تم إقرار نظام (الهيئة السعودية للمهندسين) من قبل مجلس الوزراء في إجتماعه المنعقد في الأسبوع الماضي، وقد أوكل النظام إدارة الهيئة لمجلس إدارة يرأسه وزير التجارة ويضم في عضويته وكلاء الوزارات ذات العلاقة بالإضافة إلى ثلاثة من أعضاء هيئة التدريس من الكليات الهندسية في الجامعات السعودية وممثلاً لمجلس الغرف التجارية الصناعية وستة أعضاء تنتخبهم الجمعية العمومية للهيئة. إن صدور الموافقة على نظام (الهيئة السعودية للمهندسين) في هذا الوقت بالذات يؤكد الحرص الكبير على المصلحة الوطنية قبل كل شيء وهو يأتي كإستجابة طبيعية للمتغيرات العالمية المتسارعة في مختلف المجالات إضافة إلى التحديات المستقبلية الكبيرة التي ستواجهها المهنة الهندسية في المملكة بشكل عام والمهندس السعودي بشكل خاص. ولا شك أن هذا الخبر السار سيحدث نقلة نوعية كبيرة في مستوى العمل الهندسي في المملكة مما سينعكس إيجاباً على الإقتصاد الوطني بشكل عام، وستكون هذه الهيئة بمثابة الأمل والسراج للمهندسين السعوديين ولمهنة الهندسة في المملكة والتي عانت كثيراً طوال السنوات الماضية في ظل غياب التنظيم والرقابة والمتابعة، وعلى الرغم من حاجتنا الشديدة لهذه الهيئة التي جاءت بعد انتظار طويل فإن كثير من المهندسين لا يزالون يشككون في مقدرتها على إنتشال المهنة الهندسية من الوضع الصعب الذي تصلبت فيه عبر السنيين على الأقل في الوقت القريب، وهم غير ملامين في ذلك لأنهم يتخوفون من أن يجدوا أنفسهم كمن يستجير من الرمضاء بالنار ولهذا السبب فهم يترقبون بمزيد من الأمل الذي يحدوهم بأن تستجيب الهيئة لتطلعاتهم وأن تفي بما ينتظره المجتمع منها. أنا شخصياً كنت أتمنى أن تولد هذه الهيئة (مستقلة) كما هي الجمعيات المهنية في جميع دول العالم بعيداً عن بيروقراطية بعض الوزارات وقد يحدث هذا التحرر بعد أن تقف الهيئة على قدميها وتقود دفة العمل المهني الهندسي في المملكة وهذا ما نرجوه جميعاً. كما أن هناك ملاحظة أخرى وهي خلو مجلس إدارة الهيئة من أي عضو (ثابت) من القطاع الإستشاري الذي لا أعتقد بأن الغرف التجارية الصناعية قادرة على تمثيله بعضو واحد فقط، والقطاع الإستشاري كما نعلم جميعاً هو الطرف الأكثر أهمية والأكثر إلتصاقاً بمهام وواجبات الهيئة مستقبلاً، والحقيقة أن هذا القطاع عانى كثيراً من التجاهل والتهميش في السنوات الماضية وكان يتوجب إشراكه في مجلس إدارة الهيئة لكي تكون الخطط والتوجهات والقرارات مراعية لظروف ومشاكل وخصوصية هذا القطاع. وإذا كان من المتوقع أن تبدأ (الهيئة السعودية للمهندسين) بأداء المسئوليات والواجبات المناطة بها خلال الأشهر القلية القادمة فلن نقول إلا كان الله في عونها وفي عون القائمين عليها لأن بإنتظارهم قائمة طويلة جداً من المهام الصعبة والملفات المعلقة والمشاريع المعطلة منذ سنوات طويله، وقبل ذلك وبعده فإن أمام الهيئة الآف المهندسين وخلفهم ملايين المواطنيين يتطلعون لها ويعولون عليها الكثير والكثير. وهنا قد نتساءل بقليل من التشاؤم الذي خلفته ترسبات الوضع السابق هل ستستطيع (الهيئة السعودية للمهندسين) أن تصلح ما أفسده الماضي، قد تؤجج هذا التساؤل حقيقة أن إصلاح الوضع القائم لا تعطي مساحة كافية من الحرية وإمكانية التطوير والإصلاح كم يجب وهذه قاعدة هندسية شائعة، فلو أن هذه الهيئة نشأت قبل عقدين من الزمان لكانت مهمتها أسهل بكثير أما الآن فإن الأمر يبدو صعباً للغاية وقد يتطلب إعادة بناء كاملة (REENGINEERING) لوضع السوق المهنية في المملكة وهو ما يتطلب موارد كثيرة وجهود مضنية ووقت طويل. ومع ذلك فليس أمام الهيئة إلا قبول هذا التحدي والشروع في أعمال البناء والتصحيح والإصلاح الذي يجب أن يبدأ من القاعدة قبل كل شيء.