ذكرت مجلة النور الكويتية في العدد 207 جمادى الاولى 1423ه صفحة "منا الخير ومنكم التعليق" تحت عنوان "3 الى 5 اطفال امريكيين يقتلهم اهلوهم يوميا" ان الامريكية اندرياباتس قتلت اطفالها الخمسة باغراقهم وان 200 امرأة يقتلن اطفالهن سنويا في الولاياتالمتحدة كما يقول الخبراء الامريكيون وزادت عالمة الاجتماع في جامعة كيس وسترن في كليفلاند ان بين ثلاثة الى خمسة اطفال يقتلون يوميا بأيدي اهاليهم في الولاياتالمتحدة. واشارت مجلة النور الى ان هذه القضايا وامثالها دفعت الباحثين الى البحث عن غريزة الامومة فتوصلوا الى ان هذه الغريزة غير مسلم بها. وحينما وقفت على رأي هؤلاء الباحثين في غريزة الامومة تذكرت الفلاسفة المثاليين ونظرتهم المثالية القائمة على انكار الوجود المادي للاشياء امثال مبتدع الفلسفة المثالية الفيلسوف الانجليزي "جورج باركلي" (1685م 1753م) والفيلسوف الانجليزي الاخر ديفيد هيوم (1711م 1776م) وغيرهما من الفلاسفة المثاليين الذين انساقوا مع النظرية الحسية التي جاء بها الفيلسوف الانجليزي جون لوك (1632م 1704م) الى ابعد الحدود فانكروا ان يكون للاشياء وجود حقيقي خارج الذهن ونسبوا جميع الادراكات الحاصلة في الذهن الى الله وقالوا انه هو سبحانه وتعالى الذي يرسل الينا افكارنا ويبعث صور الاشياء في اذهاننا دون ان تكون هناك اشياء مادية تدرك او حواس تدركها فالوجود هو الادراك وليس العالم شيئا اخر سوى الاحساسات التي تتكون لدينا عنه. وكما ان هذه النظرية في غاية السخافة وقمة السذاجة وتصطدم مع العقل والبداهة والواقع ولا تستحق منا شيئا من الوقت نضيعه في نقدها لوضوح بطلانها اذ ليس هناك عاقل الا ويدرك بالبداهة ان لهذا الكون وما فيه من موجودات جوهرا حقيقيا ووجودا واقعيا خارج الذهن. اقول: وكما ان النظرية المثالية سطحية بل لا تستحق مسمى نظرية ولا ان يلقب اصحابها بالفلاسفة فكذلك عدم التسليم بوجود غريزة الامومة هو رأي ضعيف بل سخيف ولا يستحق اصحابه ان نعدهم من الباحثين او المفكرين بل هم من السوفسطائيين الذين يغالطون في الحقائق الثابتة بما يوهم الاستدلال الصحيح ومن اللا أدريين الذين يشكون في كل حقيقة حتى في وجودهم والا كيف يذهبون الى انكار غريزة الامومة وهي من الحقائق الواضحة بالبداهة ولا يحتاج اثباتها الى دليل. فنحن نعلم ان القضايا التصديقية في المذهب العقلي تنقسم الى قسمين القضايا العقلية البديهية وهي التي لا يحتاج الايمان بها والتصديق بحقيقتها الى البحث والنظر والتجارب بل يبادر العقل الى الايمان بها مباشرة وبدون اي مقدمات مثل قضية "عدم اجتماع النقيضين" و"الواحد نصف الاثنين" و"الكل اكبر من الجزء". وهناك القضايا النظرية التي لا يمكن التسليم لها، والايمان بها الا بعد البحث والنظر واجراء التجارب مثل قضية "العالم حادث" وامثالها من قضايا.. والواقع ان غريزة الوالدية المتمثلة في "الابوة والامومة" هي من القسم الاول اي انها من القضايا البديهية التي لا يحتاج اثباتها الى دليل او برهان بل هي اشد وضوحا من الشمس في رابعة النهار. فلا شك ان الوالدين مدفوعان فطريا وغريزيا الى حب الابناء والتعلق بهم والعطف عليهم وذلك لشعورهما ان ابناءهما امتداد طبيعي لهما وجزء لا يتجزأ منهما يقول الامام علي بن ابي طالب لولده الحسن: "ولدي: رأيتك بعضي بل رأيتك كلي حتى كأن الشيء اذا اصابك اصابني ولو ان الموت اتاك اتاني" وهذه الحالة لا تخص عليا فقط بل هي تشمل كل اب وكل ام لان حب الابناء والحنو عليهم من الغرائز الفطرية التي اودعها الخالق جل وعلا في اعماق الانسان ووجدانه يدلك على هذا ما يقوم به الوالدان تجاه ابنائهما من التربية والرعاية والاهتمام وما يبذلانه من الجهد الكبير وما يضحيان به من كل غال ونفيس من اجل حفظ الابناء وسلامتهم وفي سبيل راحتهم وسعادتهم.. الى درجة انهما يؤثران ابناءهما بكل خير وبر على نفسيهما واذا اصيب احد الابناء بمكروه فكأن الاصابة في قلبيهما والطعنة في صدريهما ولا يهنأ لهما بال ولا تطيب لهما حياة الا بزوال ذلك المكروه عن فلذة كبديهما عندها يكون ذلك اليوم يوم عيدهما وسعادتهما. كل هذا يؤكد لنا ان غريزة الوالدية من الغرائز الفطرية التي لا سبيل الى انكارها ولعمري انه لمن الحماقة والسفاهة انكار هذه الغريزة وعدم التسليم بوجودها استنادا الى مثل تلك الحوادث الشاذة التي لا تعبر عن انعدام غريزة الوالدية بقدر ماهي تعبير واضح عما تسببه الحياة المادية الفارغة من القيم والمعنويات من مشاكل معقدة للبشرية قد تدفع الانسان الى ارتكاب اعظم الجرائم والموبقات. وهذا ما يجعلنا نؤمن بمدى اهمية الايمان وضرورة وجوده في الحياة فان للايمان بالله ثمرات كثيرة منها انه يمنح الانسان الاطمئنان القلبي ويعطيه الثقة بالنفس ويكسيه بالسكينة والهدوء والاستقرار ويمكنه من مواجهة صعوبات الحياة ومشاكلها المعقدة بصبر وعزيمة وثبات مستعينا في كل ذلك بالقوي الذي لا يغلب، والعزيز الذي لا يقهر وهو الله رب العالمين اما الكفر بالله والانحراف عن صراطه والانسياق وراء الشهوات والغرائز على حساب الروح والايمان فانه يفقد الانسان الهدوء والاستقرار ويجعله يعيش في قلق واضطراب ويصيبه بالضعف والخوف مما يدفعه الى الهزيمة والاستسلام للمشاكل مهما كانت بسيطة وتافهة وعندها يعالج المشكلة بمشكلة اكبر فيقدم على الانتحار او يقتل احب الناس واعزهم عليه، او يصاب بالعقد النفسية والامراض العقلية التي تزلزل كيانه وتهد اركانه وتحيل حياته الى جحيم لا يطاق. علي محمد عساكر الاحساء