نقلب صفحات الماضي في ذاكرتنا نجد أنفسنا وبدون شعور منا نسترجع الذكرى المؤلمة والمحزنة، لنجلس أمام أنفسنا في صمت قاتل وكأننا لا نرى أحدا أمامنا سوى شريط يتلوه شريط، يغزو ذاكرتنا فجأة ليعود بنا وبدون شعور منا إلى أحزان قديمة كانت كفيلة لتدمير أرواحنا وانهيار مستقبلنا، لتتركنا خلف قضبانها.. خاضعين لأوامرها الأزلية.. هكذا البعض منا نجده يستسلم لماضيه التعيس يبكي على أطلاله، ليثور بصرخات الندم والحسرة ويتلفظ بعبارات (ياليت، ولو فعلت) ليبقى أسيرها بقية حياته يندب حظه تارة، ويندب من حوله تارة أخرى وكأنه كان مسيرا من قبلهم، لا من قبل ذاته المتحسرة على ضياع أحلامه محملة الماضي ذنبا ليس ذنبه، طباع بشريه لطالما أحبت الخلف والنظر إلى الوراء وكأن أشباح الماضي تطاردها.. يقول وليام شكسبير "نحن نحب الماضي لأنه ذهب، ولو عاد لكرهناه". فالماضي تساقطت أوراقه وتناثرت مع الريح لتبقى سنابل الحاضر بين أيدينا فلا تدعوها تذبل لتلحقوا ما سحقته الرياح.. فلا بد أن ندرك أن كل عقبة وكل فشل وكل ألم وإحباط في ماضينا يحمل معه بذور منفعة أقوى قي الوقت الحاضر.. يقول الروائي العالمي (باولو كويلو) في روايته الشهيرة (الخيميائي) "لأنني لا أحيا في ماضي، ولا في مستقبلي. ليس لي سوى الحاضر وهو وحده ما يهمني، إذا كان باستطاعتك البقاء دائما في الحاضر، تكون عندئذ إنسانا سعيدا". من الغباء أن نستحضر الماضي في وقتنا الحاضر لأنه سيقيدنا عن الحركة وعن مواصلة حياتنا كما ينبغي.. العيش في الماضي بمثابة دفن الروح وهي ما زالت تعانق الحياة بتواجدها المسلوب منها.. لنضع الحاضر نصب أعيننا ولا نفكر إلا به كي لا تسقم عقولنا وتشيخ أحلامنا من التفكير في الماضي الراحل، والمستقبل المجهول، قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "لا تحمل هم الغد فقد لا يأتي الغد فتكون قد ضيعت سرور اليوم". ولنجعل الأمل لما هو آت مفتاح وصولنا، حتى نعيش حاضرنا بكل تفاصيله، ونخطط لمستقبل زاهر بكل تفاؤل، وكي لا نقحم صفحات الماضي بين الحاضر والمستقبل، ولندع قطار حياتنا يواصل مسيرته دون النظر إلى الخلف أو الإسراع للأمام.. فلن يتركنا الله فالأيام قوافل ستحملنا معها وتدخلنا في ضجيجها لتيقظنا على صخب الحياة مجددا.