السجال بين الخيال والواقع محتدم وقائم... الى الحد الذي كاد الخيال يتحول الى واقع.. والواقع الى خيال.. واذا كان الخيال بمفهومه عملية استغراق في التصور لما يأتي وما لا يأتي فان الواقع ايضا بمحاكاته يكاد يكون استجابة لذلك الاستغراق الضارب في متاهات الذهن.. ولأن الحياة بوهجها الحلم بشروده والعلم بملامسته ارض الواقع يشكلان صورة واحدة مكتملة الاطار ينزعان الى ابراز ما يعقل ومالا يعقل في حياة الناس... باعتبارها حياة متكاملة الى درجة الفوضى من الصعب فهمها من خلال منظور متآلف واحد.. الا انها تهم هذا التباين تسير على خط واحد لا يفرق بين النقيض والنقيض. صورة واحدة منتزعة من الواقع تجسد هذه الحقيقة... انها قصة تملأ الحلق بغصة تلك هي حكايته: هو طفل ينتمي لعائلة فقيرة.. احتضنه الرصيف.. والويل لمن يتلقفه الرصيف على صغر دون حضن دافىء يحتمي به.. استوى عوده وجد عملا متواضعا في دكان نجارة.. تدرب جرب وفتح الله عليه باب الرزق.. لم يكن واسعا بالقدر الذي يتمنى. اصبح نجارا يكسب الكثير ووفرة المال في مجتمع موبوء يغري على السقطة احيانا.. التف حوله قرناء السوء اجتذبوه اليهم كان سهل القاد والانقياد.. امه اول من اكتوى بنار هجره وهجيره.. من بار بها الى زبون بار.. ادركت خطورة ذلك التحول المفاجىء لوحيدها.. استعانت بأقاربه بغية انقاذه.. وبعد جهد جهيد امكن لجم شيطان عبثه. تجاوز الثلاثين من عمره.. ان تقييده برباط الزوجية ادعى وسيلة لسلامته واستقامته.. وهكذا كان.. تزوج من فتاة تصغره بضع سنوات ارتاح لها ارتاحت له.. آنسته وأنسته عبث الماضي وأذاقته طعم الحياة المستقرة.. بضع سنوات من الهدوء خيم على الدار الصغيرة.. الزوج والزوجة والام وقادم جديد يطرق بوابة الحياة كي تتوج بأجمل ما فيها.. الا وهو حلم الابوة وعذوبة البنوة ولان استمرار الحال من الحال.. ولان شيئا من صور الماضي الكئيب مابرجت تلعب في رأسه تستهويه كي تغريه جاءت انعطافة هذه المرة صارخة وحادة بعد ان سئم رتابة حياته الجديدة.. نسي بيته بعد ان استعاض عنه بوكر خانق مشحون بدخانه الاسود المخدر المدمر... ومع اطلالة كل صباح تحمله خطواته الواهنة الى داره ليجد شريكة حياته في انتظاره تعاتبه. تناشده ان يثوب الى رشده من اجلها ومن اجل طفلها ومن اجل امه المكدودة وقد هدتها المخاوف على وحيدها.. ابدا.. كان ثائرا كالثور الهائج.. اد من كل شيء، لم يعد في عقله متسع لنصيحة ولامكانا لمناشدة ولا تقبلا لموعظة.. ولان للصبر حدود.. ولاستحالة استمرارية حياتها معه وبعد ان عيل صبرها صرخت في وجهة ذات صباح وهو يترنح: اخرج عد الى حيث جئت لامكان لك هنا.. "الباب يفوت عجل".. ولأنه نجار اولاها ظهره وهو يصرخ: سترين ماذا افعل بالباب!! اقتلع الباب دون وعي حمله على ظهره.. توارى بعيدا عن الأنظار معيدا الى الاذهان حكاية جحا وصاحبه حين اوصاه بحراسة باب البيت حتى لايتعرض للسرقة.. فما كان منه الا ان خلع الباب وحمله على ظهره وترك البيت مشرعا دون باب! أما هي فقد استبدلت بابها المخلوع بآخر.. وبقفل آخر هذا كل ماقدرت عليه. لقد غاب الباب بغياب عقل صاحبه.. ولكي تبقى ابوابنا موصدة دون خلع لابد وان تظل عقولنا وهي انبل ما خلق الله لنا تظل قوية وسليمة كي لاتكون الحياة الزوجية عرضة للخلع.. فالباب وحده أمره هين.