قالت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين أن إقدام إيران على طرد الناطق السابق باسم تنظيم «القاعدة» سليمان أبوغيث هو أمر يبدو مؤشراً الى وجود حملة مطاردات ضد الجماعة التي طالما منحتها إيران ملاذاً آمناً في داخل حدودها. فأبوغيث، زوج ابنة اسامة بن لادن الذي كانت الكويت قد أسقطت جنسيته، هو ثالث قيادي بارز في التنظيم يغادر ايران خلال السنة الماضية بعد إقامته فيها لسنوات في «فراغ قانوني» ما بين «منزل استضافة» والاقامة الجبرية. وقال مسؤولون وخبراء إرهاب أميركيون إن ذلك الموقف الأكثر تشدداً (إزاء التنظيم) يبدو انه يعكس توترات متنامية بين رجال الدين الشيعة من ناحية و«القاعدة» من ناحية ثانية، ولا سيما حول الحرب الأهلية الدائرة حالياً في سورية، إذ ان كل جانب منهما يؤيد أحد الطرفين المتقاتلين في تلك الحرب. وفي الوقت ذاته، يقول محللون ومسؤولون أميركيون ان وكالات استخباراتية غربية ترى خطوات من جانب إيران في اتجاه المحافظة على العلاقات مع تنظيم «القاعدة»، وذلك من خلال السماح للتنظيم باستخدام الأراضي الإيرانية كطريق عبور من وإلى أفغانستان. فخلال مقابلة صحافية أجريت معه، قال ديفيد كوهن الذي يشغل منصب وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الاستخبارات المتعلقة بالإرهاب وتمويله: «نحن نعتقد أن ايران مازالت مستمرة في السماح لتنظيم القاعدة بتشغيل شبكة عابرة للحدود تنقل أموالاً ومقاتلين لحساب القاعدة من خلال إيران، وذلك بهدف دعم أنشطة التنظيم في جنوب آسيا». وفي سياق تسليطه الضوء على الطبيعة المتناقضة أحياناً التي تتسم بها تلك العلاقة، قال كوهن ان تلك الشبكات العابرة ذاتها ترسل «تمويلاً ومقاتلين الى سورية»، حيث يقاتل اسلاميون مسلحون مرتبطون ب «القاعدة» ضد القوات النظامية (السورية) المدعومة من جانب إيران. وهناك مجموعة من المقاتلين التابعين لجبهة النصرة التي قالت وزارة الخارجية الأميركية انها مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في العراق، وهي المجموعة التي تعتبر واحدة من أقوى التشكيلات المسلحة المناوئة للحكومة في سورية». وألقت وثائق، كان قد تم الحصول عليها من مقر اقامة اسامة بن لادن في بلدة أبوت أباد الباكستانية في وقت سابق، مزيداً من الضوء على العلاقة بين «القاعدة» وايران – وهي العلاقة الذي حافظ عليها الطرفان على الرغم من انعدام الثقة والخلافات الحادة بينهما حول الايديولوجيات والتكتيكات. وتعليقاً على تلك العلاقة قال بروس ريدل الذي كان ضابطاً سابقاً في ال «سي.آي.اي» ويعمل حالياً مستشاراً لمكافحة الإرهاب في إدارة أوباما: «انها علاقة مصلحة، مع وجود بعض الحواف الوعرة جداً». ولسنوات، اشتملت تلك العلاقة على سياسة غير معلنة رسمياً تقوم على أساس منح ملاذ آمن لأعضاء تنظيم القاعدة الذين فروا من أفغانستان وغيرها الى ايران في أعقاب هزيمة حكومة «طالبان» في أفغانستان في أواخر العام 2001. فلقد سمحت ايران لعدد من مسؤولي ومنتسبي تنظيم القاعدة – بمن في ذلك إحدى زوجات بن لادن وعدد من أبنائه – بالاقامة في شرق ايران بحرية في بادئ الأمر، لكن لاحقاً تحت شكل فضفاض نسبياً من أشكال الاقامة الجبرية. ويقول مسؤولون أميركيون ان تلك القيود كانت استجابة لضغوط غربية، كما انها كانت اجراء وقائياً ضد أي إساءة سلوك من جانب «القاعدة» على الأراضي الايرانية. لكن بعد مرور عقد من الزمن، تبدو ايران وكأنها قد سئمت «ضيوفها». وأوردت وسائل إعلام إيرانية الخميس الماضي ان مسؤولين أمنيين قاموا قبل فترة قصيرة بإلقاء القبض على ثلاثة من أعضاء تنظيم «القاعدة»، ونقلت وكالة «فارس» شبه الرسمية عن قائد عسكري رفيع المستوى قوله ان إلقاء القبض على أولئك الثلاثة تم خلال عمليات أمنية حدودية. لكن لم يتم اعطاء أي تفاصيل أخرى. ونقلت الوكالة عن الجنرال علي حاجيلو قوله: «لقد ألقينا القبض خلال الأشهر القليلة الماضية على ثلاثة من أعضاء تنظيم القاعدة