ما زال الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين الأكثر اثارة للجدل بين الحكام في روسيا ومحيطها، على رغم مرور ستة عقود على وفاته. ومثلما كان تحطيم تماثيله ونصبه التذكارية قبل نحو عقدين، عنواناً لمرحلة صعود القوى الليبرالية والديموقراطية الموالية للغرب إلى سدة الحكم في روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي المنحل، جاءت عودة «الزعيم الخالد» إلى واجهة المشهد السياسي في بعض البلدان تدريجاً، لكنها شديدة الوضوح لتعلن إطلاق مرحلة جديدة. و «التاريخ لا يمكن أن يمحى بجرة قلم»، كما جاء في عنوان حملة شعبية واسعة انطلقت في جورجيا لإعادة الاعتبار إلى الرجل الذي ينسب إليه كثيرون الفضل في تحقيق الانتصار على ألمانيا النازية، وبناء القوة الصناعية والعسكرية العظمى للاتحاد السوفياتي. لكن اللافت أن جهود إعادة الاعتبار إلى الزعيم الذي حوّل معارضيه «أعداء الشعب»، ولاحقهم في كل مكان بقبضة حديد، ويعتبره كثيرون مسؤولاً عن إبادة الملايين في روسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي، لا تستند إلى شعارات ديكتاتورية الطبقة العاملة، ولا تتصدر المشهد فيها بقايا الشيوعيين في روسيا وخارجها. ستالين في هذه الحملة «بطل قومي» و «زعيم خالد» تحتاج البلاد إلى امثاله كي تنهض مجدداً. وهذا ما برز من خلال ظهور صور الزعيم السوفياتي على كرّاسٍ مدرسي في روسيا هذه السنة، في شكل أثار مخاوف بعضهم ودفع خبراء إلى التحذير من أن هذا « تعدٍّ على تاريخ الشعب الروسي ومعاناته خلال حكم ستالين». واضطر وزير التعليم اندريه فورسينكو إلى التملص من الكرّاس، وقال إنه «قد لا يوافق على محتواه»، لكن «لا وسيلة قانونية لديّ لمنع نشره أو بيعه». أما ناشرو الكراس فكان جوابهم: «لا يمكننا أن نتجاهل أنه جزء من تاريخ روسيا الذي يتعلمه الأطفال في المدارس». هذا السجال تزامن مع عودة صور ستالين إلى فعاليات مهمة، ومع تزايد حضوره في مؤتمرات وندوات كُرِّس بعضها للحديث عن ضرورة اجراء مراجعة للتاريخ. حتى الأوساط الروسية من أنصار التيارات القومية المتشددة، «المهووسة» بإظهار العداء لأصحاب السحنة القوقازية والآسيوية، لم تجد ما تقوله في الرجل الذي تميز بشاربين غليظين ووجه لا يخفي ملامح القوقاز. أما في جورجيا، مسقط رأس الزعيم المثير للجدل، فاتخذ الحراك نحو إعادة الاعتبار إليه، شكلاً أقوى وأكثر وضوحاً. وقد يسجل الجورجيون أن العام 2013 سيكون سنة رد الاعتبار لواحد من أبرز زعمائهم القوميين على مر التاريخ، ففي الشهر الأول من العام أُعيد تمثالان لستالين إلى ساحتين رئيسيتين في جورجيا. والحملة الشعبية تسعى إلى إعادة نُصُب كثيرة إلى الساحات العامة، بعدما علاها الغبار في مستودعات المتاحف حيث ظلت لعقدين، مُهمَلةً في زوايا مظلمة. يقول بدري غوغياشفيلي أحد الناشطين في الحملة: «اللحظة التاريخية مواتية كي نحتفي بالزعيم الجورجي الكبير، ولدينا حكومة جديدة تتفهم أهمية ذلك». والمهم في حديث بدري ليس التركيز وحده على «جورجية» ستالين كزعيم قومي، بل في الإشارة إلى تغيير في المزاج العام أسفر عن اطاحة اصلاحات الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي في انتخابات نيابية أخيراً، ومهّد لظهور جيل جديد من السياسيين الذين تخلوا عن فكرة «اقامة مجدهم السياسي على قاعدة محاربة التركة السوفياتية فقط». معروف أن ساكاشفيلي كان صاحب فكرة «إعدام» تماثيل ستالين، وإلغاء وجوده في كتب التاريخ، وافتتح في عهده متحف «الاحتلال السوفياتي» الذي يركز على «جرائم النظام الشمولي». لكن للتاريخ مقالب قد لا تكون خطرت على بال ستالين نفسه. فالمتحف معرّض للإغلاق الآن ضمن الحملة ذاتها باعتباره «يضع تاريخاً مزوراً» وفق عريضة تجمع عشرات الآلاف من التواقيع عليها. في المقابل يجمع الأهالي في مدن تبرعات لترميم التماثيل التي خُرِّبت جزئياً على مدى سنوات. وبعد «عودة» ستالين إلى بلدة أكورا قبل أيام، احتفل ناشطو الحملة بعودة تمثال برونزي ضخم إلى الساحة الرئيسة في مدينته الأصلية غوري. وتنوي الحملة تكثيف نشاطها في آذار (مارس) المقبل، تزامنا مع احياء الذكرى الستين لوفاة ستالين.