لم يكن غريباً أن يستقبل المصريون رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان خلال زيارته للقاهرة الاثنين الماضي بلافتة كبيرة معلقة تظهره وهو في وضع تحية العلم ومكتوب عليها "معاً من أجل مستقبل مشرق". فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، خلقت الدراما التركية جسراً من "العشق" المصري بالنموذج التركي، وتحول نجوم المسلسلات التركية مثل "نور ومهند" ، و"ميرنا وخليل" إلى نجوم شباك على شاشات القنوات المصرية الأرضية منها والفضائية، وراحوا ينافسون وبقوة نجوماً بحجم يحي الفخراني، ونور الشريف، وليلى علوي، ويسرا وغيرهم. وامتد الأمر إلى حد تقديم برامج تتحدث عن النموذج التركي، وهو ما حدث في رمضان الماضي من خلال برنامج "بني آدم شو في تركيا" الذي احتل المرتبة الثالثة من بين أكثر البرامج متابعة في القنوات الفضائية المصرية وفقاً لاستطلاع أجرته بوابة الأهرام الإلكترونية. ويرى الكاتب الصحفي والإعلامي محمد صلاح الزهار أنه "خلال السنوات الثلاث الماضية، بدأت القنوات المصرية عرض مسلسلات تركية مدبلجة باللغة الشامية، وتعتمد في الأساس على تقديم دراما وحكايات اجتماعية تهتم بأدق التفاصيل الدرامية وبالصورة الجمالية، وهو ما ساعد على خلق تناغم في الوجدان المصري ما بين روعة الصورة التي يقدم من خلالها العمل الدرامي، وبين تكنيك العرض والكادرات التصويرية الجديدة، والاهتمام بالصور الخارجية، والتوافق بين السيناريو المكتوب والمشاهد التي يتم عرضها". ويضيف الزهار أن "رغبة القيادة التركية في التواصل مع الشعب العربي والمصري أدت إلى تطور الأمر من الاكتفاء بالدراما التركية، التي تحول أبطالها إلى نجوم في الشارع المصري، إلى بث قنوات فضائية تجمع بين البرامج الاجتماعية والسياسية، مثل قناة "تي آر تي" التركية، التي كانت تقدم برنامج توك شو يومي يبث من أنقرة، ويخصص نصف ساعة منه لكي تبث من القاهرة، ونصف ساعة أخرى لبثها من بيروت، ثم تطور الأمر لما هو أبعد لتقديم نشرة أخبار يومية تهتم في كثير منها بأخبار مصر والوطن العربي". وترى الناقدة الفنية ناهد صلاح أن "ارتباط المشاهد العربي بالدراما التركية يحكمه جمال الأماكن التي يتم التصوير فيها، وهي أجواء لم يعتدها المشاهد المصري"، وتضيف أن "القائمين على صناعة الدراما في تركيا بالذات لا يقدمون على فكرة إلا بعد دراسة السوق العربي، فمثلاً عندما وجدوه متعطشاً لعمل وطني عن قضية فلسطين، أنتجوا مسلسل "وادي الذئاب"، الذي نال إعجاب المشاهد بغض النظر عن الأخطاء الفنية التي شابته، لأنه ركز فقط على أحاسيس ومشاعر المواطن العربي بصورة عامة، والمصري بصورة خاصة". وينتقد الكاتب الصحفي علاء الغطريفي من يعتبرهم "محاسيب تركيا ومريديها الذين ملأوا الدنيا تمجيداً في النموذج التركي"، ويرى أن" هناك صحفيين وإعلاميين وسياسيين ينظرون إلى النموذج التركي من زاوية واحدة، وأحدهم ذهب إلى هناك ليرى بعين واحدة وزاوية واحدة، دولة وبشر لا يخطئون، يملكون الحقيقة المطلقة، لا يوجد من بينهم مجرم أو خارج على القانون، وجميع الأشياء منضبطة تسير وفق نسق لا خروج فيه على المألوف". ويضيف الغطريفي أن "الواقعية غائبة عن الجميع، فالتهويل والتهوين هما أساس الرؤية لمصر فى المقارنة بتركيا، فتركيا تحمل مشاكل مجتمعية مثلنا تماماً، لكنها تختفي وراء هالة الدور الإقليمي، وشخصية أردوغان الآسرة، وحكاية النموذج الإسلامي، والغزو الفكري والدرامي لمهند والذين معه".