قبل أيام أجرت إحدى الصحف لقاءً مطولاً مع أمين عام اللجنة الاستشارية الهندسية المهندس عبدالعزيز اليوسفي ومدير الإدارة المهنية باللجنة المهندس صالح العمرو وقد سررت جداً لموضوعيتهما غير المستغربة وهذه الموضوعية في الطرح تبشر بالخير لمستقبل الهيئة، وقد أعجبتني عبارة قالها أمين عام اللجنة المهندس اليوسفي عندما أوضح بأن اللجنة الهندسية فقدت ثقة المهندسين ولذلك فإن الهيئة وهي البديلة عن اللجنة ستسعى بكل الطرق والوسائل إلى إستعادة ثقة المهندس السعودي، وهذه الخطوة تعتبر خطوة جريئة وموضوعية وستكون بمثابة القاعدة والمرتكز الذي ستقوم عليه المشاريع والخطوات المستقبلية للهيئة، نعم الثقة مطلوبة جداً ولكنها لن تأتي من فراغ خصوصاً في ظل إرهاصات وإخفاقات اللجنة سابقاً وإنما ستأتي من العمل الجماعي الجاد والدؤب، وقد أضاف المهندس اليوسفي بأن تحسين الصورة التقليدية التي ترسخت عن اللجنة الهندسية يجب أن يحدث عن طريق تقديم الخدمات المهنية للمهندسين وهذا هو المطلوب فقد شبعنا من الكلام الذي لم يثمر شيئاً. وهنا يجب أن تسعى (الهيئة السعودية للمهندسين) إلى كسب ثقة الجميع من المهندسين الأفراد والجهات ذات الصلة وأن تفتح قنوات التواصل والإتصال مع الجميع، وإذا استطاعت الهيئة أن تقحم جميع الجهات في مشاريعها وخططها وتوجهاتها فقد قطعت نصف المشوار لأن الشراكة مطلب مهم في مثل هذه الحالة والهيئة لن تستيطع أن تفعل شيء بمفردها بل يكفيها أن تشرع و تخطط وتتابع وتوجه وتحفز الآخرين الذين سيقومون بكثير من المهام والأعمال. السؤال الملح في هذا الوقت بالذات وبعد أن تم إقرار (الهيئة السعودية للمهندسين) هو كيف نبدأ ومن أين نبدأ، وقد يزيد من هذه الإشكالية الوضع المتردي في سوق المهنة الهندسية والفجوات الكثيرة والمتشعبة والتي لا يمكن رأبها بشكل فعال ما لم تكن هناك أولويات واضحة وخطط محكمة ومنهجية موضوعية وعمل جماعي للتعامل مع المشكلة من الجذور التي تبقى متوارية عن الأنظار في كثير من الأحيان، وهنا أقدم إقتراح بسيط للقائمين على (الهيئة السعودية للمهندسين) وهو أن تتم الدعوة لمؤتمر هندسي مهني (كبير) تدعى لها جميع الجهات ذات العلاقة (المهنية والأكاديمية والصناعية والحكومية والإستشارية) وبعض الجمعيات المهنية الهندسية التي لها تجارب ثرية في بعض الدول العربية أو حتى الأجنبية، ويكون هذا المؤتمر الكبير بمثابة الإنطلاقة الحقيقية لمسيرة (الهيئة السعودية للمهندسين) تدعمها رؤى وأفكار ومقترحات وتصورات وتجارب وآليات وخطط يمكن أن يخرج بها المؤتمر.والأهم من ذلك أن أن نقف جميعاً مع الهيئة (قلباً وقالباً) فمن يستطع أن يساهم بالعمل فليساهم ومن يستطيع أن يساهم بالنصح والمشورة فليساهم ومن لا يستطيع أن يساهم لا بهذه ولا بتلك فليساهم بالصبر وعدم الإستعجال على الهيئة وهذا أيضاً جهد يشكر عليه.