لم يعرف أي من اللاعبين السعوديين طريقه إلى التألق في الملاعب الأوروبية رغم الطفرة الكبيرة التي شهدتها كرة القدم السعودية في الأعوام الماضية وحقق فيها المنتخب إنجازات إقليمية وقارية وأربع مشاركات متتالية في نهائيات كأس العالم، حيث اقتصر الأمر على محاولات احترافية خجولة فقط. إنجازات المنتخب (الأخضر) تمثلت ببلوغه كأس العالم أربع مرات على التوالي (1994 و1998 و2002 و2006)، والفوز بكأس آسيا ثلاث مرات أعوام (1984 و1988 و1996)، والوصول إلى نهائي البطولة القارية ثلاث مرات أخرى أعوام (1992 و2000 أمام اليابان، و2007 أمام العراق)، بجانب ثلاثة ألقاب في دورة كأس الخليج (1994 و2002 و2003). فضلاً عن تربع الفرق السعودية على عرش الكرة الآسيوية حقبة طويلة ومشاركة النصر والاتحاد في نسختين من بطولة كأس العالم للأندية، إضافة إلى قوة الدوري السعودي الذي ظل فترة طويلة في مقدمة الدوريات العربية. كل هذه الإنجازات لم تؤهل أحد اللاعبين السعوديين إلى التألق في الملاعب الأوروبية نتيجة الإهمال الكبير في ملف احتراف اللاعب السعودي خارجياً، لأن بعض المحاولات جاءت على استحياء لم يكتب لها النجاح. تظل هذه القضية مثار جدل لكنها تتفجر على فترات، وما أعاد النقاش الساخن لهذا الملف "المحير"، ما تردد أخيرا عن احتمال احتراف أفضل مدافع حاليا في الكرة السعودية وأحد الركائز الأساسية للهلال والمنتخب أسامة هوساوي، إذ إنه بحسب تقارير صحفية صار هدفا لأكثر من ناد أوروبي بعد بزوغ نجمه. ويتعين على جماهير الهلال حسم مسألة انتقال هوساوي إلى الخارج من عدمه بعدما طرح رئيس نادي الهلال الأمير عبد الرحمن بن مساعد الأمر للاستفتاء عبر موقع توتير للتواصل الاجتماعي، وجاءت الردود بين مؤيد ومعارض، إلا أن الغالبية اشترطت تجديد اللاعب لناديه قبل رحيله إلى أوروبا، خوفاً من أن يكون احترافه خارجياً محطة للعودة لناد محلي آخر. ورغم ما أفرزته الكرة السعودية من مواهب وما تزخر به حالياً من عناصر واعدة، فإن اللاعبين السعوديين لا يحاكون تجربة لاعبي شمال أفريقيا، خصوصا التوانسة والمغاربة والجزائريين الذين ينتشرون بشكل لافت في أغلب أندية أوروبا. وحتى بالمقارنة مع لاعبين خليجيين، لم يحقق السعوديون النجاح ذاته، فلا يمكن مقارنة تجربة أي لاعب سعودي بما حققه حارس مرمى المنتخب العماني علي الحبسي الذي وقع أخيرا عقد انتقاله إلى ويجان الإنجليزي من مواطنه بولتون مقابل 4ر4 ملايين يورو لمدة 4 سنوات بعد أن كان معاراً إليه. واختير الحبسي (29 عاما) أفضل لاعب في ويجان في الموسم الماضي، إذ حل محل الفنلندي يوسي ياسكيلاينن المصاب قبل أن يصبح أساسيا في تشكيلة الفريق. تجارب خجولة طرق عدد قليل من اللاعبين السعوديين أبواب الاحتراف، منهم فهد الغشيان الذي لعب في نادي الكمار الهولندي، وفؤاد أنور الذي احترف في الصين، وحسين عبد الغني في نيوشاتل السويسري، وسامي الجابر في وولفرهامبتون الإنجليزي، وناجي مجرشي في كوريا الجنوبية، وأحمد الدوخي في قطر. وكان أفضل لاعب آسيوي في عام 2000 نواف التمياط تلقى عرضا من نادي رودا كيركاده الهولندي الذي دفع نحو مليوني دولار للحصول على خدمات اللاعب، لكن لم يتم الاتفاق مع إدارة ناديه الهلال على إتمام الصفقة، كما حالت الإصابة التي تعرض لها التمياط في الرباط الصليبي لاحقاً، دون دخوله عالم الاحتراف بعد ذلك، إذ ابتعد أشهرا عدة عن الملاعب. والأمر ذاته ينطبق على مهاجم الهلال قائد المنتخب السعودي وأفضل لاعب آسيوي عام 2007 ياسر القحطاني الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الاحتراف الأوروبي، لكنه رضخ لطلب ناديه بالبقاء، فضلاً عن الاستجابة للضغوط الجماهيرية بوصفه نجم الفريق الأول. يمكن تلخيص غياب اللاعب السعودي عن الدوريات الأوروبية في عدد من الأسباب، أبرزها يتمثل في تحكم رؤساء الأندية بمصير اللاعبين المميزين وعدم السماح لهم بخوض تجارب احترافية مثلما حدث مع القحطاني. لم تستفد الأندية السعودية من تجربة نظيرتها اليابانية التي تتعاقد مع أندية إيطالية بمقابل مادي من أجل إتاحة الفرصة للاعبيها لخوض تجربة الاحتراف أو حتى التدرب مع الفرق الكبيرة على أقل تقدير لكسب المزيد من الخبرة، بالإضافة إلى عدم