غابت «العولمة» وسط كل تفسيرات مفهوم «الخصوصية السعودية» عن مداخلات المشاركين في الجلسة الأولى للقاء الوطني الثاني للحوار الفكري عن «الهوية والعولمة في الخطاب الثقافي السعودي»، والذي يعقده مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في العاصمة الرياض الذي انطلق أمس ويختتم أعماله اليوم، وتفاوتت المداخلات بين البقاء في خانة التعريفات اللغوية والدلالات الدينية والتاريخية لتأصيل مفهوم «الخصوصية السعودية» مروراً بالاكتفاء بطرح الأسئلة وصولاً إلى الرفض المطلق لأي خصوصية سعودية. وفي الجلسة التي تناولت محور اللقاء الأول عن «خصوصية المجتمع السعودي» لم يصل المشاركون إلى الإجابات التي كانت ترجوها إدارة الملتقى لتحديد مفهوم الخصوصية، من حيث وجودها، وطبيعتها، ومقتضياتها، وما تتطلبه مصلحة الوطن في شأنها كما جاء في تعريف إدارة اللقاء لهذا المحور، ما حدا بنائب رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري الدكتور راشد الراجح إلى مطالبة المشاركين بالتركيز على الشق الثقافي في الجلسات اللاحقة. وحضرت الشكوى من الاكتفاء بمناقشة المسلمات من دون تجاوزها إلى التحليل العلمي والمعرفي. وقال زكي الميلاد في مداخلته إنه ينبغي أن نتوقف عند سؤال «متى يسأل المجتمع عن الخصوصية؟»، وأكّد على أن المجتمع لا يسأل عن الخصوصية من فراغ، وأن السؤال عن الخصوصية ينبعث عندما يمر المجتمع بسياقات تؤدي به إلى السؤال عن خصوصيته، مشيراً إلى أنه لا بد من البحث عن السياقات والخلفية الفكرية المتعلقة بهذا السؤال. وأوضح الميلاد أن هناك تأخراً في البحث عن خلفيات طرح السؤال على حساب السؤال الأهم، بالبحث عن الذات وإيجاد الهوية الوطنية الجامعة. وفي منتصف اللقاء تساءل الدكتور عبدالله العويسي عن ضياع الهدف من نقاش مفهوم «الخصوصية السعودية» بين تفسيري «التمايز والاختلاف»، و «التميز والتفرد على العالم»، مؤكداً على أن مآل التفسير الثاني هو الميل إلى العنصرية، وهو ما مالت إليه أميمة الخميس بوصفها للتفسير المحلي للخصوصية بأنه مضلل وفوقي وشوفيني، موضحةً بأن الخصوصية في المشهد المحلي اُختزلت في السجالات التي جعلت المجتمع يراوح مكانه ويتوقف عن تلبية كثير من الطموحات. ورمى عبدالعزيز الخضر اللوم على الطرح الإعلامي في خلط الكثير من الأوراق، مصنفاً الخصوصية إلى خصوصية ماضوية، تمثل إرثاً لا يملك معه الجيل الجديد شيئاً، وخصوصية طارئة تتمثل في ممارسات سياسية واجتماعية ودينية خاطئة ما زال المجتمع يعاني منها، إضافة إلى خصوصية هامشية في اللباس والمظاهر، وأخيراً الخصوصية في إطارها الدولي. وربط الخضر تغيير الخصوصية بعلاقة عكسية مع الإرث الماضوي، وقال: «كلما اقتربت المرحلة الزمنية لتكوّن هذا الإرث كان تغييرها أسهل». واستغربت عزيزة المانع عدم الإجابة عن سبب صلابة الخصوصية، وما الذي يجعل مجاراتها أمراً لا بد منه، موضحةً أن الخصوصية تنمو على أنها الأصل وأن على كل الأشياء أن تتماشى معها، وألمحت إلى أن الخصوصية في السعودية كادت أن تتحول إلى دين في ظل حالة التطرف في تعريفها. وسلط عبدالله الوشمي الضوء على أن تعريف الخصوصية عند البعض لا