انه مشروع ضخم ، ومع ذلك بسيط ومنطقي فمن أين سمعت بمشروعات من هذا القبيل ، حقا إن الأسلوب يبدو لي معروفا جدا ففي الأعوام الأولى من الثمانينات سمعت من فم إرييل شارون مرة خططا ومشاريع من هذا القبيل لقد كان رأسه يطفح بأفكار مغرية وبراقة لنظام جديد بالشرق الأوسط منها منطقة أمنية إسرائيلية من باكستان و حتى وسط أفريقيا وإسقاط أنظمة حكم وإقامة أنظمة أخرى محلها و طرد شعب كامل ( الفلسطينيين ) وغيرها من أفكار . بدأت تطل أخيرا من داخل الضباب الكثيف أهداف مشروع الرئيس بوش تجاه العراق . فبعد ان كان موقفه من العراق في البداية محيرا إلى درجة كبيرة سرعان ما بدأت تتضح بالتدريج خبايا الموقف الأمريكي . فموقف جورج بوش من العراق ليست له أية علاقة بمكافحة الإرهاب ولا بشخص صدام حسين ، كما أن الموقف الأمريكي من النظام العراقي لا يرتبط بأسلحة الدمار الشامل التي يطورها العراق كأي دولة بالمنطقة بدءا من باكستان ومرورا بإسرائيل . لقد حذر أصحاب الأصوات المعارضة لخطة ضرب العراق, وأنا منهم من النتائج السياسية المدمرة المنتظرة التي ستترتب على هذا الضربة المحتملة وهي تقسيم العراق إلى ثلاثة أقسام ( منطقة كردية في الشمال ، وسنية في الوسط ، وشيعية في الجنوب ) وأن العالم العربي سوف يظل بلا غطاء أو حماية من التطرف الديني ، وسوف تحاط إسرائيل بالأصولية الدينية كما حدث مع الدولة الصليبية عند تولي صلاح الدين الحكم . ذلك الرأى ظل معتمدا على افتراض طيلة عشرات السنين الماضية وهو أن : الولاياتالمتحدة غير مستعدة للاحتفاظ بجيش لمدة سنوات طوال في دول بعيدة وأن الجيش الأمريكي سوف يعود إلى بلاده بعد أن يتمكن من تدمير العراق و بعدها سيترك ذلك البلد لشأنه . ومن المؤكد أن هذا الاعتقاد لم يعد ساري المفعول خاصة وان خطة الحرب التي أعدتها إدارة بوش ضد العراق لن تكون منطقية إلا إذا كانت الحكومة الأمريكية مستعدة لاحتلال العراق لكي تبقى فيه سنوات طويلة جدا , ومثل هذا الاحتلال سوف يحتاج موارد مالية وبشرية ضخمة . ومن هنا فإن خطة مهاجمة العراق تثير معارضة كبيرة من جانب جنرالات أمريكا ومن بينهم كولين باول وزير الخارجية . غير ان مشروع ضرب العراق من وجهة نظر بوش يعد بمثابة استثمار مربح جدا وأنه سوف يجني من ورائه ثروات طائلة . وتمثل خطة ضرب العراق هدفا بالنسبة للولايات المتحدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي بغرض السيطرة في النهاية على بترول بحر قزوين ، فهو يشكل مخزونا كبيرا وهائلا فهو أكبر مخزون في العالم لم يتم استغلاله بعد و السيطرة عليه سوف تضمن للولايات المتحدة وقودا رخيصا لعشرات السنين . إن بوش - البترولي المحترف - الذي يسعى إلى الحصول على مصادر بديلة للطاقة صديقة للبيئة يعتبر ذلك هدفا أساسيا . إن بترول بحر قزوين وهو في طريقه إلى السوق ينبغي أن يصل إلى البحر المفتوح في أمان وحرية وهناك عدة طرق محتملة : الطريق الشرقي عبر أفغانستانوباكستان والغربي عبر تركياوالعراق قريب من هذه الدول ولذلك فإن القوات الجوية و البرية التي ستتمركز هناك سوف تضمن السيطرة الأمريكية ، على كل المنطقة . إن وجود قاعدة أمريكية صلبة وقوية في قلب العالم العربي سيتيح لواشنطن أيضا بث الرعب في قلوب كل الأنظمة العربية التي سوف تتجرأ على صراط الولاياتالمتحدة المستقيم . ولسوف يكون الضغط هائلا .. وسوف تؤدي تلك التطورات الجديدة الى تدمير منظمة الأوبك تماما وسيقضى عليها تماما وسوف تتولى الولاياتالمتحدة تحديد سعر النفط وكيفية توزيعه . وسوف يقضي الوضع الجديد على ما تبقى من استقلال الدول العربية ، التي تدور في فلك الولاياتالمتحدة كما أن تعزيز التواجد الأمريكي في المنطقة سوف يدمر أي طموح للقوة و الوحدة العربية و سوف تفقد إيران المجاورة شهيتها لمعارضة الشيطان الأكبر الأمريكي حيث ستكون واقعة بين فكي كماشة - القواعد الأمريكية في العراق - وفي أفغانستان. و سوف تقضي ايضا السيطرة المطلقة التي سوف تصبح لأمريكا على كل مصادر النفط - على الحلم الأوربي الذي يتطلع لمنافسة القوة الاقتصادية والسياسة الأمريكية . إن الامريكيين عندما يفكرون في احتلال دولة بعيدة فهم يعتمدون في ذلك التفكير على تجربتهم في اليابان . فعندما احتلت الولاياتالمتحدةاليابان تم تكليف جنرال أمريكي هو دوجلاس ماك ارثور على رأس جيش احتلال ليحكم ذلك البلد ثم أصبح هذا الجنرال محبوبا في اليابان فقد أطاعه اليابانيون إذلالا وخضوعا لأن الميكادو القيصر الياباني أمرهم بهذا . انه مشروع ضخم ، ومع ذلك بسيط ومنطقي فمن أين سمعت بمشروعات من هذا القبيل ، حقا إن الأسلوب يبدو لي معروفا جدا ففي الأعوام الاولى من الثمانينات سمعت من فم إرييل شارون مرة خططا ومشاريع من هذا القبيل لقد كان رأسه يطفح بأفكار مغرية وبراقة لنظام جديد بالشرق الاوسط منها منطقة أمنية إسرائيلية من باكستان و حتى وسط أفريقيا وإسقاط أنظمة حكم واقامة انظمة أخرى محلها و طرد شعب كامل ( الفلسطينيين ) وغيرها من أفكار . لقد انهارت خطط شارون ومشاريعه الواحدة تلو الأخرى بسبب التصعيد الخطير ضد الفلسطينيين والمنطق الداخلي لمعالجة القضايا الإسرائيلية . إن شارون ببساطة لم يدرك ولم يع التيارات الحقيقية القوية للتاريخ. @ عن جريدة ( معاريف الإسرائيلية ) 9 -9-2002 @ كاتب و محلل سياسي إسرائيلي