بعد دعاية مكثفة دامت شهراً، بدأ الأسبوع الماضي بث برنامج بعنوان «الحياة تركي» على شاشة تلفزيون «الحياة» في مصر. ولولا هذه الدعاية لكان الاحتفاء بالبرنامج أكبر، لأنه لا يشذ عن كونه استثماراً لعروض المسلسلات التركية عبر قنوات «الحياة» (ثلاث قنوات، إحداها مخصصة للمسلسلات، كعادة الشبكات الخاصة العربية الآن). وواضح أن الشبكة بذلت جهداً كبيراً في اختيار المسلسلات التركية. أولاً لأنها دأبت على بث المسلسلات الأعلى سعراً... وهي في هذا المجال المسلسلات التاريخية (وفقاً لتقارير صحافية)، خصوصاً «حريم السلطان» في جزءيه، الأول الذي أشبع عرضاً على قنوات الشبكة، من «الحياة 1» الى «الثانية» قبل ان يُرحّل الى «المسلسلات»، وهكذا... ولا يزال المشاهد على موعد مع الحلقات الأخيرة من الجزء الثاني من المسلسل الذي ينتهي الأحد قبل أن يرحّل الى القناة الثانية. لكنّ القيمين على الشبكة لم يكتفوا بمسلسل تاريخي واحد، بل قدموا بين الجزءين مسلسلا آخر هو «أرض العثمانيين» الذي لم يلق نجاح «حريم السلطان»، رغم انه يدخل في إطار المسلسل التاريخي بكل ما يتضمنه من سخاء إنتاجي وبذخ في الملابس والإكسسوارات. من هنا، يأتي بث برنامج مثل «الحياة تركي» مكملاً لخدمة التواجد التركي على الشاشة المصرية، لا عبر شاشة «الحياة» فقط وإنما عبر شاشات «دريم» و «سي بي سي» و «النهار»... وكلها شبكات بدأت بقنوات عامة ثم أكملت المنظومة... لكنّ السؤال الذي يفرض ذاته هو: إذا كان تقديم برنامج مثل هذا ضرورياً، فلماذا يقدم بهذا الشكل القديم، إن لم نقل البائس، خصوصاً أن مقدمة البرنامج سالي شاهين تسافر إلى تركيا لتسجيل مجموعة حوارات مع عدد من النجوم والنجمات الأتراك، لتسألهم أسئلة من نوع: «الناس كانت سعيدة جداً وهي تشاهدك في دور كذا»، أو أن تخبرهم بأن المشاهدين المصريين والعرب «سعداء جداً بكم، فما هو ردكم؟»، ما يضطر الواحد منهم -مثل صاحب دور «مهند» الشهير- بأن يقول لها بصعوبة: «أنا كممان أحبكم... سلام اليكم». لماذا لا يؤخذ برنامج كهذا بجدية، فيقدم حلقات موثقة عن صناعة السينما والتلفزيون في تركيا وعن نوعيات الإنتاج وعلاقة الدولة بدعمه، وهل هناك مسلسلات للمجتمع التركي وأخرى تصنع للتصدير... بخاصة للمشاهد العربي؟ آلاف الأسئلة المهمة كان يمكن البرنامج أن يجيب عنها، لكن ما بدا من حلقاته يكفي للحكم على انه لن يفعل... مع أن هناك أسباباً قوية لأن تهتم القنوات العربية، المصرية تحديداً، بصناعة السينما والتلفزيون التركية. وأول هذه الأسباب هو تدهور صناعة الدراما في مصر، في مقابل الإقبال الكبير من تركيا الرسمية على بلاد النيل، والذي تبدى في مجيء رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان صباح السبت الماضي بطائرة خاصة عليها 350 رجل أعمال من تركيا وفي أيديهم مشاريع جاهزة لمصر. ألا يكفي هذا ليتعامل ملاك شبكات التلفزيون في مصر مع تركيا بأسلوب أكثر جدية مما يصدّره لنا برنامج «الحياة تركي»؟