يلاحظ المتتبع للشأن الثقافي الإسلامي عامة أن هناك حالة تذويب ثقافية قسرية تتم عبر كثير من المنافذ الثقافية من إعلام وأندية وملتقيات ومؤتمرات سواء باسم الأدب أو الثقافة أو باسم التنوير أو باسم التجديد أو باسم حراك ثقافي أو باسم تنوع معرفي وغير ذلك من مسميات تتجدد أسماؤها ولكن هدفها واحد هو التذويب القسري. والتذويب عملية بطيئة في التنفيذ لكنها مبهرة في الآثار والمآلات والمخرجات، إنها وضع نار هادئة تماما تحت الهدف المنشود والتحريك باستمرار مرة بهدوء ومرة بقوة حسب الظروف المواتية ولا يترك الهدف بلا تحريك فيحترق ولا يترك بلا وقود فيبرد. ومن أهم سمات هذا التذويب: - يلاحظ تواتر الداعين إلى ضرورة المحافظة على خصوصية ثقافة كل شعب سواء في البناء أو الملابس أو غير ذلك وفي المقابل نجدهم في ذات الوقت يعيبون على العقلاء مناداتهم بضرورة الحفاظ على خصوصيتنا الإسلامية وتنبيههم أننا دولة ذات خصوصية متفردة نفاخر بها العالم أجمع. - يلاحظ المباركة العالمية لمحافظة أتباع الأديان الوضعية على خصوصيتهم الثقافية النابعة من عقائدهم في مقابل الضغط الإعلامي والسياسي والمالي والاجتماعي لفك الارتباط بين ثقافات المسلمين القوية والمؤثرة وإسلامهم. - يلاحظ المتتبع لأحداث العالم عامة والإسلامي خاصة تململ الأفراد والمؤسسات من حالة الذوبان القسري في ثقافات مخالفة لأصولهم الدينية وبداية الانتباه من وخز التخدير المتمثل في الغزو الثقافي المتعدد الأقنعة والمتحد في الهدف والنية. - المحاولات المستميتة للفصل بين الثقافة والدين تحت دعاوى الحرية الفكرية والإبداع الفكري والتميز الثقافي واللحاق بقطار الحضارة وغيرها من الشعارات. - إيجاد التنافر والتضاد والتصادم بين الثقافة والدين مما أوجد مناخا خصبا للتناحر والسجال الإعلامي الممقوت لنصرة الثقافة وأنها مظلومة ومقصاة. - إظهار المنادين بالخصوصية الدينية أنهم أصحاب فكر جامد ورجعي ومضادون للتطور الحضاري. - وسم مخزوننا العلمي عبر القرون المتابعة بأنه تراث قديم ويسمونه بالأوراق الصفراء وأنه مجرد جمع لأقوال وشرحها أو اختصارها ولا جديد مثمر يحتويه. - التغطية الإعلامية المتتابعة لكل حدث ثقافي يساهم في التذويب وبالمقابل التعتيم الإعلامي لكل حدث ثقافي يساهم في الحرية العلمية المكفولة لكل المسلمين مادامت لم تضاد الوحي. إن هذا التذويب في منشئه قسري وليس اختياريا وهنا الفرق بينه وبين التغيير الإرادي القائم على الحجة والبرهان وبغية الوصول للحق والخير الموافق للفطرة السوية وهذا ماجاء به الإسلام من تغيير للعالم ولأتباعه.