بريطانيا كلها تتحدث عن مذكرات رئيس الوزراء الأسبق توني بلير التي حملت العنوان «رحلة» غير أن كتاباً آخر صدر في الوقت نفسه يستحق إشارة، فالدكتور بريان جونز وهو عالم من موظفي إدارة استخبارات الدفاع كان مسؤولاً عن متابعة أسلحة الدمار الشامل كتب عن تجربته مع الحكومة البريطانية عشية الحرب، وكتابه الذي يحمل العنوان «استخبارات فاشلة: القصة الحقيقية لخداعنا ودخول الحرب» هو الأخير في سلسلة لا تنتهي عن الكذب المتعمد وتزوير المعلومات وكتم غير المناسب منها لتبرير الحرب على العراق. لا أعتقد أننا بحاجة الى كتاب آخر يقدم أدلة قاطعة على تآمر جورج بوش وتوني بلير لإقحام بلديهما في حرب غير مبررة قتلت أكثر من مليون عراقي، وأطلقت إرهاباً مستمراً، وتركت العراق بلداً مدمراً بنظام سياسي فاشل وبوضع أسوأ كثيراً مما عانى أيام ديكتاتورية صدام حسين رغم ما يبدو من استحالة ذلك. الدكتور جونز يحكي كيف شاهد الأدلة تزوَّر، وكيف طلبت منه الحكومة كتابة تقرير يثبت امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل ورفض، وكيف طلعت الحكومة بخرافة أن صدام حسين يستطيع إطلاق أسلحته في 45 دقيقة مهدداً الشرق الأوسط والعالم كله. الكتاب «رحلة» هو مرافعة هيئة الدفاع عن توني بلير الذي يبدو كمن أخذته العزة بالإثم، فهو يقول إنه لو عاد الوضع الى بدايته فهو سيظل يؤيد حرباً على صدام حسين حتى وهو لا يملك أسلحة دمار شامل ولا علاقة له مع القاعدة، لأن وجوده خطر على المنطقة، بل ان توني بلير، في مقابلة مع تلفزيون «بي بي سي» للترويج لمذكراته، قال إنه يؤيد حرباً على إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي، فسلاحها سيكون خطراً على المنطقة والعالم، وسيجعل الدول العربية تسعى لامتلاك هذا السلاح، فهو على ما يبدو يريده لإسرائيل، ومن دون أن يعترف بأن اسرائيل الفاشستية المجرمة تملك ترسانة نووية وهي تحتل وتقتل وتدمر. بلير كان من الوقاحة أن اتهم ايران بتمويل المسلحين الذين قتلوا جنوداً بريطانيين في العراق، مع أن من الواضح جداً أن هؤلاء الجنود ما كانوا ليُقتَلوا لو لم يرسلهم بلير الى العراق وأفغانستان... مرة أخرى لأسباب مزورة عمداً. الدكتورة روز ماري هوليس، وهي خبيرة في الشرق الأوسط من جامعة مدينة لندن أعرفها جيداً وأقدرها، ردت على بلير بالقول إن ألعاب الحرب التي أعدها الأميركيون أظهرت أن نتائج مهاجمة إيران وقتل مدنيين أخطر كثيراً من امتلاك إيران سلاحاً نووياً. توني بلير مجرم حرب يجب أن ينتهي مع جورج بوش وعصابة الحرب كلها أمام محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي. لست وحدي في اعتبار بلير مجرم حرب، فبعض الصحافة البريطانية الذي عرض مذكراته ردد التهمة، والصحافي البريطاني المشهور جون بيلجر زاد عليها ان بلير مسؤول عن الإرهاب الذي ضرب لندن في 7/7/2005 وقتل عشرات الناس لأنه كان رد فعل على جرائم حكومته. وتحالف معارضة الحرب الذي يضم بعض أبرز وجوه العمل السياسي والفكري في بريطانيا، يطالب بمحاكمة بلير كمجرم حرب منذ سنوات. وقد طالبت بمثل ذلك الحركة الإرلندية لمناهضة الحرب، وأعلنت فتح كتاب تعزية بضحايا حروب بلير. وكانت أسر كثيرين من الجنود البريطانيين الذين قتلوا في هذه الحروب طالبت بمحاكمة بلير كمجرم حرب. وعندما قال إنه يبكي على ضحايا الحرب قيل له فوراً إنها دموع التماسيح. توني بلير سياسي انتهازي لا يزال رغم جرائم الحرب يجمع الفلوس حتى إن خصومه قدروا ثروته منذ ترك الحكم قبل ثلاث سنوات بحوالى 40 مليون جنيه، لذلك فهو عندما تبرع بأجره عن مذكراته، أو حوالى 4.6 مليون جنيه، للمصابين من الجنود قيل له فوراً إن الفلوس لن تغسل يديه من دماء الضحايا. وهو بانتهازيته وضع مقدمة خاصة بالطبعة الأميركية من مذكراته، وجدتها قصيدة غزل في أميركا وسياستها وشعبها تضاف الى زعمه في المذكرات أن جورج بوش الابن الذي أجمع العالم على أنه أحمق وجاهل، لا يعرف الكلام بلغته الإنكليزية، وهو عبقري زمانه وذكي وشجاع. الآن هناك تهمة جديدة تضاف الى سجل بلير الأسود هي أنه سعى لإطلاق عبدالباسط المقرحي المدان في إرهاب طائرة لوكربي، لتحصل شركة النفط البريطانية BP على عقود من ليبيا بحوالى خمسة بلايين جنيه، وهو كان زار ليبيا سنة 2007 عندما وُقعت العقود. هل ينجو مجرمو الحرب من المحاكمة؟ أرجح ذلك فالضحايا، عرباً ومسلمين، هانوا على أنفسهم وعلى الناس. [email protected]