تنكأ الجراح.. و تذرو عليها الملح.. ملح الغربة.. و يا لقساوة طعمه.. و مر مذاقه.. لكأني بي في بواكير قطرات المطر تبلل جبهتي.. و تتساقط على خديّ.. وأنا آل جهدا في إبعادها.. فيديّ مشغولتان: إحداهما باحتضان دفتر محاضرات تملؤه قصائد و أشعار و خواطر بريئة.. و الأخرى مدفونة داخل جيبي تلتمس بضعا من دفء مكنون.. لكأني بي و أنفاسي تشكل سربا من دخان.. لقطار يلهث متعبا.. ما فتئ هذا البخار يسابقني.. يجري أمامي.. يبعث الضجيج من حولي.. و الدفء في داخلي.. يختلط بين الفينة و الأخرى بدخان سيجارتي المعتقة.. فيشكل مزيجا من لذة و دفء.. و حياة.. اطراف بنطالي مبلولة.. بقطرات المطر.. و أي مطر: مطر الوطن.. خصلات شعري تتهادى بكسل و دلال على جانب جبهتي.. مثقلة بحبات المطر: مطر الوطن صفحات دفتري مخضلة و ذائب جوانبها.. مشبعة بقطرات المطر: مطر وطني أيضا.. قطرات تتساقط من فوق الأغصان.. أغصان شجرة جرداء.. تتمسك جاهدة .. تأبى السقوط.. تحاول.. تتمسك.. لكن تجذبها الأرض.. الأرض المتلهفة.. فتستسلم لقدرها.. و ترخي يدها.. و تستقبلها الأرض كأم رؤوم تخفيها بين جنباتها.. مرآة لسيارة قديمة هناك.. تدلف قطرات من مطر.. كدمعات عذراء مفارقة وليفها.. قناة صغيرة هناك.. حديثة الولادة.. تقطع الطريق على نملة تحمل بذرة.. أدركت بأنها أخطات في التوقيت.. فتاة تقف باستحياء على قارعة الطريق بانتظار وصول الباص ..تدفن و جها داخل ياقة بلوزتها الصوفية.. و خصلات شعرها تعاتب الشال الذي انزلق بفعل الريح و قطرات المطر.. نفس المطر.. والدي منتعل جزمته السوداء الطويلة.. يرنو بعينيه للسماء.. يرفع يديه للسماء.. لرب السماء.. قلبه يدعو ..لسانه يدعو.. أن لا ينقطع المطر.. والدتي الحنون.. أجفلها الصوت.. صوت المزاريب.. أسرعت تجمع الأشياء و تدخلها بغير نظام.. خوفا من الزائر المفاجئ.. و تسأل عن الأبناء جميعهم.. خوفا عليهم و قلقا.. و فوق ذلك كله.. و الأقرب للقلب.. بل هو القلب.. رائحة الأرض.. رائحة التراب.. ساعة يخالطه المطر.. هي الأجمل.. هي الأذكى.. هي العشق.. هي الأب.. هي الأم.. هي بعض ذاك أو كله معا.. بل.. بل هي الوطن.. د/ابراهيم مصالحه رابط الخبر بصحيفة الوئام: جراحات المطر