عبدالله العولقي المثقفون والباحثون العرب مختلفون اليوم حول مصير الانتخابات العراقية القادمة، هل سيعود العراق إلى الحضن العربي ويخلع عن نفسه الطائفية والمناطقية التي عبثت به منذ انهيار نظام صدام حسين عام 2003 وحتى الآن، ونجد قادة عراقيين ينهضون بوطنهم ويعيدونه إلى المكانة اللائقة بتاريخه، أم أن اللعبة نفسها التي يمارسها الملالي منذ ذلك التاريخ ستستمر في خداعها أمام الشعب العراقي وعبر البوابة الديمقراطية، وتكرر الأسماء التي تتنافس على أكل خيرات العراق؟!. الإشكاليات والخلافات المتعددة التي يشهدها البرلمان العراقي في الفترة الأخيرة تدل على مدى الخلاف الواسع بين الفئة القليلة التي تنوي تطبيق الديمقراطية الحقيقية، وتوفير المناصب والإدارات، والتوظيف لكافة فئات الشعب حسب الجدارة، وبين فئة الأغلبية التي تريد فرض الواقع الطائفي على العراق، وتهميش المكونات الاجتماعية والدينية الأخرى، ولكن اللافت للنظر أيضاً أن هذه الأغلبية تعاني هي الأخرى من انقسامات حادة في مكوناتها بالرغم من اتفاقها على مبدأ الطائفية، ولعلنا في هذا المقال سنوجز شيئاً يسيراً من هذا الاختلاف فيما بينها. الإشكالية الكبرى في ديمقراطية العراق الواهنة هي دخول الميليشيات العسكرية في قوائم الاقتراع الانتخابي، وهذا ما يضعف الانتخابات البرلمانية ويؤهلها إلى الصورة الزائفة للديمقراطية، فكما هو معروف عن قوى الحشد الشعبي خصوصاً، والميليشيات المدعومة من نظام الملالي عموماً، أنها تحولت إلى أحزاب سياسية دون أن تتنازل عن أسلحتها أو التزامها بالتخلي عن أجندة الحرس الثوري الإيراني، أو دورها العنجهي في الاستيلاء على مكامن النفط وتصديره، بعيداً عن أعين الحكومة، وهذه من الكوارث التي ابتلي بها العراقيون اليوم. رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي يؤكد على الديمقراطية النزيهة والحقيقية في العراق، ولكنه يمارس النقيض حينما يبذل قصارى جهده للتحالف مع القوى الطائفية، فقد حاول تكوين كتلة سياسية قوية تحت مسمى (نصر العراق)، تضم حزبه مع قوات الحشد الشعبي والمجلس الإسلامي الأعلى، ولكن سرعان ما أخذ هذا التحالف في الانهيار السريع وتفككت مكوناته سريعاً بعد انضمام حزب عمار الحكيم إليهم، وهو يحاول الآن جاهداً تكوين كتلة سياسية أخرى يستطيع من خلالها الظفر بالانتخابات القادمة. الزعيم الشيعي مقتدى الصدر هاجم العبادي وأسلوبه في السياسة، خصوصاً بعد محاولته الفاشلة في التحالف مع القوى الطائفية، واعتبر أن السياسيين الذين ينهجون المنهج الطائفي في العراق هم من أوصل العراق إلى وضعه المأزوم اليوم، وخاطبهم: عظم الله أجر المصلحين والدعاة، وأجر كل من نبذ الطائفية والتحزب، مشيراً إلى وضع الانتخابات العراقية وما وصلت إليه نتيجة لسياسة التعصب الطائفي. أما رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، والذي يعد المنافس الأقوى والأبرز أمام العبادي، والذي سجل استقالته سابقاً من الحكومة بعد فشله الذريع في تقويض داعش أمام توسعه السابق واكتساحه للمناطق العراقية، بعد أن سجلت حكومته الأرقام القياسية في مستوى الفساد الإداري، هو اليوم يحاول أن يصحح صورته المأزومة أمام الشعب العراقي ويجري تحركات واسعة لزيادة كتلته البرلمانية، ويحظى بدعم لا محدود من نظام الملالي في طهران. المراقبون والكتاب والمثقفون العرب اليوم ينظرون للمشهد السياسي العراقي ببارقة أمل كبيرة، بحيث يخرج العراقيون من خندق الطائفية التي فرضها عليهم نظام الملالي في طهران، بعد العهد الصدامي، ويعودون دولة عربية حية تتشارك معهم المشهد العربي، ويعولون على انحسار الدور الإيراني اليوم، جراء ما تشهده الأقاليم الإيرانية من ثورات الخبز والعواصف الداخلية، بينما يؤكد الآخرون بقراءاتهم للأوضاع الحالية على استمرار الطائفية في العراق وأثرها المقيت على انتخاباته، جراء هيمنة الملالي على المشهد السياسي والاجتماعي بنظريته (الولي الفقيه)، مما حدا بالمؤرخ العراقي رشيد خيون إلى التعليق على الحالة اليوم بقوله: «إن الانتخابات العراقية أكذوبة، وأن المتصدر الأول والأخير هو ولاية الفقيه، فأنا أستعجب كثيراً، لماذا ينتخب العراقيون؟!.»