كلما حاولت الإبحار في مكتبتي المنزلية المتواضعة صوب أي مرفأ من مرافئ العلم والمعرفة مستخدما كتابا أو مرجعاً كمركب يوصلني إلى معلومة جديدة تسكن الذاكرة وتنجيني من جهل المعاني أجد أن مرفأ الفلسفة وسير الفلاسفة تجذبني بجمال العبارات ومذاق المواقف لكنني سرعان ما أبحث عن شراع أستخدمه ليبعدني عن هذا المرفأ حتى لا أغرق في قاعه ويشار إليَّ أنني فيلسوف بكلماتي. ومع ابتعادي عن الفلسفة وجدت أن المركب الذي امتطيته خلال الأسبوع الماضي كان أسرع من توقعي إذ سرعان ما أخذني نحو مرفأ الفلسفة ليوقفني أمام رصيف الفيلسوف اليوناني سقراط لأتوقف أمام شخصية من الصعب سبر أغوارها وتحليل منطقها فهو من اشتهر بمقولة “ إن ارتكاب الأخطاء هو نتيجة للجهل وأن من يرتكبون الأخطاء يفتقرون إلى معرفة ما هو صحيح “ وهي مقولة تخالف ما يردده البعض من العامة “ من يعمل يخطئ ومن لا يخطئ فهو لايعمل “ ولا أعرف كيفية الربط بين المقولتين لكني أؤكد أن مقولة سقراط هي الحقيقة التي يحاول البعض تجاهلها فارتكاب خطأ ما يعني جهلا بالعمل الذي يؤديه الشخص. وماجعلني أتذكر هذه المقولة وأسعى نحو سبر أغوارها ما بت ألحظه بين الفينة والأخرى لأناس كانوا بالأمس عقلاء مؤهلين لكنهم سعوا نحو البريق بخطأ فادح ارتكبوه ظانين أنهم على الحق يسيرون ووسط المجتمع محترمين ! وان كان سقراط قد مضى منذ أن مضى العصر اليوناني فما نراه اليوم من أخطاء يرتكبها البعض تعيد إلى الذاكرة تلك القرون الماضية خاصة حينما تبرق أمامنا صور لأفراد كانوا بالأمس يبحثون عن مقعد وأصبحوا اليوم يقبعون على مقعد وثير ومكتب أنيق وإضاءة خافته ! فهل هم جهلاء كما قال سقراط أم نحن الجهلاء لأننا تركنا شخصيات كرتونية تتراقص أمامنا تعطي من اللسان حلاوته وتقذف من تحته سموما قاتلة تبثها لإثارة الفتن والمؤسف أننا نظن أنها شخصيات محملة بالعلم والمعرفة والخبرة واللباقة حينما ننظر إليها لكن واقعها يخالف ذلك. وان كان الجاهل في نظر سقراط هو من ارتكب الخطأ نتيجة للجهل فالجاهل اليوم هو من يحسن الظن في الآخرين فيسعى لمد يد العون والمساعدة لمن لا يستحقون ليجد بعد مساعدته لهم أنيابا مكشرة وعيوناً حاسدة وقلوباً حاقدة. أنلغي حسن الظن في الآخرين ونوقف أيدينا عن مساعدة المحتاجين ؟ من الصعب أن نسير على هذا النهج خاصة وأن سقراط الذي نصح وأرشد لم يقف حاقدا أو حاسدا حتى على زوجته التي سكبت الماء الساخن على رأسه وتقول الرواية : “ إن سقراط كان جالسا على مكتبه يقرأ ويكتب وكانت امرأته تغسل الثياب فراحت تحدثه بأمر ما وبلهجة حادة فلم يرد عليها وهنا ارتفعت حرارة الغضب عند المرأة فتقدمت منه وصبت فوق رأسه الماء الساخن من وعاء كبير فقال سقراط : أبرقت ثم أرعدت ثم أمطرت “.