عاد جبل أحد التاريخي، ليحتل مسرح الضوء من جديد بالمدينةالمنورة. وتمكنت نقطة ضوء صغيرة، إذا ما قيست بحجم الجبل الأهم بالمدينة، والتي سلطتها أمانة المدينةالمنورة قبل أيام على السفح الجنوبي للجبل، أن تبرز جانبا من تضاريس وملامح الجبل الذي شهد كما تروي المصادر التاريخية عددا من الأحداث التي من أهمها غزوة أحد التي وقعت أحداثها في السنة الثالثة من الهجرة. روايات الآباء أحاديث كثيرة تناقلها الآباء والأبناء، وقبل ذلك المهتمون بالتاريخ المديني لم تخل من اعتراضات قفزت فجأة كما رصدت "الوطن" بعد مثول جبل أحد ولأول مرة في تاريخه شاخصا مضيئا إلى عنان السماء. جبل أحد الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم "أحد جبل يحبنا ونحبه"، لم يغب عن متون كتب التاريخ، والمغازي والسير، وقد تحول شيئا فشيئا إلى رمز تاريخي وثقافي يحضر فقط في جلسات الباحثين، والمهتمين خصوصا في الندوات التاريخية والثقافية التي تتناول معالم المدينةالمنورة. إلا أنه وبعد مشروع الإنارة التجريبي الذي قامت به أمانة المدينة في منطقة سيد الشهداء زاد فضول أهالي المدينة خصوصا عابري الطريق الموازي لمنطقة سيد الشهداء لمعرفة تفاصيل أكثر، وقد بدأ بعضهم يروي ما يعرفه من أحداث وقصص عن سيرة ذلك المعلم التاريخي. الحفاظ على المعالم الإضاءة الجديدة، دفعت باحثين إلى التأكيد على أهمية ألا تكون تلك الإضاءة الجديدة على حساب معالم ذلك الجبل، الذي ارتبط بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعدد من الشخصيات الإسلامية، ولا يسمح برفع أي حجر من مكان، مطالبين أمانة المدينةالمنورة بأن توقف كل عمليات الاعتداء التي حدثت له في السنوات الماضية، مشيرين إلى الطرقات والحارات التي بدأت تمخر عباب الجبل من جميع جهاته. وطالب الباحث في تاريخ المدينةالمنورة الدكتور تنيضب الفايدي أمانة المدينة بحماية الجبل من جميع جوانبه، مشيرا إلى التشويه الذي لحق بمنطقة "المهاريس" وهي عبارة عن حفر طبيعية في الجبل تحفظ المياه المنحدرة من أعلاه وهي تمثل أهم معالمه الداخلية، وكانت تمثل فسحة لأهالي المدينة خلال سقوط الأمطار حين كانوا يخرجون إليه للنزهة. وطالب الفايدي أمانة المدينة بالمحافظة على نظافة الجبل والإيعاز لفرق متخصصة لتعهده بالنظافة. الفايدي يرى أنه لا بأس بإنارة الجبل ما لم تكن على حساب معالمه، مضيفا أنه يكفي ما حصل من إنشاء عدد من الحدائق على بعض سفوحه، وكذلك تمدد العمران في عدد من أجزائه خصوصا الجهة الشرقية، مضيفا "بتنا نشاهد منازل إحدى الحارات تصل لمسافات بعيدة داخل الجبل". ولا بد أن يبقى الجبل كما هو بعيدا عن معاول الهدم والتكسير. المفاجأة الإنارة التي لفتت كثيرين من أهل المدينة وزوارها، حدثنا عنها وائل علي الحربي الذي قال: إنه تفاجأ من إنارة جبل أحد وبات يراه من سطح منزله، مضيفا أنه ليست لديه معلومات كثيرة عن جبل أحد، سوى أنه وقعت بجانبه كما عرف من دراسته غزوة أحد بين المشركين والمسلمين، وتم كذلك دفن عدد من الشهداء في منطقة سيدنا حمزة. وقال المواطن محمد حسن: إن الإضاءة ميزت جبل أحد بالفعل، متمنيا أن تحظى جميع المعالم التاريخية