في بلدة العند في اليمن توجد مدرسة اسمها دار السلام.. وخلال موسم للامتحانات في عصر "الحوتي" – بالتاء – الشاويش عبد الله صالح، جلس رئيس مركز الامتحانات ومساعدوه من المراقبين يشربون الشاي قبل ان يقرع الجرس إيذانا ببدء الامتحانات.. ثم توزعوا على قاعات الامتحانات، ولكنهم بدأوا يشعرون بالنعاس والاسترخاء. انتبه رئيس المركز الى ان طالبين شربا الشاي مع المراقبين من نفس الإناء (الدلة) أصيبا أيضا بالنعاس، فجرجر أقدامه وأبلغ مدير مكتب التربية بالمحافظة بما حدث، وتم فحص دلة الشاي في مختبر، واتضح انها تحوي حبوبا مأخوذة من شجرة تسمى البنج لكونها ذات خواص تخديرية. وتولت الشرطة القضية بعد ان اتضح ان مجموعة ما عمدت الى تخدير مراقبي الامتحانات حتى يكونوا في «وادٍ» والطلاب في وادٍ آخر. خلال سنوات عملي بالتدريس في المرحلة الثانوية في السودان، لم يكن الغش ظاهرة مقلقة، كان في معظمه يقتصر على مد العنق لرؤية ما يكتبه المتفوقون. وفي ذات عام أبلغنا حارس المدرسة ان طالبين يأتيان بانتظام الى المدرسة في الأمسيات ثم يتسللان الى دورة مياه معينة بالتناوب. توجهنا الى دورة المياه تلك أنا وزملاء لي من هيئة التدريس ووجدنا عليها قفلا (طبلة) رخيصا من النوع الذي يمكن فتحه بعطسة قوية.. وأدركنا ان المسألة فيها «إنَّ» نجحنا في فتح القفل بسهولة، وفوجئنا بدورة مياه تشرح الصدر.. جدرانها مطلية بكفاءة واحتراف ومغطاة بالخرائط والقصائد ومعادلات الكيمياء والرياضيات. يعني تحول الحمام الى برشام أثري تتوارثه الأجيال كما النقوش التي في المباني التاريخية.. واستنتجنا ما كان يرمي اليه الطالبان.. وبدأت الامتحانات وعيوننا عليهما. بعد نحو نصف ساعة من بداية الامتحان الأول طلب أحدهما الإذن للذهاب الى الحمام، وبكل براءة قلنا له: تفضل، وكالعادة أمرنا أحد الفراشين بمتابعته حتى باب الحمام.. كنت انظر اليه من بعيد: أخرج المفتاح وفتح القفل ثم خرج مسرعا، ثم دخل وخرج من كل الحمامات وهو يتصبب عرقا. وعاد الى قاعة الامتحانات، ووجهه يلعن قفاه، وبعدها بدقائق طلب زميله الإذن بالذهاب الى الحمام فكان له ما أراد، فدخل وخرج من عدة حمامات وهو مصاب بالذهول. فقبل بدء الامتحانات بساعات قليلة قمنا بإعادة طلاء الحمام «المثقف» حتى ارتدّت جدرانه الى الأمية، لأننا مسحنا كل ما عليها من معلومات ورسومات. وبعد الامتحان حدثناهما ب«الحكاية».. فشعرا بالخجل.. والغريب في الأمر ان كليهما نجح في الامتحان لأن الجهد الذي بذلاه في تسجيل المعلومات في المرحاض أسفر عن ترسب بعض المعلومات في رأسيهما، والشاهد هو أن الجهد الذي يبذله الطالب في إعداد وصفات الغش "البرشام" هو نوع من المذاكرة المجدية ولو اكتفى بما سجله دماغه لما وقع في المحظور الذي قد يؤدي الى قطع مساره الاكاديمي. رابط الخبر بصحيفة الوئام: الامتحانات وعباقرة «الغش»