لم يكن الاحتفاء الشديد الذي قوبل به العرض السعودي في الدورة الاخيرة لمهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة والذي اختتم نشاطه الاسبوع الماضي سوى تأكيد على حالة النضج التي بلغتها التجربة الفنية السعودية في هذا المجال، حيث تتعانق الاصالة مع الحداثة في تشكيل ابداعي يتسم بالرهافة والحساسية والرغبة العارمة في فتح افاق جديدة..وفي رصد سريع لانعكاسات هذه التجربة في عيون عدد من رموز الوسط المسرحي المصري ونقاده اكدت د. هدى وصفي رئيس مركز الهناجر للفنون على نضج التجربة السعودية عبر سنوات اشتراكها في المهرجان، هذا النضج الذي اكسبها ثقة الجمهور المصري المشهور عنه انه لا يقبل عادة سوى العروض الجادة التي تحمل تجربة حقيقية، اما تلك العروض التي لا تحمل بين طياتها سوى البحث عن تجريب شكلي فقط بدون ان يكون هناك تكامل بين عناصر العمل الفني او التي لا تحمل سوى عناصر ابهار فقط فتلك العروض اكتسب الجمهور المصري صفة النفور منها. ومن ملاحظة اقبال الجمهور على متابعة العروض التجريبية السعودية عبر سنوات المهرجان المتتالية يتضح لنا انها تحمل جدية العمل المسرحي، وبصراحة لم يعد الاقبال الجماهيري على العروض السعودية يسبب تلك الدهشة التي كانت موجودة منذ خمس او ست سنوات فتلك الدهشة كانت موجودة في البداية عند الكثيرين لوجود هذا المستوى الجيد غير المتوقع اما الان فان الجمهور والمسرحيين يتابعون العروض السعودية في المهرجان بثقة في وجود مستوى فني مرتفع وينتظرون منهم الكثير في السنوات والدورات المقبلة ونتمنى ان تتاح فرص ومهرجانات اكثر لزيادة مساحة التواصل الفني بين المسرح السعودي والمسرح المصري بصفة خاصة وبين المسرح العربي في كافة الاقطار العربية بصفة عامة. اما الناقدة د. نهاد صليحة فقد حاولت ان تحلل عناصر التميز والتفرد في التجربة المسرحية السعودية حيث رصدت عينا الناقدة لديها انها ترى ان عدم ظهور المرأة في التجربة المسرحية السعودية يمكن ان يصبح نوعا من انواع التجريب والتفرد حيث يقع المسرحيون السعوديون في اختبار كيف تصنع اشكالا تعويضية لعدم ظهور المرأة في العمل بدون الاخلال بعناصر العمل وهذا يتيح بالتالي الفرصة لعناصر جديدة في الظهور. كما انها تشير الى خصوصية البيئة والتراث السعودي هذا التراث الذي يمكن ان نسميه بتراث الصحراء حيث تراث نجد ومكة والمدينة والحجاز وتراث القبائل المختلفة وان الاتكاء على هذا التراث ومحاولة اظهاره في اعمال مسرحية متعددة يوجد حالة جديدة على عيون المشاهد المصري ويوجد نوعاً من انواع الجذب لمحاولة التعرف على هذا التراث الثري عن قرب ومما لا شك فيه اننا نكون مجحفين للتجربة السعودية لو حصرناها في فكرة التعرف على تراث الصحراء فقط فهذا موجود في بعض الاعمال والبعض الاخر يحمل روح العصر الحديث بكل قضاياه وابعاده ومشاكله في محاولة لطرح مشاكل العصر برؤية وبعد فني ولكن يبقى التراث السعودي معينا ضخما اعتقد انه مهم جداً على طريق الابداع المسرحي السعودي. الكاتب المسرحي الكبير الفريد فرج رأى التجربة المسرحية السعودية تجربة مبشرة وجيدة وتستحق الاحتفاء بها ويرى انه بالرغم من ان فن المسرح يعتبر فناً جديداً على الابداع