مطرنا يشبهنا كثيرا ، إننا غالبا نغضب سريعا ونسكت سريعا .. وهو كذلك إنه ليس هتانا ناعما يستمر يوما أو يومين ،دوليس مطرا ودقا جميلا تتراقص فقاعات جميلة في تكوّن بحيرات صغيرة سرعان ما تختفي بدفع القطرات القادمة نحو مجاري الشارع من ثم للبحر ،مطرنا يشبهنا كثيرا . يأتي وكأنه يعاقبنا زاعقا راعدا محملا ببروق تبدو مخيفة ... ثم يصب بقوة وعنف ، بينما لا نملك مجاري ولا طرقا نحو البحر .. وهو يشبه انفسنا عندما تكون بها بحيرات الألم الذي سرعان ما نخنقه حتى قد نحتاج لمعالج نفسي .. مطرنا يشبهنا ، ونشبه نحن أرضنا العطشى ، تشرب المطر حتى تغص به ، وعندما تغص تلفظه لنا لنغوص في البرك المهملة .. ونحن نغص كثيرا بالماء فلا نملك ان ندفعه بشيء آخر .. مطرنا يشبهنا كثيرا ، عصبي المزاج ، لا يعرف كيف يقدم نفسه كمطر خفيف جميل به لذة كما كنا نشعرها قديما ونحن نشم رائحة جدران الطين المبتلة ، ولا على موسيقى تدفق المزاريب بالمطر وهو يغني لنا ، فنرقص له .. مطرنا اختلف كثيرا واصبح سببا لأن تتعرقل الطرق وتغلق المدارس وقد يحدث الصعق الكهربائي في بعض أحيانه . وتتكون بحيرات بلون أسود في الطرقات .. يهطل سريعا ، يغادر كما أتى تاركا لنا مخلفات كثيرة ، وأنفساً قد تكون مجروحة كما فعل بنا في جدة .. فيحق المثل القائل إننا نغرق في شبر ماء .. فرحته الجميلة بداية وهو يتساقط تأكلها الرعود والبروق . ترتجف قلوبنا من خوف الصواعق .. وصواقعنا كثيرة ومثيرة ومقززة في أحيان كثيرة .. وصواقع المطر أهون بكثير من صواقع البشر .. ورعوده وبررقه رغم الخوف أهون ألف مرة من الصواعق القادمة عبر النار والدمار من خلف بحر الظلمات .. وكما يعبد الياباني القديم الزلازل والبراكين ويقدم القرابين ، أصبحنا نتوقى شر القادم وندفع القرابين بحيث لم يعد لدينا قرابين للوهب . مطرنا يشبه غضبنا عندما نغضب نثور ونزعق ونملأ الدنيا صراخا ثم ننسحب ونترك الميدان بجروحه ونحمل معنا أيضا جراحاتنا .. كما يفعل المطر بنا . هو مطرنا أبيض يترك دثار سواد ، وحريق الصواعق المؤلمة أسود مع رماد يحجب الرؤية .. وكم تحجب الرؤية لدرجة قد نعتاد النظر من خلال الدخان ، حتى نصاب بالعمى .. وهو عمى لا علاج له .. مطرنا فاضح ، ونحن لا نحب الفضيحة وربما هذا الخلاف بيننا وبينه ، نثور ضد الفضيحة ونصرخ ونستصرخ .. ثم نهدأ بعد تغير اتجاه البوصلة في خراب الجسور والأنفاق لمقاولي الباطن ، إذ مقاولو الظاهر (الشركات الكبرى) لاشأن لها وتعرف كيف تخرج نفسها بسهولة و(براءة الأطفال في عينيها) .. ومن ثم تضيع الأمور بين قاضي محكمة وسكوت .. وكارثة أخرى ، يتجه مؤشر غضبنا لاتجاه آخر .. مثل حريق مدرسة للبنات أو قتل طالبات جامعيات بالطريق ، ووزير النقل لا يدري والجامعة لا شأن لها لكن السائق لم يأخذ حذره وهو يسير في طريق طويل ، مسافة 600 كيلو . وكذا السائق الآخر متهور .. وما ذنب الكبار عندما يتهور الصغار .. !! اما حريق المدارس ، فالبنات عبثن ، وهو ذنبهن ، ولابد من أن يتوجه الغضب نحو الصغيرات الغضات جسدا وفكرا ،لا للمدرسة ولا لوسائل السلامة المعطلة ولا للحديد والسلاسل ،كله من البنيات ..لا الدفاع المدني ولا الوزارة .. كله كما يقول المصريون (بالسليم). ألا ترون معي أن مطرنا يشبهنا في أحايين كثيرة، ويختلف عنا في بعض أحايين قليلة؟