يكثر الكلام في هذه الأيام عن حكم حلق الشعر وتقليم الأظافر لمن أراد أن يضحي، ودخلت عليه عشر ذي الحجة، في المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي. وحول هذا الموضوع، يقول المستشار الشرعي الدكتور فلاح بن محمد الجوفان، إن "العلماء اختلفوا في حكم حلق الشعر وتقليم الأظافر لمن أراد أن يضحي ودخلت عشر ذي الحجة إلى ثلاثة أقوال". ويوضح الدكتور الجوفان أن القول الأول تلخص في "جواز أخذ الشعر وقلم الظفر للمضحي بلا كراهة، وهذا قول أبي حنيفة، وبه قال الليث بن سعد، وروي عن عكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وسالم بن عبدالله بن عمر، وطاووس بن كيسان، والقاسم بن محمد، وعطاء بن يسار، وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وأبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسعيد ابن المسيب، وجابر بن زيد". وأضاف أن القول الثاني هو أن "الحلق والتقليم مكروه كراهة تنزيهية وقال به مالك والشافعي ، وهو وجهٌ في مذهب أحمد، وروي عن الحسن البصري". أما القول الثالث فأجاب بأنه تلخص في "حلق الشعر وتقليم الأظافر حرام وهذا القول هو الرواية الراجحة عن الإمام أحمد وبه قال إسحاق بن راهوية ، وربيعة الرأي ، وداود بن علي وابن حزم الظاهريَّان ، وأبوثور، والأوزاعي ، وهو مرويٌ عن سعيد بن المسيِّب". واستطرد: "القول بالتحريم هو من مفردات الإمام أحمد رحمه الله تعالى التي خالف بها سائر الأئمة، وسبب الخلاف في هذه المسألة هو تعارض حديث أم سلمة رضي الله عنها، مع حديث عائشة رضي الله عنها". وأوضح: "جاء في صحيح مسلم أن أم سلمة نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي) كما جاء في صحيح البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشعرتها وقلدها – أو قلدتها – ثم بعث بها إلى البيت. وأقام بالمدينة , فما حرم عليه شيء كان له حلا) -أي لا من الطيب ولا من النساء ، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره- كما أنكرت عائشة رضي الله عنها على أم سلمة.. وذكرت أن أهل المدينة لايحلقون شعورهم ولايقلمون أظافرهم في العشر لانهم يحرمون بالحج من أول العشر، وليس بسبب الأضحية أو الهدي". ويستطرد الدكتور الجوفان قائلا: "الراجح والله أعلم القول بكراهة الحلق وتقليم الاظافر لمن أرد ان يضحي كراهة تنزيهه وذلك لعدة أسباب". وأوجز الأسباب قائلا إن أولها هو "حديث النهي ورد من طريق أم سلمه وحدها، ولم يروه أحد من الصحابة غيرها ، وقد أنكرت عائشة رضي الله عنها على أم سلمة هذا الحديث مبينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق من أحرموا بالحج، وذلك لكون أهل المدينة يهلون بالحج عند طلوع هلال ذي الحجة ، قالت : ولقد فتلت قلائد هدى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمتنع من شيء كان مباحاً أي لا من الطيب ولا من النساء ، ولا غير ذلك من شعره وأظفاره قاله في المغني". وثاني تلك الأسباب أن "النبي – صلى الله عليه وسلم مكث في المدينة عشر سنين وهو يضحي عنه وعن أهل بيته، ولم يثبت عنهم هذا النهي". أما ثالثها فهو أنه "من المعلوم أن عائشة هي أعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرف من أم سلمة بحديثه ، ولو كان هناك نهي للمضحي عن أخذ الشعر وقلم الظفر لما خفي عليها أبداً". ورابع تلك الأسباب أنه "لو كان هناك نهي لكان من لوازم هذا النهي أن يشتهر بين الصحابة ، ولم نعلم أن أحداً قال به ما عدا انفراد أم سلمة بحديثه". وخامسها هو "حديث عائشة رضي الله عنها هو المعقول المطابق للحكمة ، إذ لا يمكن أن ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ الشعر وقلم الظفر ويبيح ملامسة النساء والطيب ، ولو كان هذا التشبه صحيحاً لوجب الكف عن الطيب والنساء ، ولم يقل بذلك أحد ، لاسيما ان من قالوا بتحريم الحلق وتقليم الأظافر للمضحي قد عللوا النهي بأنه تشبه بالمحرم". بحسب الدكتور الجوفان. واستكمل الدكتور الجوفان موضحا أن سادس تلك الأسباب هو أن "حديث عائشة رضي الله عنها أصح وأصرح، حيث بيَّنت السبب المقتضي للنهي وهو الإحرام بالحج من أول أيام العشر وليس بسبب الأضحية، والأدلة إذا تعارضت يقدم منها ما هو أقوى وأصح". أما سابعها فهو أن "حديث أم سلمة قد انقلب عليها، حيث إن أهل المدينة يحرمون بالحج عند مستهل ذي الحجة، فسمعت أم سلمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن حلق الشعر ، وقلم الظفر حتى ينحر أضحيته ، لكون دم النسك يسمى " أضحية " ، كما في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر ، يعني بذلك دماء النسك ، فانقلب هذا الحديث على أم سلمة كما فهمته عائشة". وثامنا: "أجمع العلماء على أن من ساق الهدي لمكة لايحرم عليه شيء كان مباحا له قبل ذلك.. وقال النووي: (وفيه أن من بعث هديه لا يصير محرما ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم ، وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة) فمن باب أولى أن لايحرم شيء على من أراد أن يضحي، لاسيما أن من قالوا بتحريم الحلق وتقليم الأظافر للمضحي قد عللوا النهي بأنه تشبه بالمحرم كما ذكر ذلك ابن قدامة في المغني". تاسعا: "القول بالكراهة فيه جمع بين الأحاديث وعمل بها.. والجمع بين الأحاديث أولى من تعطيل بعضها". ويختم "الجوفان" كلامه مؤكدا أمه على كلا القولين (الذي يرى التحريم أو الكراهة) فإن "الشخص لو أخذ من شعره أو قلم أظفاره وأراد أن يضحي فإن أضحيته صحيحة بلا خلاف، حكى الإجماع ابن قدامة في المغني، هذا والله أعلم وأحكم".