من الامور التي لا أستسيغها قولهم (لا ديمقراطية بلا أحزاب) او (الديمقراطية التي نمارسها منقوصة) وأقوال مماثلة تسعى لاقناعنا بأن هناك شكلا ثابتا محددا وربما موحدا, للممارسة الديمقراطية وهذا امر يصادم الواقع. ان انظمة الحكم الديمقراطي في الغرب متفاوتة الى حد التنافر, ففي فرنسا تجد النظام يدار عبر رئيسين فهناك رئيس للدولة ورئيس للوزراء, وكثيرا ما تتسبب نتائج الانتخابات في تقاسمهما للسلطة في حين تتبع الولاياتالمتحدة نظاما آخر, بينما تمارس بريطانيا الديمقراطية ضمن النظام الملكي, واما المانيا فانها تتكون من مقاطعات لها حكومات محلية, وتجمعهما الحكومة الاتحادية.. الخ. لماذا يجوز لكل من هذه الشعوب اختيار المقاس المناسب لتطورها السياسي وتراثها الاجتماعي في نظرية الحكم ولا يسمح لنا في بلادنا اختيار ما يتلاءم مع تطورنا الاجتماعي وواقعنا الثقافي الذي نتعامل معه باسلوبنا تحديثا, وليس تكسيرا , كما يرغب البعض؟! صحيح اننا بدأنا مسيرة التطور السياسي في فترة لاتتجاوز القرن الواحد, وفي بعض دول الخليج لا تتجاوز نصف القرن, ولكن يجب التذكير بأن هذا التطور والانجازات التي تحققت, وبالذات في المجتمعات الخليجية لم تتطلب ما تطلبه التطور السياسي في اوروبا من حروب بعضها عالمية, والبعض الآخر اوروبية, ويمكنك اضافة الحرب الاهلية الامريكية في القرن الثامن عشر, كمقدمة لما حققته تلك البلاد فيما بعد من استقرار في شكل الحكم. ان منجزاتنا اقل تكلفة بكثير مما تكلفه الغرب, فهي لم تتطلب استئصال شعب بأكمله كما حدث في ايرلندة التي كانت المصدر الرئيسي للهجرات الاوروبية الى امريكا, ولم تشهد بلادنا التطهير العرقي الذي مارسته (روسيا/ ستالين) ضد الاقليات ونقله شعوبا بأكملها الى مناطق اخرى واخلاء بلاد شاسعة من شعوبها مثل قرميا ونقله لشعوب ارمينيا الى وسط أذربيجان, وذلك في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. نعم, نعتز نحن بتجربتنا في تطوير منظومة الحكم, وهي تسير بايقاع مستقر, ومنتظم, ولا نحتاج الى ان يشعرنا احد بعقدة النقص عنده, عبر مثل تلك الاسقاطات او ممارسة جلد الذات للوصول الى شعور, بالراحة الكاذبة. ان الهدف الرئيس للتطور السياسي هو انتشار الدولة في بسط السلطان الداعي لاحترام القانون ومنع الفوضى وايصال التنمية الى اوسع شرائح المجتمع وابعدها في الجغرافيا, وهو ما نفتخر به ايضا, في حين لاتزال ايطاليا تخوض حوارا حول حصة الشمال الغني وما يجوز ان يناله الجنوب الايطالي من موارد الدولة, ومثل ذلك الحوار نسمعه حتى في بريطانيا, فالنفط الذي ينتج من بحر الشمال, لا تجد آثاره في تطور اسكتلندة على النحو الذي تراه في الجذب البريطاني. وقد كان من النكات الشعبية في بولندا ابان تبعيتها للمعسكر السوفييتي قولهم: (تسأل عن موسكو؟! انها في هذا الاتجاه, انظر الى اين تتجه القطارات المحملة بالبضائع, هذا هو اتجاه موسكو). في دول الخليج شهدت كافة ارجاء الدولة مسيرة متوازنة في حركة التنمية, ولن يحول دون تسجيل هذه الحقيقة ميل البعض الى تحقير الذات وتعظيم الاجنبي, هذه ممارسة مريضة, آن لها ان تتوقف.