التبرع بالأعضاء هو الأمل المشرق والسبيل الوحيد للمرضى الذين يعانون الفشل العضوي، بل هو من أجلّ الأعمال حيث انه يختص بالنفس البشرية ويسعى إلى إنقاذها كما يجب على أفراد المجتمع التعاون ونشر هذا الفكر الإنساني النبيل . الذي من شأنه إنقاذ حياة إنسان قضى عمره يعاني هذا المرض ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه)) ومن هذا المنطلق قام ملحق (آفاق الشريعة) بإجراء استطلاع لتسليط الضوء على التبرع بالاعضاء وبيان الوجه الشرعي. الغيبوبة والوفاة الدماغية قال الدكتور حسان الخناني المنسق العام للمكاتب الإقليمية لزراعة الاعضاء بالمملكة: إن التبرع بالأعضاء على نوعين وهما: الأول: التبرع اثناء الحياة فيكون التبرع فيها بالكلية وجزء من الكبد. والثاني: يكون ما بعد الوفاة وهو التبرع بالكليتين والكبد والرئتين والبنكرياس والقرنيتين والقلب . كما أن التبرع بالأعضاء لا يؤثر صحياً على المتبرع بل الإنسان السليم يكفيه أن يعيش بثلث الكلية، وكذلك المتبرع بجزء من الكبد بعد فترة تنتفخ الكبد وتقوم بدورها الكامل دون أي ضرر، والتبرع بالاعضاء يعتبر من الصدقة الجارية للمتوفى، وهناك فرق بين الغيبوبة والوفاة الدماغية فالغيبوبة هي تعطّل جزء من الإحساس لدى المريض ويمكن أن يعود للحياة اما الوفاة الدماغية فهي وفاة رسمية. ومن بداية برنامج التبرع لم يتم رصد أي وفاة رجعت للحياة مرة أخرى وحتى عالمياً لم تسجل أي حالة. والمملكة العربية السعودية هي الدولة الوحيدة على مستوى الشرق الأوسط تمتلك برنامجا لزراعة أعضاء متكاملة، ونتائج الزراعة في المملكة لا تقل عن دول أمريكا وأوروبا بل هي من الدول الأفضل على مستوى العالم، والتبرع بالأعضاء في المملكة يكون من قريب لقريب تحاشياً للبيع والشراء الذي حرمته الشريعة الاسلامية. وننصح المرضى بعدم الذهاب إلى المراكز غير المعترف بها لأن مشاكلها كثيرة، ويرجع المريض بأمراض أخرى خطيرة. وأشار الخناني إلى أن أعداد المرضى في ازدياد، وينصح أهل المتوفى دماغياً بأن لا يحرموا المرضى من التبرع لأن فيه إنقاذا لحياة شخص آخر وفيه صدقة جارية للمتوفى. صدقة جارية ويقول المهندس محمد بن خالد الدبل رئيس لجنة الشفاعة الحسنة بجمعية إيثار للتبرع بالأعضاء بالمنطقة الشرقية: إن التبرع بالأعضاء لإنقاذ نفس بشرية - بإذن الله - صدقة جارية كما ذكره بعض من العلماء، حيث إنه الحل الوحيد لمرضى - الفشل العضوي - على الأقل طبياً في الوقت الراهن، وعملاً بقوله تعالى «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا». وأن من القرارات الداعمة للتبرع بالأعضاء: قرار هيئة كبار العلماء 99 وتاريخ 6/11/1402ه قرار رقم(5)د3/07/86 لمجلس مجمع الفقه الإسلامي قرار رقم 147/ش/27 رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء – مكتب المفتي العام- لدعم مرضى الفشل الكلوي. ويعزى عزوف الناس عن التبرع بالأعضاء لأسباب عديدة، أهمها عدم معرفة القرارات المذكورة أعلاه والداعمة للتبرع بالأعضاء ؛ فطبيعة البشر الخوف من المجهول، وفي التبرع بالأعضاء الكثير من القصص الدخيلة والمختلقة التي تحتوي تفاصيل غير صحيحة، لذلك يجب علينا التثبت من معلوماتنا عن التبرع بالأعضاء والرجوع إلى الأطباء والمختصين في هذا المجال