اهتمام مسؤولي الأندية الأوروبية والسماسرة بمتابعة الدوري السعودي رغم أنه يضم نجوما ولاعبين من طراز جيد، وذلك لعدم الترويج الإعلامي المطلوب، مع عدم تسويق وكلاء اللاعبين في السعودية للاعب المحلي في أوروبا، فهم مستوردون للاعبين الأجانب إلى الدوري السعودي وليسوا مصدرين للمواهب الواعدة. ومن الأسباب أيضا، سوء نتائج المنتخب السعودي في كأس آسيا الأخيرة التي أقيمت في قطر بخروجه من الدور الأول إثر خسارته مبارياته الثلاث أمام سورية والأردن واليابان، وعدم صعوده إلى مونديال جنوب أفريقيا 2010، فقد قلصت تلك النتائج، حظوظ اللاعب السعودي في الحصول على فرص للاحتراف الأوروبي في الفترة الأخيرة. وعلى سبيل المثال، فإنه عقب مونديال الولاياتالمتحدة 1994 الذي تأهل المنتخب السعودي خلاله إلى الدور الثاني، تلقى نحو 8 لاعبين من الأخضر عروضا من أندية أوروبية، منهم سعيد العويران (صاحب الهدف الشهير في مرمى بلجيكا) وسامي الجابر وأحمد جميل وخالد مسعد وفؤاد أنور. مطالبات بالاحتراف يطالب عميد المدربين السعوديين خليل الزياني بضرورة "فتح باب الاحتراف للاعب السعودي من أجل استمرار نهضة الكرة السعودية"، مشددا على أن "الأندية السعودية تتحمل المسؤولية الكبرى في عرقلة احتراف اللاعبين الموهوبين، إذ تغريهم بعقود يسيل لها اللعاب مما يجعل اللاعب يتراجع عن الاحتراف الخارجي ما دام أمّن مستقبله بمبلغ كبير". ولفت الزياني "إلى أنها نظرة ضيقة وإغراق في "المحلية" وتؤكد انعدام الطموح للاعب السعودي الذي يجب أن يحاكي تجارب زملائه العرب من دول شمال أفريقيا الذين يبزغون بشكل لافت مع أفضل أندية أوروبا، خصوصا أن اللاعب السعودي مهاري ويمتاز بالموهبة الفطرية". ويرى أيضا "أن هناك لاعبين في الدوري السعودي أفضل من بعض اللاعبين في البطولات الأوروبية، ويمكن تأكيد ذلك في حال احترف أي لاعب سعودي في الخارج"، مضيفا ""من الناحية الفنية لا توجد أي مشكلة والاتحاد السعودي يشجع دوما تفعيل خطوات الاحتراف". وعن السبب الجوهري الذي يحول دون انتشار اللاعبين السعوديين في الخارج وخصوصا في أوروبا، يقول الزياني "الاحتراف مرتبط بالعرض المادي، ولكي يترك اللاعب السعودي بلاده للاحتراف خارجها يجب أن يتلقى عرضاً أفضل من الذي لديه في السعودية، لأنه في هذه الحال هناك الكثير من الأندية التي قد تحرر لاعبيها في حال تلقت عروضاً مغرية". واستشهد بالصفقة الكبيرة التي انتقل على إثرها مهاجم المنتخب السعودي ياسر القحطاني من القادسية إلى الهلال وبلغت 5ر22 مليون ريال سعودي (نحو 7 ملايين دولار) قبل أعوام. وختم قائلا "من دون شك أن عدم احتراف اللاعبين السعوديين في الملاعب الأوروبية أمر سلبي، لأنهم يفتقدون ميزة الاحتكاك القوي مع الفرق الأوروبية، مما يؤثر سلباً على المنتخب عندما يلتقي منتخبات قوية يملك لاعبوها الخبرة من خلال احتكاكهم المتواصل وخوضهم للمباريات القوية، بينما لا تتغير الحال كثيراً بالنسبة إلى اللاعبين الإيطاليين أو الإسبان أو الإنجليز عندما يشاركون في المونديال، لأن بطولاتهم المحلية قوية ويحتكون بأفضل لاعبي العالم". من جهته، أرجع اللاعب المعتزل سعيد العويران سبب عدم الاحتراف الخارجي للاعبين السعوديين "إلى القوة والجماهيرية العالية التي يتمتع بها الدوري السعودي"، مضيفاً " أن اللاعب السعودي يحصل على مردود مادي جيد من اللأندية المحلية، فلا يجد أي مبرر لخوض أي مغامرة خارجية". وأشار " إلى أن عدم وعي اللاعب السعودي بأهمية الاحتراف الخارجي يأتي في مقدمة الأسباب التي تجعله يعزف عن التفكير في الرحيل إلى أوروبا، مع تشدد مسؤولي الأندية في عدم السماح للاعبيهم بالاحتراف الخارجي". أما صانع الألعاب المعتزل نواف التمياط فأوضح بدوره " أن سبب تقدم منتخبات دول المغرب العربي على المنتخبات العربية الأخرى هو وجود عدد لا بأس به من اللاعبين المحترفين في الملاعب الأوروبية مما يكسبهم الخبرة بفضل احتكاكهم مع اللاعبين الأوروبيين، وهو أمر غير متوفر في الملاعب العربية الأخرى ومنها السعودية". أما اللاعب المعتزل المدرب الحالي فؤاد أنور، فقال " إن تجربته في الصين لم تفشل وكانت ناجحة وإن الاحتراف الخارجي يتطلب من اللاعب السعودي الصبر والوعي الاحترافي".