بالمدينةالمنورة بنفس العناية، وأشار حسن إلى أن أبناءه باتوا يسألونه عن الجبل حين يمرون بجواره أكثر من المرات السابقة. لمسة جمالية أمانة المدينة ترى من جهتها أن مشروع إنارة سفح جبل أحد من الجهة الجنوبية أضفى لمسة إبداعية من خلال الهندسة الضوئية التي سلطت على الجبل. وتتجلى من خلال وقوف عدد من الأهالي لالتقاط الصور، حيث ساعدت تلك الإنارة بحسب مدير العلاقات والإعلام بأمانة المدينةالمنورة المهندس محمد بن صالح البليهشي في حديثه ل"الوطن" في إبراز تضاريس الجبل وصخوره التي شكلت لوحة جمالية يشاهدها كل زائر للمدينة المنورة من الناحيتين الشرقية والجنوبية. وأضاف البليهشي أنه تمَّ التشغيل التجريبي للمشروع في منطقة حديقة سيد الشهداء، وكان إجمالي مساحة المشروع لها بطول ثمانية كيلومترات بداية من تقاطع طريق الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع طريق المطار أسفل سفح الجبل وحتى طريق الأمير نايف بن عبدالعزيز (طريق الجامعات)، حيث وقع العقد مع إحدى الشركات المحلية بداية العام الماضي بقيمة إجمالية بلغت 8,913,962 ملايين ريال بمدة 24 شهرا تبقى منها نحو 13 شهرا لإكمال تنفيذ المشروع. معلم هام ويعد جبل أحد من أهم المعالم الطبيعية في المدينة وأظهرها، ويمتد كسلسلة جبلية من الشرق إلى الغرب، مع ميل نحو الشمال، في الجهة الشمالية من المدينة، ومعظم صخوره من الجرانيت الأحمر، وأجزاء منه تميل ألوانها إلى الخضرة الداكنة والسواد، وتتخلله تجويفات طبيعية تحفظ مياه الأمطار أغلب أيام السنة، لأنها مستورة عن الشمس، وتسمى تلك التجويفات (المهاريس). جدل المؤرخين عضو اتحاد المؤرخين العرب، الباحث في تاريخ المدينةالمنورة أحمد سعيد بن سلم ذهب في البداية إلى أن الحادثة التاريخية تعطي شهرة للمعلم الجغرافي، وهو الأمر الذي يمثل جبل أحد خير مصداق له، حيث إنه حقق شهرته نظير ارتباطه بمعركة أحد الشهيرة. ابن سلم يرى أن أحد أشعل كثيرا من المعارك الثقافية على مدى قرون في إشارة إلى ما أثاره حينها مؤرخ المدينةالمنورة الراحل إبراهيم العياشي يرحمه الله حين قال في سياق تناوله لموقعة أحد التاريخية: إن خالد بن الوليد التف حول جبل أحد، وهو الأمر الذي لم يتفق معه كثير من المؤرخين، بدلالة من يدرس طبيعة موقع الغزوة، وكذلك عامل الوقت الذي حدثت فيه المعركة يدرك أنه لا يمكن أن يكون خالد بن الوليد قد التف حول جبل أحد وقطع كل تلك المسافة. ابن سلم أكد أن جبل أحد ارتبط بكثير من الممارسات الدينية والثقافية والاجتماعية، حيث مشهد سيد الشهداء، عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبدالمطلب، الذي كان من أبرز فرسان موقعة أحد، مستحضرا عددا من الروايات التي تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى ودعا للبكاء عليه، وذلك حين رجع النبي إلى المدينة وسمع البكاء والنواح على القتلى، فذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم وبَكى، ثم قال "لكن حمزة لا بواكي له". فجاء نساء بني عبدالأشهل لما سمعن ذلك، فبكين عم الرسول ونحن عليه على باب المسجد، فلما سمعهن خرج إليهن وقال "ارجعن رحمكن الله، فقد آسيتن بأنفسكن".