سنتان مرتا من عمر (انتفاضة القدس) كانت محصلتهما مئات من الشهداء، وآلافا من الجرحى والمشردين، ومازالت قافلة الشهداء تغدو ميممة نحو الجنة ان شاء الله، وفي الوقت نفسه مازالت غطرسة ليكود شارون مستمرة في سياسة البطش والتنكيل وممارسة أبشع أنواع (إرهاب الدولة) ضد العزل والمدنيين من ابناء الشعب الفلسطيني بعد أن منحتها حكومة اليمين الأمريكية الضوء الأخضر الفاقع اللون. ... وقبل عامين قفز جنرال (ثغرة الدفرسوار) ومنفذ جريمة غزو لبنان 1981م، وسفاح جنين الى سدة الرئاسة في دولة إسرائيل في لحظة من لحظات توهم فيها الناخب الإسرائيلي أن بمقدور (خطة المائة يوم) التي اعلنها شارون خلال حملته الانتخابية قادرة على منحه الأمن من انتفاضة يمكن وصفها بالوليدة وقتئذ ليكتشف بعدها أن حلمه كان سرابا في سراب. ...ولأن العنف لا يولد إلا عنفا، وان الحق في الحياة هدف يكاد يسمو على كل الأهداف الاخرى فقد قدم ابناء الشعب الفلسطيني قوافل الشهداء من كل الفئات العمرية وكل الأجناس التي آتت أكلها بمشيئة الله وتقديره مما قاد الى زعزعة واضحة بجبروت الخرتيت الإسرائيلي (ارييل شارون) مؤذنة بقرب نهايته كما يأمل أعداؤه، فبعد سلسلة الهجمات الفلسطينية النوعية الاخيرة التي قادتها قوافل شهداء الارض المحتلة ضد جنوب الاستيطان الاسرائيلي على الحواجز، والمعابر، وضد أولئك المستوطنين رغم كم الإجراءات والاحتياطات الأمنية الإسرائيلية المشددة وبما فيها العمليات الاستشهادية داخل الخط الأخضر، تبدو صورة شارون معتمة جدا بعد أن بدأ الانشقاق ينخر عظم هذا المجتمع الذي طالما تغنى بجروت آلته العسكرية التي توهم أنها ستعطيه أمنا في دولة الشتات، فلقد بلغ الرقم التقريبي للعمليات الاستشهادية قرابة المائتي عملية نصفها تقريبا تم في القدس، مما يعطي دلالات أكيدة على تصميم الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه المشروعة من جهة، ويوضح بالمقابل مدى ما وصلت اليه الآلة العسكرية الإسرائيلية من عجز واضح في ضمان الأمن الذي طالما تغنت به حكومة شارون. فلقد شكلت استطلاعات الرأي صفعة قوية لسياسات حكومة ليكود شارون الائتلافية والتي أظهرت وفقا لاستطلاع للرأي الذي اجرته صحيفة (ايديعوت أحرنوت) ان 61% من الاسرائيليين غير راضين عن أداء شارون، وان مصداقيته انخفضت الى ما نسبته 54% مقارنة بنسبة 70% التي حصل عليها في شهر ديسمبر، و 77% في شهر يوليو الماضي مما دعا صحيفة (ها آرت) اليسارية ان تصف أداء شارون ب(الأسد ما أكل قط ولم يزأر) وجعل صحيفة (الجارديان بوست) اليمينية تقرر بكل أمانة أن (العزم والتصميم قد تصدع في المجتمع الاسرائيلي) وهو الرأي الذي اكدته لاحقا (يديعوت أحرنوت) بقولها (إننا لم نستطع ان نكسر شوكة الفلسطينيين، يجب ان نعترف بذلك) وجعلت الجنرال (ديفيد كمحي) الصديق المقرب من شارون يصرح بأسى هو الآخر قائلا: (الساعة بدأت تدق في عمر شارون السياسي) ...كذلك فقد وقع شارون بين فكي كماشة (حكومته الائتلافية المهترئة) التي يدعو يمينها المدعوم بتيار ديني متشدد الى مزيد من العنف في قمع الانتفاضة من خلال استراتيجيات إعادة احتلال مناطق السلطة الفلسطينية، أو طرد الفلسطينيين منها، في حين يطالب (يسارها) بالانسحاب والعودة الى طاولة المفاوضات التي اعلن شارون مرارا وتكرارا أنه لن يعود إليها الا في ظل شروط اقل ما توصف به بأنها غير منطقية على الاطلاق وتعبر تعبيرا واضحا عن حالة (الهيجان النفسي) الذي وصل اليه حال خرتيت إسرائيل. ...والى جانب اليسار جاءت صيحات بعض جنود الاحتياط والضباط التي وصفها رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي شاؤول مفاز بأنها (حركة تمرد) بعد مطالبتها بوضع حد للعمليات العسكرية ضد المدنيين والتي تمخضت عن تشكيل ما يعرف باسم (مجلس السلام والأمن) إضافة الى (حركة السلام الآن) اليسارية التي يعتبر أعضاؤها ان سياسة شارون القائمة على وعد تحقيق الأمن عن طريق القوة قد فشلت فشلا ذريعا ، وبدلا من ان تحقق الأمن زادت من دائرة ما سموه (بالعنف الفلسطيني) مطالبة بالانسحاب من قطاع غزة وانسحاب جزئي من الضفة الغربية على انه يجب علي ان أستدرك هنا محذرا من القيام بأية حسابات سياسية منتظرين (الطلة البهية لحمائم حزب العمل) فالقوم جميعهم صقور، ومجتمعهم لا مكان فيه لحمائم ولعل ممارسات رموز حزب العمل الذين دأبنا على وصفهم بالحمائم بدءا من (ديفيد بن جورين) وانتهاء ب(باراك) تقدم امثلة واضحة لما نقول ونحذر منه. ...إضافة الى ما سبق فلقد بدأ العالم يسمع بأصوات من يسمون (بالحمائم) من قيادات حزب العمل (الشريك الأكبر في حكومة شارون الائتلافية) التي يدعو بعض قادتها مثل (يوسي باهين) و (ابرهام بور) بضرورة وضع حد لسياسة شارون القمعية مقابل جناح (بني العازر) وزير الدفاع الحالي الذي اصبح امين الحزب والذي تحول الى (بصمجي) لكل سياسات شارون العسكرية. خلاصة القول إن الاسرائيليين قد اخطأوا في حساباتهم السياسية مرة أخرى، ولم يفهموا بعقلانية نتائج الانتفاضة او لنقل الدروس المستفادة منها والتي أجبرتهم طوعا أم كرها على الجلوس على مائدة المفاوضات والتسليم بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس العربية وهو الأمل الذي سيتحقق ان شاء الله مصداقا لقوله تعالى (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا). ولله الأمر من قبل ومن بعد. وعلى الحب نلتقي