للحصول على المعلومة الصحيحة. وأكد الدبل أن التبرع بالأعضاء هو الحل الوحيد لمرضى الفشل العضوي (كالفشل الكلوي والكبدي)، وبدونه لا يمكن لهم العودة لممارسة الحياة الطبيعية مرة أخرى، وأن جمعية (إيثار) تعمل على نشر ثقافة التبرع بالأعضاء في المنطقة الشرقية، عن طريق الحملات التوعوية التي تقام في المجمعات التجارية والأماكن العامة، لتوصيل الرسالة لكافة أطياف المجتمع وتعريفهم بأمراض الفشل العضوي وكيفية الوقاية منها وسبل العلاج، وتعريفهم بالتبرع وزراعة الأعضاء. وأضاف: لا يزال أمامنا الكثير من العمل لنشر ثقافة التبرع بالأعضاء، فجمعية (إيثار) هي أول جمعية مختصة بالتبرع بالأعضاء في المنطقة الشرقية، وقد حققنا فيها حتى الآن نجاحاً في جمع 3000 بطاقة تبرع بالأعضاء عن طريق الحملات التوعوية وكذلك عن طريق بطاقة التبرع الإلكترونية من خلال موقع الجمعية، وأن لجنة «الشفاعة الحسنة» تقوم بدور كبير في مقابلة ذوي المتوفين دماغياً، وتعريفهم بالتبرع بالأعضاء وإقناعهم به، وقد نجحت اللجنة مؤخراً وتم إنقاذ 7 أشخاص من متبرعة واحدة متوفاة دماغياً. و النظام المعمول به في المملكة العربية السعودية، لذوي المتوفى كامل الحق في الموافقة أو رفض التبرع بالأعضاء، حتى في وجود الوصية. ونوه إلى أن النظام في المملكة يعتمد على إجراءات دقيقة لتوثيق الوفاة الدماغية، والتأكد من صحة التشخيص وإعطاء الحالات الوقت الكافي للتأكد منها، ويحق للمتبرع التراجع عن قراره في أي وقت، ولذوي المتوفى دماغياً الموافقة أو الرفض فيما يختص بالتبرع بالأعضاء من المتوفى، ويبقى حق الرفض قائماً - حتى في حال موافقتهم - إلى لحظة دخول المتوفى إلى غرفة العمليات للحصول على الأعضاء. وعي المجتمع وأفاد المدير الطبي لجمعية «إيثار» دكتور شادي أنيس: أن التبرع بالأعضاء يكون من شخص حي أو من متوفى دماغياً، موضحاً أنه يمكن التبرع بأي عضو من المتوفى دماغياً، طالما كان على جهاز التنفس الصناعي (القلب مازال يعمل)، ولفت إلى أنه بعد توقف القلب بفترة بسيطة تصبح الأعضاء غير صالحة للزراعة. وأبدى أنيس تفاؤله بزيادة وعي المجتمع في موضوع زراعة الأعضاء قائلاً: قمنا في «إيثار» بعمل العديد من الحملات التوعوية العامة في المستشفيات والمراكز التجارية، ولاحظنا أن المجتمع يزداد معرفة بمواضيع الفشل العضوي وزراعة الأعضاء يوماً عن يوم. وقال: قامت الجمعية بإنشاء قاعدة بيانات للمتبرعين بالأعضاء عقب الوفاة donate.eithar.net، وتقوم فيها بتجميع موافقات التبرع بالأعضاء للإفادة منها، وتعريف المجتمع بأهمية التبرع بالأعضاء، معرباً عن أمله بزيادة عدد المتبرعين، وقال: لدينا في قاعدة البيانات الآن حوالي 1500 متبرع، في مقابل أن 11 ألف مريض يعانون الفشل الكلوي في المملكة . الرأي الفقهي ويضيف الدكتور محمد البيشي رئيس اللجنة الشرعية بجمعية التبرع بالأعضاء «إيثار» بالمنطقة الشرقية وعضو لجنة الشفاعة الحسنة بجمعية إيثار: حققت عمليات الزراعة والموقف الفقهي نجاحاً باهراً في مجال الطب الحديث، وأعطت أجساداً قتلها اليأس وأنهكتها كثرة الإنفاق وآلمها العذاب أملاً جديداً وحياةً كريمةً، بل أزالت العبء الاجتماعي عن أُسرهم، مضيفاً أنه قد لا يدرك الشخص الذي عافاه الله من فشل عضوي أو فقدان بصر بالنعمة التي هو فيها إلاّ إذا عاشر أولئك المرضى وتألم لآلامهم، خاصةً إذا ضاقت بهم السبل، فلا يهنأ المبتلى بنوم أو عمل أو استمتاع مع أبويه وأبنائه وأهله، بل يترقب مجيء منادي الموت في أي لحظة، مؤكداً على أن لا علاج لهؤلاء - بعد رحمة الله - إلاّ بالتبرع من أعضاء غيرهم سواء كانوا على قيد الحياة أو بعد ممات. وأوضح د.