يستعد المجتمع الدولي في التاسع من يوليو المقبل لاستقبال مولود جديد، يعتبر آخر الدول المعترف بها في المحافل الدولية، بعد انفصال جنوب السودان عن "الجمهورية الأم"، بعد استفتاء رسمي للجنوبيين قرروا فيه الاستقلال عن الشمال. وعلى الرغم من أن المعلومات الراسخة في أذهان الكثيرين في العالم العربي، تشير إلى أن سكان الجنوب أغلبهم مسيحيون، إلا أن دراسة حديثة كشفت أن نسبة المسلمين تفوق نسبة المسيحيين، ووفقاًَ للإحصاءات الكنسية فإن 17% فقط من السكان يعتنقون المسيحية، في مقابل 18% من المسلمين، فيما 65% وثنيون. ومن المصادفات التي أوضحتها الدراسة أن تيار الدعوة السلفية ينتشر بقوة بين المسلمين، على خلاف ما يعتقده البعض من خلو الجنوب من الفكرة السلفية، حيث تمتد جذورها منذ بداية سبعينات القرن الماضي (1971)، والتي ترتبط فكرياً بجماعة أنصار السنة المحمدية السودانية، واستشهدت الدراسة التي قام بها "مركز المسبار للدراسات والبحوث" بحوار لرئيسها العام الدكتور إسماعيل عثمان الماحي أجراه في السابع من يوليو 2009، حيث قال فيه إن لجماعته "انتشاراً في جنوب السودان في أعالي النيل بملكال وفي الاستوائية في جوبا بصورة خاصة". وحول استقبال المجتمع القبائلي للتيار السلفي، يقول القيادي الجنوبي البارز في "أنصار السنة" الدكتور يوناس بول دي مانيال: "تميز استقبال الجنوبيين للدعوة السلفية بشيء غريب، وهو أن الدعوة وجدت حماية من الناس ولو لم ينتموا لها". الدراسة التي تأتي في سياق بحث كامل حول الإسلام في دولة جنوب السودان، تؤكد على خاصية مهمة من خصوصيات التيار السلفي عن وصيفه الشمالي، وتتمحور في بعض القضايا مثل العلاقة مع غير المسلمين، حيث إن البيت الجنوبي الواحد توجد فيه عدة ديانات، فكانت فلسفة "أنصار السنة" من الجنوبيين استعمال ثقافة التسامح في التعامل مع ذلك، إلى جانب أمور فقهية مثل عدم اللجوء لتغيير الأسماء بعد الدخول في الإسلام، وعدم الانقطاع عن الأسرة والعشيرة بعد الدخول في المنهج السلفي. وفي مجال الفكر السياسي كان سلفيو الجنوب متقدمين على الجماعة الأم في الخرطوم، حيث مارسو العمل السياسي العلني في وقت كانت رؤى الجماعة في التعامل مع حكومة الإنقاذ (المؤسسة الحاكمة) تراوح مكانها. الخط الاستراتيجي للسلفيين الجنوبيين يقوم على أن كل شخص التزم بدعوتهم، يذهب لمنطقته لدعوة أهله و"الأقربون أولى بالمعروف". ونجح "أنصار السنة" في الخروج من مأزق "الحرج السياسي" إبان الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، حيث ارتكز نشاطهم في العمل الدعوي فقط، وفي حدود "أنصار السنة" ومساجدها وخلاويها، وكانوا بعيدين عن العمل السياسي عندما اندلعت حركة التمرد بقيادة العقيد جون قرنق 1983، واحتاجت الاستخبارات العسكرية لأفراد مسلمين جنوبيين يساعدونها في معرفة المتمرد من المواطن، فمثل هذه العملية تحتاج للصدق والبعد من التعصب القبلي، ونجح ثلاثة من شباب "أنصار السنة" من الجنوبيين في القيام بهذا الدور، وفتح هذا الأمر الباب لتجنيد كثير من الشباب للجماعة، وهذا المنهج ساعد بعد اتفاقية السلام، حيث لم يتم تصنيف السلفيين كجهة ذات سمعة سيئة. أما حول مستقبلها في الجنوب بعد تأسيس دولتهم الجديدة، فيرى الكثيرون أن لها مستقبلاً واعداً مقارنة بالتيارات الإسلامية الأخرى، باعتبار "قوتها الذاتية"، لكن يظل تحديها الأكبر هو في توحيد العمل السلفي بالجنوب، بعدما بادرت إحدى فصائل العمل السلفي بالجنوب إلى إعلان فك ارتباطها بالجماعة الأم بالخرطوم، وتسجيل تنظيم رسمي للسلفيين، تحت اسم "جماعة أنصار السنة المحمدية"، حيث صادقت حكومة الجنوبالجديدة على قيام هذا الكيان الدعوي، الذي عقد مؤتمره العام وانتخب عبدالله أكوج أميناً عاماً للجماعة بدولة الجنوبالجديدة، مع احتفاظه بالعلاقة مع الأصل في الخرطوم، على أن يعمل الجسد الجديد ككيان منفصل. كما دعت دراسة المسبار مسلمي وسلفيي الجنوب إلى تطوير علاقاتهم مع مسلمي أفريقيا، وخاصة مسلمي أوغندا وكينيا وإثيوبيا وإريتريا التي يوجد بها تنظيمات سلفية.