تطبيقًا لما وعدت به حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز من تنفيذ برنامج التحول الوطنى (2020) ، واتساقًا مع رؤية المملكة الشاملة (2030) والتي تستهدف تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار الأجنبي وتخفيف حدة البطالة والتوسع في عمليات التوظيف، جاء إعلان سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس صندوق الاستثمارات العامة بإطلاق أكبر مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية تعد الأولى من نوعها في العالم في منطقة القدية (جنوب غربي الرياض). وتهدف المدينة إلى جذب الاستثمار العالمى للمملكة، وتوفير ملايين الفرص الوظيفية للشباب السعودي من الجنسين. ويتوقع للمدينة التي تبلغ مساحتها 334 كيلومترًا مربعًا أن تكون قبلة لكبريات الشركات العالمية المتخصصة في إدارة المدن الترفيهية والرياضية، وذلك لما يتمتع به الاقتصاد السعودي من قوة ومتانة واستقرار. فإيمانًا من الدولة بأهمية الاستثمار في الإنسان السعودي، وجعله أكثر قدرة ومهارة على المنافسة في مجال التنمية البشرية، ومساعدته على بناء اقتصاد بلاده بنفسه، والاستفادة من المكتسبات التي حققها خلال السنوات القليلة الماضية، جعلته محل أنظار واهتمام العالم، لما وصل له من تقدم وازدهار، نتيجة عمليات التطوير المستمر للكفاءات البشرية السعودية وتشجيعها وتحفيزها بمثل هذه المشروعات العالمية الضخمة، التي تفتح العديد من مجالات وفرص العمل أمام الشباب السعودي الطموح. وتكمن أهمية مشروع المدينة الثقافية الترفيهية في أنه يؤسس لمرحلة جديدة ومختلفة لنوعية الاستثمار في المملكة، فبعد أن كان الاستثمار يركز على مشروعات صناعية تقليدية تدر دخلًا سريعًا، باتت الدولة تضع نصب أعينها الاستثمار التنموي الذي يخدم المستثمر سواء كان محليًا أو عربيًا أو أجنبيًا، بالإضافة إلى خدمة المواطن نفسه والوطن بشكل عام. إن هذا المشروع الرائد، الذي يسهم فيه صندوق الاستثمارات العامة بشكل رئيسي، يمثل وكما يؤكد الكثير من الخبراء الاقتصاديين نقلة نوعية في اتجاهات الصندوق الذي أنشيء عام 1971م لأغراض تجارية بحتة والآن يتحول بفعل رؤية محمد بن سلمان إلى المشاركة الفعلية في تنمية الوطن ثقافيًا وسياحيًا ورياضيًا وترفيهيًا وتقنيًا، وبعد أن كان يركز على قطاعات البتروكيماويات والتعدين وغيرها من الصناعات الاستراتيجية، بدأ يتحرك الآن لجذب وضخ استثمارات تستهدف عصب التنمية الرئيسى وهو الإنسان السعودي وخاصة الفئة العمرية الشابة التي تعاني من البطالة، شأنها شأن الكثير من الشباب في العالم الذي لا يخلو من أزمات اقتصادية خانقة. ولم يأت تصدي صندوق الاستثمارات للمشروع من فراغ، وإنما عن تخطيط مسبق، لما لدى الصندوق من احتياطات نقدية وأوعية استثمارية متنوعة، فضلًا عن الخبرة المتراكمة في تمويل وإدارة المشروعات الكبرى العالمية، ومساهماته المختلفة في رؤوس أموال عدد من المشروعات الوطنية والعربية والدولية. إن مشروعًا ضخمًا كهذا، يستهدف مضاعفة معدلات الاستثمار، والتوظيف لا يستطيع القطاع الخاص الوطني، التصدى له وحده، ولهذا كان من الضروري لصندوق الاستثمارات الدخول بكل ثقله، لتحقيق الإنجاز السريع، وحتى يحصد شبابنا ومجتمعنا ثمار التنمية الاقتصادية الحقيقية، وسياسة التنوع الإنتاجي الذي أصبح مرتكزًا أساسيًا للمسئولين السياسات الاستثمارية بالمملكة. ويتوقع المختصون أن يتقلص وإلى حد كبير معدل البطالة عما هو عليه الآن (11.5%) إلى أقل من 8%، عندما تبصر مثل هذه المشروعات الكبرى النور وتصبح أمرًا واقعًا، خاصة وأن الاستثمارات العالمية الضخمة التي ستضخ في المشروع، ستفتح آفاقًا جديدة من فرص العمل في شركات استثمارية كبرى، سيعمل بها ملايين الشباب من الجنسين، وبالتالي تنخفض أرقام البطالة التي تزيد على 700 ألف عاطل، يتمركزون في الشريحة العمرية الممتدة من 22 إلى 32 عامًا، وأكثر من نصفهم يحمل مؤهلات عليا، يعانون مما يمكن أن نطلق عليه (سوء استثمار الكوادر الوطنية). كما سيوفر المشروع كثيرًا من الأموال الوطنية التي كانت تطير للاستثمار في الخارج، فضلاً عن توفير مليارات الدولارات التي ينققها السعوديون في رحلات قد تمتد بالشهر والشهرين بالخارج. ولن يصبح السعودي مضطرًا للسياحة خارج بلاده أو السفر بأولاده إلى دول مجاورة قد يتعرض فيها لا قدر الله إلى ما لا تحمد عقباه، حيث سيجد أمامه كل ما كان يبحث عنه من منشآت ترفيهية ورياضية ومناطق سياحية وفندقية متميزة تخطف أنظار عشاق الرحلات البرية ورحلات السيارات الرياضية (الاوتودروم) فضلاً عن فعاليات وألعاب العالم الافتراضى والخيالى وغيرها من الأنشطة العالمية الترفيهية والتسويقية والتي لا توجد إلا في دول متقدمة يتمتع بالرخاء والرفاهية. إن المدينة العالمية التي سيوضع حجر أساسها بعد شهور، لن تكون مَعلمًا حضاريًّا بارزًا ومركزًا مهمًّا لتلبية رغبات واحتياجات جيل المستقبل الترفيهية والثقافية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية فحسب، وإنما ستكون انتصارًا كبيرًا وتحديًا قويًا للإرادة السعودية الوطنية، ولمجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية، وصندوق الاستثمارات العامة، وللمسئولين عن ترجمة أهداف وخطط برنامج التحول الوطنى والرؤية الاقتصادية السعودية إلى واقع ملموس.