البيشي أن الشريعة الإسلامية أولت عناية بالغة بجسد الإنسان، ومنها بعد موته، كما أنها حرصت على تتبع حاجات الإنسان المشروعة، وقررت أنه لا يجب وقوف الاجتهاد الفقهي السائغ حجر عثرة أمام تحقيق حاجات إنسانية، تتفق مع المقاصد العامة للشرع، خاصةً إذا كان هذا الانتفاع لا يتعارض مع كرامة الإنسان، مضيفاً أن التبرع بالأعضاء كالقلب والرئتين والكبد والبنكرياس والكلى في الحياة أو بعد الوفاة على رأس قائمة هذا الانتفاع بالجسد، مؤكداً على أن عامّة المجامع العلمية وهيئات الفتوى في العالم أجازت التبرع بالأعضاء في الجملة، لكنهم اختلفوا في تفصيلاتٍ يسيرة، مضيفاً أن هيئة كبار العلماء بالمملكة، والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وكذلك لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية فتوى تجيز التبرع بالأعضاء، لكن في غير حالة الوفاة الدماغية، بل في الوفاة الكاملة الدماغ والقلب والتنفس، أما مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي فقد أصدر فتَوى بالجواز حتى مع الوفاة الدماغية. ويؤكد البيشي على أن تردد المتبرعين أحياناً في التبرع بأعضائهم يعود إلى عدة أسباب؛ أولها قلة الوعي الشرعي بحكم التبرع بالأعضاء، وثانياً ضعف التوعية الثقافية والحضارية لأثر التبرع على المجتمع، وما يساهم فيه من خفض منسوب الطاقات السلبية إلى إيجابية، وثالثاً عدم الاقتناع الناتج عن ضعف أو انعدام المحفزات من قبل جمعيات التبرع بالأعضاء داخل المملكة، أو على المستوى الصحي عامةً، مُشيداً بتفاعل صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف -أمير المنطقة الشرقية- برسالة لجنة الشفاعة الحسنة بجمعية التبرع بالأعضاء بالشرقية، مشيراً إلى استصدار توجيهه لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بتفعيل دور خطباء الجمعة في دعم التبرع بالأعضاء من الناحية الشرعية، بل ووقّع بطاقة التبرع بأعضائه. وأما فتوى الشيخ محمد العثيمين رحمه الله الشهيرة في المنع من التبرع بالأعضاء فهو رأي فقهي تخالفه آراء المجامع الفقهية ولكلٍّ اجتهاده . جسر الأمل وذكر إبراهيم عواد الظفيري طالب بكلية الشريعة بالاحساء: إن أجمل وأروع هندسة في العالم أن تبني جسراً من الأمل على نهر من اليأس، فالفأل الحسن سلوك حث عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو سمة المؤمنين الأولين والآخرين مهما عظم واشتد البلاء فالمؤمن أمره كله خير . واليوم ومع تطور وسائل الطب الحديث وأجهزته استطاع الإنسان أن يحيي الأمل للمرضى الذين ينتظرون من يتبرع لهم بريق الحياة ويمحو الدمعة ويرسم البسمة. والتّبرّع بالأعضاء يقوم على أخذ أعضاء أو أنسجة سليمةٍ من شخصٍ ما ونقلها إلى شخصٍ آخرٍ، يقول الخبراء إنّ أعضاءَ متبرّع واحد تستطيع إنقاذ أو مساعدة ما يقارب الخمسين شخصاً. التوعية والتثقيف ويقول علي