وأولادي ولأسرتَيْ المالك والخريجي كافة في الرياض والرس والمدينة وجدة، وأخص بالعزاء خالتنا الوفية (أم خالد)، أدام الله عليها الصحة والعافية، والشكر والتقدير لكل من تفضلوا بعزائنا، ووقفوا إلى جانبنا، على مشاعرهم الطيبة ودعواتهم القيمة؛ ما خفَّف من مصابنا وأحزاننا، جزاهم الله خيراً، وأثابهم على حضورهم ودعواتهم الطيبة. والله المستعان. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.