قال تعالى في كتابه الحكيم: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" سورة الملك. المسلم إنسان إيجابي يعيش في حركة فكرية ونفسية وجسدية بناءة، بعيداً عن السلوك التخريبي الهدام، رافضاً التحجر والجمود، لا يرضى بالسلوك الانهزامي الذي يتهرب به من نشاطات الحياة، ويبتعد عن مواجهة الصعاب، لأن الإسلام يبني في شخص المسلم الروح الإيجابية التي تؤهله للعطاء وتنمي فيه القدرة على الإنتاج والإبداع، بما يفتح له من آفاق التفكير والممارسة، وبما يزوده به من بناء ذاتي، ودافع حركي، ليعده إعداداً إنسانياً ناضجاً لممارسة الحياة بالطريقة التي يرسمها، ويخطط أبعادها الإسلام، لأن الحياة في نظر الإسلام: عمل، وبناء، وعطاء، وتنافس في الخيرات:" ولكلٍ وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات". وقد دأب الإسلام على جعل الحياة كلها مجالاً مباحاً للإنسان يمارس فيها نشاطه، ويستثمر فيها طاقته وجهوده عدا ما حرم عليه من أشياء ضارة، أو ممارسات هدامة، قال تعالى: "وقل اعملوا ..". فالمسلم يجد المجال الرحب، والمتسع الذي يستوعب كل جهوده وطاقاته ونشاطه، دون أن يجد الزواجر السلبية، أو يواجه النواهي التي تقتل طاقاته، أو تشل وعيه وإرادته. وبهذا يبقى طاقة حية، وقوة بناءة نهضوية تسدّ ثغر حاجتها بتحقيق رضا الله، وتساهم في تجسيد مضامين الخير، وتشارك في العطاء والعمل. وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يصف هذه الشخصية بقوله: "فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وعلماً في حلم، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتجملاً في فاقة، وصبراً في شدة وطلباً في حلال، ونشاطاً في هدىً، وتحرجاً عن طمع. يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل، يمسي وهمه الشكر، ويصبح وهمه الذكر يبيت حذراً ويصبح فرحاً، حذراً لما حذر من الغفلة، فرحاً بما أصاب من الفضل والرحمة، إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب، قوة عينه فيما لا يزول، وزهادته فيما لا يبقى، يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، بعيداً فحشه، ليناً قوله، غائباً منكره، حاضراً معروفه، مقبلاً خيره، مدبراً شره. في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم فيمن يحب.لا يشمت بالمصائب، ولا يدخل في الباطل، ولا يخرج من الحق، إن صمت لم يغمه صمته، وإن ضحك لم يعل صوته، وإن بغي عليه صبر، حتى يكون الله هو الذي ينتقم له. نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، وأراح الناس من نفسه، بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة ليس تباعده بكبر وعظمة، ولأنوه بمكرٍ وخديعة".