بن محمد الشهري موظف حكومي: التبرع بالأعضاء عمل إنساني جليل لأنه قد ينقذ نفسا من الهلاك بل قد ينقذ أسرة كاملة، والقصور في فهم بعض الناس أو الجهل بحكم التبرع من الناحية الشرعية، أو اتبّاع فتاوى من لا يجيزون ذلك، فيكون هو العائق أمام تبرعهم بالأعضاء. ويرى الشهري أن التوعية والتثقيف المجتمعي ضعيف جداً وهذا يعود الى الجمعيات والمؤسسات التي تختص في هذا الجانب وأنها مسؤوليتهم ويجب عليهم القيام بواجبهم على أكمل وجه والعمل على زيادة التوجيه والتوعية، وأن مثل هذه الأعمال النبيلة الخيرية يجب أن تحظى باهتمام كبير من الإعلام والدعم من رجال الأعمال . وختم حديثه بقوله: أنا مؤيد وبقوة لهذا العمل الإنساني ومستعد للتبرع بأي عضو من أعضائي متى ما دعت الحاجة لذلك، وأنصح الجميع بالتبرع بالأعضاء وعدم التردد لأن «من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». تكافل اجتماعي ويقول أحمد عبدالغني البابطين طالب هندسة ميكانيكية بكلية الجبيل الجامعية: حثّ الدين الإسلامي على التكافل الاجتماعي في مواضع كثيرة حيث إن التكافل الاجتماعي يؤثر على صلاح المجتمع وبنائه، والسعي في تحقيق التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع يعزز من الترابط والتلاحم فيما بينهم ومن أبرز ملامحه: تفقد أحوال من حولك من المسلمين ومعرفة أوضاعهم المادية والمعيشية والصحيّة وغيرها من مقومات الحياة، ومن أبرز المساعدات الصحية وهي التبرع بالأعضاء فلا يخفى على أحد أهميته واحتياجات المستشفيات لمتبرعين، وهو كالصدقة الجارية أو الوقف للمتبرع حيث إنه يسهم في إنقاذ العديد من المرضى من الموت أو المعاناة من الأمراض قال تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً). فكم من مريض أُنقذ من الوفاة، وكم من مريض أهلكه الغسيل الكلوي وأتاه الفرج وتخلص من الآلام، وغيرهم الكثير الذين ينتظرون الفرج من الله ثم المتبرعين بالأعضاء. وأشار إلى نظرة المجتمع للتبرع بالأعضاء فقال: للأسف هي نظرة غير محببة حيث إنهم ينظرون لها من جانب التفريط بأعضائهم التي وهبهم الله لها، ولا يعلمون ما الفائدة والأجر العظيم في التبرع بها، وأن من أبرز ما يمنع ويعزف الكثير من التبرع بالأعضاء هو الخوف على الحالة الصحية بعد التبرع، والحقيقة لا ضرر من التبرع على الحالة الصحية للمتبرع، وينبغي على الجميع المساهمة في التبرع بالأعضاء إن احتاجها مريض، وعدم التردد فربما يومًا ما نحتاج لمتبرع لينقذ حياتنا. السنة النبوية وقال فيصل الهزازي موظف في القطاع الخاص: التبرع بالأعضاء من الأمور الحميدة التي تساهم بشكل كبير في تقوية الروابط بين المسلمين وتشعر المسلم بالعز والفخر، وتدل على تمسك المسلمين بالسنة النبوية التي دعتنا إلى التماسك والتلاحم فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) ولا شك أن في التبرع بالأعضاء إنقاذا لحياة الكثير فقد سمعنا من يتبرع لوالديه بإحدى كليتيه والعكس أيضا، فبعد كل هذا لا أحد يستطيع ان ينكر أهمية التبرع بالأعضاء سواءً كان مؤيداً أو معارضاً. ويشير الهزازي إلى أهمية الوسائل التي يمكن أن تساهم بالتعريف بثقافة التبرّع بالأعضاء وذكر منها: إقامة زيارات تعريفية في الأماكن العامة تشمل جميع مناطق المملكة.