السعودي المشهور بفنون الصحراء خاصة فنون اللغة العربية مثل الشعر والنثر اما الغناء والتمثيل والمسرح فهي من الفنون الادائية التي تعتبر جديدة على المجتمع السعودي ومن هنا كانت دهشتي لوجود صوت مسرحي جديد قوي ومختلف على مستوى النص والاداء المسرحي وعنده حساسية جديدة للفن المسرحي، بل ان التجربة وهذا هو المدهش لم تقف فقط عند حدود المسرح التقليدي ولكنها بدأت في الدخول بقوة في دائرة التجريب المسرحي، واعتقد ان هذا التجديد كان نتاج متابعة متأنية بعيون واعية لقيم وفنون التجديد الحقيقية الموجودة في البلاد المختلفة قبل ان يبدأوا في محاولة خلق تجربتهم الحداثية الخاصة والتي حملت في بدايتها ملامح متعددة من تجارب سابقة حتى وصلوا الى هضم كل التجارب التي كانوا يتابعونها الى ان بدأت تجربتهم الخاصة في الظهور بقوة وبشكل جيد، وهذا ما يؤكد ان هذا الجيل الحالي مختلف وجاد على طريق صنع حركة مسرحية جادة وجديرة بالاحترام، اما ما انبه اليه فهو دور النقاد المسرحيين في رصد تلك التجربة الجديدة وتقييمها حتى تكون اضافة قوية للمسرح العربي. في حين يرى الناقد والمخرج المسرحي عمرو دواره ان المسرح التجريبي السعودي لديه طاقات ابداعية جيدة يجب الاحتفاء بها والتنويه نقدياً على نقاط القوة فيه فهو يرى ان هناك عناصر ترابط كثيرة تضيف للنص السعودي مثل الترابط بين الموسيقى والحركة والاضاءة والديكور كل هذه العناصر التي تكمل العرض ولا تكون لمجرد التواجد فقط بحكم العادة. كما ينبه دواره المسرحيين السعوديين الى ضرورة عدم الانزلاق وراء فكرة التجريب المغلقة على مجموعة معينة فقط هي التي تفهم ما يقدم مما اوحى للكثيرين ان المسرح التجريبي هو موسيقى غامضة وحركات غير مفهومة مع مجموعة مفردات غير مترابطة ومن اقرب الامثلة على ذلك تلك الصورة الكاريكاتيرية التي قدمت عن المسرح التجريبي من خلال المسلسل التليفزيوني (طيور الشمس) الذي يقدم في التليفزيون المصري والذي قدم العرض على انه شخص واحد يرفع اريكة وفردة حذاء بشكل كاريكاتيري وللاسف هناك بعض العروض هي التي توحي للكثيرين بهذا. لذا فانني انبه المسرحيين السعوديين على ضرورة التنبه الى اهمية عناصر الفرجة المسرحية تلك الفرجة التي تولد المتعة البصرية لدى الجمهور وان تكون تجاربهم التجريبية القادمة داخل هذا النطاق كما انني بصفة خاصة بصفتي رئيس الجمعية المصرية لهواة المسرح اتمنى ان تتم زيادة مساحة التواصل بين المسارح والمسرحيين العرب اكثر من هذا وان تتزايد المهرجانات والمنتديات المسرحية في كل الاقطار العربية الشقيقة. المخرج السرحي ناصر عبدالمنعم رأى ان المسرح يحمل تجارب مخلصة وجادة في اتجاه الهم الانساني المشترك على مستوى السعودية بشكل خاص وعلى مستوى الوطن العربي في العموم وبصراحة انا ارى ان التجريب السعودي فيه الان من التجارب الابداعية ما يحمل هماً حقيقياً ويجب علينا ان نكف عن تلك النظرة المسبقة وان نقيم التجربة على اساس انها تحمل ثراء للتجربة العربية مما يعني اننا قد كسبنا رافداً جديداً يوسع من افاق المسرح عند عواصم المسرح التقليدي مثل القاهرة وبيروت ودمشق واتمنى ان تتأصل تلك التجربة لتعم كل العواصم العربية في القريب ان شاء الله.