حاولت أن أكون دبلوماسيًّا، حين علمت أنّ الدّبلوماسيّة هي فنٌّ يقوم على الاختزال في الكلام، مثلاً أن تقول في عشر كلمات "ما يمكن أن تقوله بشكل أفضل في كلمتين"! يعني كن ثرثارًا، وانسَ أنّ (خير الكلام ما قلّ ودلّ، ألا ما أكثر وأضل)! حاولت أن أكتب قصّة، فقالوا: (لا تدع الحقائق أبدًا تدخل رواية قصّة جيّدة) يعني كن كذّابًا، وأنسَ مقولة (الكذب مهواة والصّدق منجاة)! حاولت أن أبني نفسي وحياتي فقالوا لي: (نسيان التّاريخ عامل أساسي في بناء الأمم والأفراد)! يعني كن طارئًا على الحضارة وعش بلا ذاكرة أو هويّة، وأنسَ مقولة: ومَنْ وَعَى التَّارِيخَ فِي صَدْرِهِ أضَافَ أعْمَارًا إلى عُمْرِهِ! حاولت أن أكون مفكّرًا فقالوا لي: إنّ الكرة الأرضيّة لم تعد كرويّة، صارت غرفة مربّعة بمقاعد خشبيّة، وكتب مهملة، وعيون نصف مغلقة، وعقول مغلقة تمامًا، وتلفزيون متواصل البث، يدعونا للتّكيّف مع الانهيار.. وكل ما يفعله الكُتّاب في كتاباتهم هو محاولة تدمير الجدران الأربعة في الغرفة المربّعة، وإعادة الأرض إلى شكلها الكروي، والتّأكيد على أنّ قلوب المفكّرين لم تعد جهازًا ثانويًّا في جسم ثانوي..)! يعني أكتب أو لا تكتب فأنت في كلا الحالتين نادم ومتعب، وأنسَ أن تجاهد بالكلمة، فالكلمات طعام من ضريع لا تسمن ولا تغني من جوع! حاولت أن أعشق الجمال فقالوا لي: إذَا لاحَ الجَمَالُ، وَضَعْتُ كَفِّي عَلَى قَلْبِي مَخَافَةَ أنْ يَذُوبَا رحمتُ قلوبَ من عَشِقوا جَميعًا ومن عرف الهوى، رَحِمَ القُلُوبا! يعني كن عبوسًا قمطريرا، وامتعض حين ترى الحسن والجمال، وأنسَ مقولة: (إن الله جميل يحب الجمال!) حاولت أن أكون متعلّمًا فقالوا لي: إذَا التَّعليمُ لمْ يجعلكَ حرًّا فاعْمل في حدائِقه الفُؤُوسا يعني- وأنت تتعلّم في العالم العربي-من المستحيل ان تكون حرا ،لذا كن جاهلاً، وأميًّا، وأنسَ مقولة: (أطلب العلم ولو في الصِّين)، لأنّ الحرية غير موجودة لا في النّفس ولا في الوعي! حاولت أن أكون عاقلاً فقالوا لي: وكيفَ يطيقُ قيدَ العَقْلِ قلبٌ يُرَفْرفُ في ضُلُوعي كالطُّيُورِ وهلْ يَرْضَى بِسِجْنِ العَقْلِ إلا قُلُوبٌ في القَسَاوةِ كالصُّخُورِ وللعُقَلاءِ نَهْجٌ حَيْثُ سَارُوا وللشِّعْراءِ نَهْجٌ فِي المَسِيْرِ يعني كن حالماً منطلقاً مجنونا في ملكوت الفضاء والأحلام، وأنسَ قول العرب: ألمْ تَرَ أنَّ العَقْلَ زينةٌ لأهْلِهِ وأنّ كمالَ العَقْلِ طُولُ التَّجَارِبِ حسنا ماذا بقي ؟بقي القول مع السلامة أحمد عبد الرحمن العرفج [email protected] تويتر arfaj1 رابط الخبر بصحيفة الوئام: محاولات تغتالها هجمات مرتدات!