كان يمشي وحده، في ساعة متأخرة من الليل، الجو يميل إلي البرودة، والسماء صافية، والقمر يتوسطها ومن حوله النجوم المتلألئة.. ينظر أحمد إلي القمر فيرى فيه ذلك السلطان، والنجوم العسكر والحراس في القرون الغابرة، منظره مبهر كان أحمد في ليلة الإجازة يمشي لمسافة يستريح فيها من عناء أسبوع حافل بالعمل ينتظر طلوع الفجر ليوصل الليل بالنهار ليتأمل اللحظات التي تشرق فيها الشمس، هذا المنظر كان يستهويه ويشعره بالسعادة، ذات مرة لمح رجلا يقف أمام عتبة داره، ويحدق في السماء، لم يصدق أحمد، فلم يكن ليرى أي شخص منذ سنوات في مثل هذه الساعة، اقترب منه وعرفه، أنه العم صالح المشهور بسكوته وانعزاله رغم معرفته بجميع سكان الحي. أحمد: ماذا تفعل في مثل هذه الساعة يا عم؟. العم صالح: وماذا تفعل أنت؟. أحمد: أنني معتاد على مزاولة رياضة المشي كل ليلة جمعة ثم ان منظر شروق الشمس يستهويني فأشعتها تعني أيذان يوم جديد وانقضاء ليل مظلم طويل. العم صالح: ما الفائدة من ذهاب الليل إذا كان سيرجع مرة أخرى بظلامه الدامس وسكونه الرهيب، إنني جالس هنا لغرض مختلف تماماً. أحمد: وما هو يا ترى؟ العم صالح: أنني أترقب أن تشرق الشمس في جوف الليل لتقضي على ظلامه وظلمته!. أحمد: وهل من الممكن أن تشرق الشمس فجأة في غفلة من الليل؟. العم صالح: أنني متأكد من ذلك يا بني،لا بد لها أن تشرق وإلا فسيبقى الظلام والعتمة جاثمين. وفجأة تراءى لهما نور قوي في السماء، قال العم صالح: أترى أنه نور قوي من صوب تلك النجمة هناك، لابد أنها الشمس، يا إلهي أنها الشمس! نظر أحمد بتعجب فلم تكن تلك إلا طائرة عابرة ولكنه لاحظ تلهف العم صالح لشروق الشمس لتكسر بضيائها ظلمة الليل فقال له: لا تحزن يا عم علها تكون الشمس في المرة القادمة. العم صالح: لن يهدأ لي قرار إلا بشروقها فبنورها ستضاء حياتي.. مضى أحمد لحاله العم صالح: لا تذهب يا بني لربما يأتي النور الآن، فتراءى له نور في السماء مرة أخرى. فصاح بأحمد: أنها الشمس يا بني الشمس.. أحمد وهو سائر في طريقه: يا عم صالح أنها ليست الشمس ولعلها لن تشرق الآن ولكن تأكد أنه في هذه الليلة أشرقت شمس حياتي لتخلصني من ظلام عشت فيه طويلاً.. ما زال العم صالح ينادي أحمد، وأحمد يلوح له بيديه وكأنه يقول له: ليس المهم أن تشرق الشمس لتزيل عتمة الليل وظلمته فالليل له جماله وبهاؤه الذي لا نستغني عنه ولكن المهم أن تشرق لتزيل ذلك الظلام الدامس الذي يملأ الصدور والقلوب. رائد درويش..