استكمالا لما سبق تحدثنا عنه في مقالة الأسبوع المنصرم أعود هنا لأكرر ثانية بأن الخطأ، أو الغلطة الانسانية و اكرر بالخط العريض بالذات تلك اللا مقصودة، وبغض النظر عن حجمها، أو نتائجها هي في التحليل النهائي تعبير عن "حالة عمل"، واثبات لا يقبل الشك بأن ذلك المخطىء قد توقف عن الكلام وبدأ رحلة "العمل، والتجربة". فمن يسرع الخطا الى النجاح لابد له من عثرات أو لنقل "أخطاء" قد تكبر أو تصغر تبعا لحجم الجهد، وحداثة التجربة. فالطريق الذي بلا عقبات هو طريق لم يوجد بعد على هذه البسيطة، ولا أظنه سيوجد، ولعل العقبات والاخفاقات التي واجهت أولئك الذين قدموا للإنسانية أعمالا عظيمة قلبت وجه الحياة في عصرنا رأسا على عقب لهي أدلة لا تقبل الشك على ما نقول حيث شكلت تلك الأخطاء والعقبات التي اعترضت مسيرتهم واحدة من أهم روافد نجاحا تهم. فهل اكتشف نيوتن قانون جاذبيته الشهير بمحض الصدفة وبمجرد سقوط تلك الثمرة من الشجرة بدون محاولات كتب للكثير منها الفشل الذي نتج في الأساس من أخطاء؟، أو أن اكتشافات توماس ماديسون والتي تجاوزت الألف اختراع قد تمت بالتمني فقط دون جهد، ومال، ووقت؟ بل لعلي لن أضيف جديدا أن قلت من أهم سلوكيات ذلك المخترع العظيم كان ايثاره للصمت، وترك المهمة لمنجزاته لكي تتحدث عنه. فقد حاول صحفي أمريكي أجراء حديث معه إلا انه اعتذر بلطف آثرا عدم الكلام إلا أن ذلك الصحفي سرعان ما لجأ الى "فبركة" حديث معه ناشرا اياه في مجلته عندها لم يجد ماديسون بدا من ارسال برقية "مختصرة جدا" الى ذلك الصحفي يقول فيها "لقد برهنت الآن أن اكبر مخترع هو أنت لا أنا". وخلاصة القول هنا هو السقوط الذي يأخذ شكل "غلطات" يعني بطريقة أ و بأخرى أن هناك خطأ ما في التجربة الإنسانية، وبالتالي ففرص الاختيار والتجريب هي فرص متاحة لكل من يسمو الى النجاح. وقد قيل قديما "إذا وجدت طريقا بلا عقبات، فالغالب انه لا يؤدي الى شيئ". فالخطأ من هنا هو لصيق بالإنسان "الحي" لان من لا يخطىء هو "الميت". ان الخطأ حتى وان أدى الى نتائج يمكن وصفها "بالسلبية" إلا أن لها بكل تأكيد الكثير من الايجابيات التي لن يفهمها إلا من تعامل مع أخطاء الآخرين بعقل، وقلب مفتوح، مع فهم واضح لطبيعة هذه الحياة، ومقدار ما يواجه الإنسان فيها من تحديات خلال رحلته فيها التي قد تطول، أو قد تقصر بالقدر الذي يقدره له خالقه فيها. ان سرعة إيقاع العصر الذي نعيشه تشكل واحدة من أهم العوامل المساعدة على انتشار الأ خطأ في شتى مناحي الحياة. ففي دراسة ميدانية نشرت في العام 1995م تبين أن حوالي 9% من الوصفات الطبية التي يصفها الأطباء لمرضاهم هي وصفات خاطئة نتيجة للسهو والسرعة. وغني عن القول بأن "الأخطاء الطبية" هي من الأخطاء غير المسموح بها نظرا لنتائجها الوخيمة التي قد تودي لا سمح الله بحياة إنسان جاء يطلب علاجا من مؤهلين فوجد الموت زؤاما ينتظره هناك. من هنا أيضا كان من المفهوم جدا أن نرى هواة الصيد في الماء العكر وأولئك الذين أصبحت حياتهم شبيهة بحياة "الطحالب" وقد أوقفوا رسالتهم في الحياة في الكيد للآخرين، والتقليل من شأن كل عمل يقومون به والذي عادة ما يتم من خلال تتبع ليس لزلاتهم وهفواتهم تاركين. فقاموسهم "الخاص جدا" غالبا ما نجده ممتلئا بتلك المفردات "الخاصة جدا جدا" و"الجاهزة على الدوام لإطلاق مجموعة من الصفات التي هي أشبه ما تكون ب"الحمم" و"البراكين" والتي تأخذ في شكلها العام شكل قذائف "ألها وند" و"البازوكا" وغيرهما من مشتقات "البارود" التي خلفها لنا "الفريد نوبل": ... فهم تارة "اللامبالون" ... وهم في أخرى "المستهترون" ... وهم أحيانا "الجاهلون" بحقائق الحياة". ... وهم في أخرى المفتقرون "للتجربة". ... وهم المتآمرون على منجزات الأمة. ... وهم المتساهلون في أداء المهام المنوطة بهم. ... وهم... وهم... وهم... إلى غير ذلك من الصفات التي لا هدف لهم ولا مغزى من ورائها سوى الحط من منزلة الآخرين، وتصغيرهم ليس فقط انجازا، وانما انسانا في عيون المجتمع. لن نعود لنفصل هنا "هشاشة"، أو لنقل "سخافة" هذه التهم، وحسبنا ما سبق ذكره عن أسباب الخطأ اللامقصود بعدا، ونتيجة. وبالتالي فإن مجموعة أعضاء جمعية "المصطادون في الماء العكر" يستحقون فعلا ليس الرثاء فقط، وإنما الشفقة، وقد قيل "كل إناء بما فيه ينضح". ولعلي هنا اختم مقالتي متسائلا مرة أخرى: ترى لو فصلت أثواب الرجال على مقدار أعمالهم، فهل من الممكن أن نرى بعضهم "عرايا" وآخرون "شبه عرايا"؟ دعائي لنفسي ولكم أن يبعدنا الله عن شر أولئك الغمازين اللمازين. وعلى الحب نلتقي.