هل يمكن إطلاقاً ان يعقد البرلمان البريطاني جلسة استثنائية خاصة لمحاكمة اسرائيل؟ لا شك أن كل من شاهدوا المبادلات الكلامية الحادة في الجلسة التي عقدها "مجلس العموم" البريطاني قبل يومين ازداد اعجابهم بالنموذج الديمقراطي البرلماني البريطاني. ولكن مع ذلك يبقى سؤال لم يشأ أحد من النواب البريطانيين طرحه على رئيس الحكومة توني بلير: لماذا العراق وحده؟ أو لماذا العراق وليس اسرائيل؟ كان خطاب رئيس الوزراء بالطبع على رأس جدول أعمال الجلسة. وموضوع الخطاب بالطبع كان العراق البند الأوحد لأعمال الجلسة. وللتأكيد على "أهمية" المسألة العراقية سبق الجلسة البرلمانية اجتماع لمجلس الوزراء عرض فيه رئيس الحكومة "ملفاً" استخباراتياً "يثبت" عبر تفاصيل مطولة "خطورة" العراق ليخلص الى ان "العالم سيكون أفضل بدون نظام صدام حسين". وإذ نقر بعظمة ديمقراطية وستمنستر العريقة نتساءل مرة أخرى، لماذا العراق من بين كل دول العالم؟ ولماذا "المشكلة العراقية" من بين كل مشاكل هذا العصر؟ وهل فرغت حكومة بلير من حل مشكلة البطالة بين شباب برطانيا مثلاً حتى تقرر التفرغ لأسلحة الدمار الشامل في العراق؟ لقد اختار بلير في خطابه التركيز على احترام قرارات الأممالمتحدة من أجل تجريم العراق كدولة "خارجة على الشرعية الدولية" تستهتر بالقرارات الدولية وتراوغ في تطبيقها، وبالتالي وجب تأديبها من قبيل المحافظة على هيبة الأممالمتحدة. لكن إذا كان رئيس الوزراء البريطاني على هذا المستوى من المثالية والغيرة على الشرعية الدولية أما كان الأجدر به محاكمة اسرائيل أولاً تلك الدولة التي خرقت عشرات القرارات الدولية؟ لقد دمغ بلير العراق بمراوغة فرق التفتيش الدولي عن أسلحة الدمار الشامل ومحاولة عرقلة عملها. ولكن رغم استعانته بالملف التجريمي الاستخباراتي فإن غاية ما ادعاه بلير هو انه "بامكان" العراق ان يصنع قنبلة نووية خلال بضعة شهور فقط "إذا استطاع" الحصول على مادة انشطارية. وما دام رئيس الحكومة البريطانية يرى ان العراق يشكل خطراً على أمن العالم حتى لو كان امتلاكه أسلحة دمار شامل احتمالاً وليس حقيقة يقينية.. فما هو مبلغ الخطر الذي تمثله اسرائيل وهي تملك بالفعل، وليس بمجرد الاحتمال النظري، ترسانة تحتفظ فيها بمئات من الرؤوس النووية؟ وحتى لو اعتبرنا توني بلير مجرد ناطق باسم "البيت الأبيض" الأميركي فإن التبعية البريطانية في هذه الحالة لا ترتكز إلا على باطل. فإذا تغاضينا عن حقيقة ان الولاياتالمتحدة صاحبة أكبر وأخطر ترسانة نووية في العالم والتاريخ معاً، فكيف نتغاضى عن حقيقة ان واشنطن تمتنع بعناد عن التوقيع على المعاهدة الدولية لحظر التجارب النووية؟ وإذا كانت إدارة بوش تدمغ الآن النظام العراقي بأنه استخدم السلاح الكيماوي ضد الأكراد خلال عقد الثمانينيات فكيف ننسى أولاً ان الولاياتالمتحدة هي التي باعت السلاح الكيماوي للعراق.. وثانياً ان الجيش الأميركي استخدم "النابالم" ضد الشعب الفيتنامي خلال عقد السبعينيات؟ والآن وعلى رؤوس الأشهاد ترفض ادارة بوش، كما رفضت إدارات سابقة، التوقيع على المعاهدة الدولية للتفتيش عن الأسلحة الجرثومية. أي عالم نعيشه؟ وأية شريعة دولية نراها؟ إن الجلسة البرلمانية البريطانية الاستثنائية عقدت في تزامن مع جلسة لمجلس الأمن الدولي وتسبق جلسة خاصة لمجلس الكونغرس الأميركي. وليست على جدول هذه الجلسات جميعاً سوى العراق وكأنما بات مصير العالم رهناً بضرب العراق وحده. ولنعترف كما يقول نجيب محفوظ على لسان أحد أبطال رواياته بأننا نعيش في مجتمع يتحكم فيه الأوغاد. وبينما لا يكف الأوغاد عن الحديث عن قوانين الشرعية الدولية فإن القوانين لا تطبق إلا على المغضوب عليهم من الضعاف حتى لو كانوا أبرياء. ولو كان أمثال توني بلير وجورج بوش يعنون حقاً ما يقولون في تشدقهم بقيم الشرعية الدولية لدعوا إلى جلسات استثنائية لمحاكمة دولة اسمها اسرائيل.. هي الوحيدة في هذا العالم التي تحتل أرض غيرها البيان الاماراتيه