في المناطق الحدودية الغربية للدولة وسلمناهم الى السلطات المعنية». وكان أولئك الثلاثة قد غادروا إيران العام الماضي، على الرغم من انه لم يتضح ما إذا كان قد طُلب منهم أن يغادروا أو انهم رحلوا بإرادتهم المحضة. وعلى ما يبدو فان سليمان أبو غيث لم يُمنح اي خيار، وذلك وفقا لرواية من جانب مسؤولين اميركيين ودعمتها مواد نشرتها مواقع جهادية على الانترنت فذلك الناطق الرسمي باسم «القاعدة» والخطيب السابق كان قد طُلب منه العام الماضي أن يغادر ايران إلى الكويت. وقال دان بايمان الخبير في مجال مكافحة الارهاب لدى معهد «بروكينغز»، إن الطريقة التي طُرد بها أبوغيث (من ايران) بدت محسوبة بهدف أن تؤدي في النهاية إلى إلقاء القبض عليه، وهو الامر الذي يشير إلى أن ايران بدأت تعطي اشارة نحو حدوث تحول في العلاقة مع «القاعدة». وأضاف بايمان: «لقد كانت نقلة كبيرة أن يتم ارساله ليس إلى باكستان، ولكن في الاتجاه المعاكس، ما نراه حاليا هو سياسة اكثر مجابهة قليلا من جانب القاعدة، وهو الامر الذي يوحي بان ايران قد باتت اقل ارتياحا ازاء استضافة اولئك الناس». والواقع أن ذلك الشعور يبدو متبادلا، مثلما لوحظ في الاتصالات التي تمت بين مسؤولين في تنظيم «القاعدة» خلال الاشهر التي سبقت اغتيال بن لادن في مايو 2011. ففي رسالة الكترونية يرجع تاريخها إلى مايو 2010، كتب بن لادن: «الايرانيون ليسوا محل ثقة». في ذلك الوقت، كانت ايران قد قررت أن توافق على طلب من جانب «القاعدة» بالسماح لبعض من افراد اسرة بن لادن بالسفر إلى باكستان. لكن بن لادن خشي من أن الايرانيين قد يتجسسون على اقاربه أو يستدرجونهم إلى فخ. وكتب بن لادن: «من الممكن انهم قد يزرعون شرائح الكترونية في متعلقاتهم من اجل التنصت». وقال محللون ومسؤولون اميركيون إن ايران سعت على ما يبدو إلى ابقاء «ضيوفها» المنتمين إلى «القاعدة» تحت السيطرة المدروسة، إذ راحت تمنحهم مزايا وتحجبها عنهم بالتناوب كي تبقيهم معتمدين عليها. وقال محللون إن تلك الاستراتيجية اسهمت في ضمان عدم اقدام تنظيم «القاعدة» على مهاجمة الحكومة الايرانية، كما انها سمحت لايران بالمحافظة على خيار التعاون مع التنظيم في تنفيذ هجمات ضد اهداف غربية في حال تعرّض ايران لأي هجوم. ولا يرى مسؤولون اميركيون اي دليل يثبت وجود دعم ايراني مباشر لهجمات «القاعدة» في الولاياتالمتحدة او في دول غرب اوروبا، لكن ايران لها تاريخ طويل في مجال دعم الجماعات التي تعمل بالوكالة، وهي الجماعات التي يمكن ان تضرب ضد اعداء ايران بينما تبقى طهران بمعزل عن المسؤولية، وفقاً لما قال ريدل. واضاف ريدل: «بوسع المرء ان يتصور موقفاً قام الايرانيون فيه بدعم القاعدة بحرص شديد في تنفيذ هجمات ضد الولاياتالمتحدة، طالما ان تلك الهجمات ستبدو من تنفيذ القاعدة، ودون وجود اي بصمات ايرانية». والواقع ان موافقة ايران على السماح ل «القاعدة» بتشغيل طرق عبور حيوية عبر اراضيها هو امر يمنح القادة الايرانيين رصيداً بوسعهم ان يسترجعوه لاحقاً، وفقاً لما يراه ريدل ومسؤولون اميركيون حاليون وسابقون. فخط امدادات المقاتلين والاموال الذي يمر عبر ايران يعمل منذ سنوات، معتمداً في ذلك على شبكة من «وسطاء التسهيل» الذين يعيشون على امتداد طريق العبور ويوفرون حلقة وصل حيوية لمصادر التمويل والعناصر البشرية في دول الخليج. وخلال الاشهر ال 18 الماضية، فرضت وزارة الخزانة الاميركية عقوبات على 7 رجال متهمين بتشغيل خط الامدادات ذاك، وهو الخط الذي يقوم بتسيير مقاتلين متطوعين واموال عبر ايران الى داخل افغانستانوباكستان.بحسب الرأي الكويتية. وعلى عكس عمليات تهريب المخدرات التي تتم عبر الطرق الحدودية ذاتها، فان تهريب تنظيم «القاعدة» للمقاتلين والدولارات يحمل ختم موافقة رسمية، وفقاً لما قاله كوهن الذي اضاف: «انهم يعملون بموجب اتفاق مع الحكومة الايرانية». رابط الخبر بصحيفة الوئام: أمريكا : أبو غيث دفع ثمن خلافات إيران مع القاعدة حول سورية