لا يبدو أن مؤلف رواية "الخيميائي" سيكون مشغولاً الليلة بمتابعة نتائج مهرجان "كان" السينمائي, وذلك لأنه على عكس ملايين البشر لا يرى في المهرجان سوى نافذةٍ لتسويق نموذج فاسدٍ للحياة, وقد سعى في روايته الأخيرة "الرابح يبقى وحيداً" إلى تأكيد هذا المعنى عبر حكاية بوليسية تتغلغل في أروقة "كان" وتفضح مظاهر الزيف المحيطة به. ويحكي البرازيلي باولو كويللو في روايته هذه مجموعة من القصص التي تتقاطع مع بعضها البعض وتجري أحداثها في يوم واحد من أيام "كان" وأبطالها هم ضيوف المهرجان؛ من ممثلة مغمورة تسعى للحصول على فرصة حياتها, إلى نجم من نجوم عالم الأزياء يبحث عن عارضةٍ تروّج لتصاميمه الجديدة, إلى مخرج يبحث عن وجه نسائي مقبول, وأمام كل هؤلاء يقف القاتل الروسي الذي جاء من موسكو تدفعه الرغبة لإفساد المهرجان وارتكاب الجرائم فقط من أجل أن يلفت نظر حبيبته التي تركته قبل سنوات وتتواجد الآن في المدينة الفرنسية برفقة حبيبها الجديد. وطبعاً مع باولو كويللو لا تنتظر بناء محكماً للحدث, ولا حبكة قصصية متقنة, فهو ليس إمبرتو إيكو ولا ماريو فاراغاس يوسا, ولا حتى دان براون, إذ يكفيه فقط أن يوجِد الخطوط العامة للقصة, ثم يقوم بتطعيمها بالنصائح والمواعظ الأخلاقية, لذا يصح القول إنه واعظٌ لا روائي, وهذا يتجلى في أعماله كلها بدءاً من "حاج كومبوستيلا" إلى "ساحرة بورتوبيلو" ومروراً بالطبع بأعماله الشهيرة "الخيميائي" و"إحدى عشرة دقيقة" و"الزهير" و"الشيطان والسيدة بريم". غلاف «الرابح يبقى وحيداً» وروايته الأخيرة "الرابح يبقى وحيداً" ليست بدعاً من هذا, فهي فقيرة من ناحية البناء القصصي, ومكشوفة, لكنها غنية بالتأملات في حال المنتمين لصناعة الترفيه, مع تركيزها على حالة القلق التي تنتاب هؤلاء من المستقبل المجهول, فالممثل الذي ينجح الآن قد لا يكرر نجاحه في فيلمه المقبل, لذا يعيش حياته مقامِراً للأبد.. وقلقاً من الخطوة التالية. باولو كويللو في رواياته السابقة يحثنا باستمرار على البحث عن الكنوز الداخلية التي يحملها كل واحد منا, والتي يحول بيننا وبين الحصول عليها انشغالنا المستمر بالمظاهر الخدّاعة التي تضخّها الحداثة, عبر أدواتها المعروفة, تلفزيون وسينما وإذاعة وإنترنت.. أما في عمله الأخير فكأنه يأخذ بيدينا إلى المقر الذي تصنع فيه هذه الأوهام, وهو مهرجان "كان" بكل ما يمثله من ثقل, ورمزية, في عالمي السينما والموضة, وذلك لكي ندمر هؤلاء الذين دمروا حياتنا. وبالنسبة لرجل يحمل مثل هذه الصورة السلبية عن المهرجان, مثل باولو كويللو, فإنه لا يعنيه من سيفوز الليلة بالسعفة الذهبية, ولن ينجرف خلف الصور البراقة التي تبثها أروقة "كان", لأنه يعلم أن هذه الصور إنما صُنعت من مواد كلها أوهام وأكاذيب.. ودماء.