يتجاوز الإقصاء عند الشعور بالمواجهة. وقال الوشمي إن الخصوصية لا تعني رفض الآخر ولا رفض الثابت، فيما لخّص الدكتور محمد عبدالله العبدالكريم تعريف الخصوصية في السعودية بأنه انطلق من كلام الآخر عنها، على رغم أن الهوية المحافظة للمجتمع السعودية تدعو إلى التواصل انطلاقاً من حث الدين الإسلامي على الانفتاح والتواصل، رامياً بكرة سلوكيات الخصوصية في ملعب المؤثرات القبلية وعاداتها وتقاليدها، مع عدم إلغاء أن الهوية الحضرية في الدولة الحديثة تصنع الخصوصية أيضاً. وقالت فاطمة القاسم إن الخصوصية حاضرة إلا أن لها جوانب سلبية، تمثلت في الأدلجة وأنها موجهة لمصلحة جهات معينة، إضافة إلى أنها انحصرت في جانب المرأة فقط. وفضّلت نورة القحطاني النظر إلى الخصوصية بعين تفسير كيفية الأنا وكيفية الآخر بدلاً من نظرة «نحن والآخر»، وأرجعت ذلك إلى أن نظرة «الأنا والآخر» تؤدي إلى الجمود والعيش في الحاضر بعقلية الماضي، داعية إلى الوسطية بالوعي بخطر اختراق العولمة والحفاظ على القيم، مع الإبقاء على التفاعل مع الحاضر والانطلاق إلى المستقبل. ونُفيت الخصوصية عن المجتمع السعودي في مداخلات بعض المشاركين لأسباب عدة، وقال عبدالعزيز السماري: «إننا مجتمع من دون هوية لغياب الإنتاج المعرفي عن المجتمع السعودي، وأن كل ما لدينا هو الالتفاف على المصطلحات»، فيما أشار فيصل العوامي إلى أن «لا خصوصية للسعودية في ظل غياب الهوية الحضارية»، مؤكداً على أن «الخصوصية السعودية هي هوية دينية فحسب، وأنه لا بد لهذه الخصوصية من الانفتاح»، محذراً من ذوبان الهوية في الآخر، وداعياً إلى وجوب الحرص على الرموز. وطرحت زينب غاصب أسئلتها النافية للخصوصية السعودية بقولها: «من الذي اخترع مصطلح الخصوصية لنا، ومن أين جاءتنا؟»، مضيفة: «الخصوصية جاءت من العادات والتقاليد، وأنه لسنا في معزل عن بقية العالم الإسلامي»، ومختتمة بأن الإنسانية هي المسؤولية وليست الخصوصية. وطرح طارق المبارك مفهوم الخصوصية في أوساط الشباب، وألمح إلى أنه لاحظ غياب الاعتزاز في الأوساط الشبابية بالخصوصية السعودية، التي تنغمس في كل لحظة في العولمة والتواصل مع العالم. وبقي حسن الهويمل في دائرة متوسطة بين الطرفين، إذ أشار إلى أن الإشكال ليس في تعريفات الخصوصية السعودية، بل في تقريب وجهات النظر.وعلى الطرف الآخر، دافع سامي الماجد عن الخصوصية السعودية في إطارها الديني، وحاول إثباتها بالتأكيد على أن الخصوصية لا تعني تزكية المجتمع وأنه لا بد من مراعاة المجتمع، فيما أكد محمد عبدالله المشوح على أن التمرد على الخصوصية سببه الإفراط في الجزئيات التفصيلية. وأخذت منيرة القاسم الخصوصية السعودية إلى إطار أكبر، وأشارت إلى أن الخصوصية السعودية هي ذات الخصوصية الخليجية والعربية، ومرجعها ديني وشرعي واجتماعي، فيما حاد عبدالله الطريقي عن رؤية القاسم لمصلحة أن الخصوصية السعودية تتفرد حتى عن الخصوصيات العربية المجاورة. ومالت أكثر المداخلات المؤيدة لوجود الخصوصية السعودية، إلى التأكيد على أن تفرد المجتمع السعودي سببه وجود الحرمين والتفرد في تطبيق الشريعة، وأن قدر المجتمع السعودي أن يبقى قدوةً للعالم الإسلامي.